أمس امتنع بوش عن الوعود لاقامة دولة فلسطينية. واكتفى بوضع معضلة للفلسطينيين الذين دعيوا لان يختاروا بين المتطرفين من حماس وبين ثنائي المعتدلين، الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، اللذين عرضا كشريكين متساويين في الحكم. وهاجم بوش بتعابير قاسية على نحو خاص حماس، وعرض الحركة كعصبة قتلة ستوقع كارثة على الفلسطينيين، وأعطى شرعية لابعادها عن الحكم. وعقب مصدر سياسي كبير في القدس قائلا: "حتى نحن لا نتحدث عنهم هكذا". وعرض الرئيس مسارا من مرحلتين. اولا، ان يقضي الفلسطينيون في أوساطهم على الارهاب والفساد، وفقا للتعليمات الصارمة في خريطة الطريق: اعتقال ارهابيين، حل منظمات ارهابية ومصادرة السلاح. واذا ما قاموا بذلك، ستبدأ مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية على التسوية الدائمة، يتم فيها البحث في "مسائل اللباب": الحدود، اللاجئين والقدس. الحدود بين اسرائيل وفلسطين ستتقرر بالتوافق. استنادا الى "خطوط الماضي" والواقع في الحاضر، مع تعديلات متفق عليها". الترجمة: حدود على أساس الخط الاخضر، مع تبادل للاراضي تعوض فيها اسرائيل الفلسطينيين على ما ضمته من كتل استيطانية. بوش وافق على مطلب عباس للبحث مباشرة في التسوية الدائمة، والقفز عن المرحلة الانتقالية لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة. اما رئيس الوزراء ايهود اولمرت، الذي يرفض الان البحث في مسائل اللباب، فليس لديه ما يدعوه الى القلق. فقد تلقى تمديدا، الى أن تكون السلطة الفلسطينية نقية من الارهابيين والفاسدين. الخطاب تقرر في ذكرى مرور خمس سنوات على عرض "رؤيا الدولتين". وفي البيت الابيض ترددوا بالنسبة للتوقيت وارادوا ألا يكون الخطاب قريبا جدا من زيارة اولمرت الى واشنطن، في 19 حزيران، كي لا يظهر وكأنه املاء اسرائيلي. الخطاب في العام 2002 الذي دعا الى ازاحة ياسر عرفات، اعتبر في حينه في العالم كخضوع لارئيل شارون. في مكتب اولمرت كانوا راضين امس. التعابير القاسية لبوش عن حماس اتاحت لاولمرت تحذير عباس، حتى قبل الخطاب من أنه اذا ارتبط مرة اخرى بالحركة "فان المسيرة السياسية ستتفجر". والطلب الوحيد لبوش من اسرائيل كان اخلاء مواقع استيطانية، واولمرت مستعد له. الجديد الاساس في الخطاب، مبادرة المؤتمر في الخريف، تصب في رغبة اولمرت الذي يحتاج الى انجاز سياسي عشية تقرير فينوغراد. ثمن البطاقة الى المؤتمر، على حد تعبير بوش، هو الاعتراف باسرائيل: الان يتبقى أن نرى اذا كانت السعودية توافق على المجيء. فمعارضتها للقاء علني مع اسرائيل فجر مبادرة مشابهة قبل بضعة أشهر. وقضى بوش ان الدولة الفلسطينية ستكون "في الضفة الغربية وفي غزة"، وهدأ روع الاردنيين المتخوفين من توحيد مفروض للضفتين. وجدد دعوته لمصر والاردن ليكونا بوابة للتصدير الفلسطيني. وهكذا يكون استجاب لفكرة شارون القديمة ورد الضغوط على اسرائيل لتفتح المعابر من المناطق للتجارة الخارجية الفلسطينية. في اسرائيل فسروا الخطاب كاسناد من بوش لوزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس، التي اصطدمت دعواتها لحث الافق السياسي لانعدام الحماسة من اولمرت. ولكن اسناد بوش كان فاترا، نصف شاي ونصف قهوة: هو مستعد لافق سياسي ومحادثات على التسوية الدائمة، شريطة أن تقود المؤتمر الاقليمي رايس وهو يبقى في البيت. ما تبقى من اعتبار قليل له، لا يريد بوش أن يخاطر به في المستنقع الفلسطيني. - هآرتس 17/7/2007 - اقرأ المزيد...
بقلم: تسفي بارئيل
تاريخ النشر: 2008/2/25
×
إسرائيل لا تريد السلام بل إرضاء واشنطن
مثل الطفل في رسومات الالغاز التي تُعرض في الصحف عادة نرى الرئيس جورج بوش قد اختفى من الصورة. ولكن خلافاً لتلك الرسومات البريئة البسيطة التي يتوجب فيها تركيز النظر قليلاً وادارة الصحيفة يميناً ويساراً حتى يظهر الطفل الضائع ضمن الصورة فانه في حالة بوش نرى ان الحكاية اشد تعقيداً وصعوبة. هناك رسم الا ان الرئيس غير موجود. من قمة انابوليس الى جولات كوندوليزا رايس السياحية لم نعد نرى الا الشعار الصدئ "عملية السلام"، الذي يذكرنا بأن شيئا ما كهذا كان هنا ذات مرة. ايهود اولمرت ومحمود عباس ما زالا يلتقيان مثل العجوزين اللذين يصلان الى الفرع المحلي لصندوق المرضى حتى يتبادلا اطراف الحديث ثم يعودان لقيلولة الظهيرة. كلاهما ينظران للافتة الجديدة التي نصبت من قبل مقاولي السلام الاميركيين وتقول: "هنا سيبنى فرع جديد لعملية السلام". ليس معروفاً بعد من سيكون المقاول ــ هيلاري، اوباما، ام مكين ــ ولكن بدأ الناس من الان يبثون التحليلات المنمقة "من سيكون الافضل لاسرائيل ومن الذي سيدفع عملية السلام للامام".. هناك ايضا شعار جديد "اسمه التغيير". هذا تعبيرٌ يتسبب برجفة خفيفة في العمود الفقري القومي التغيير من ماذا؟ التغيير لماذا؟ خصوصاً عندما يصدر هذا المصطلح عن اوباما الذي ينظر له تلقائياً كمن قد يتسبب بتغيير الاتجاه في البيت الابيض والادارة الاميركية كلها ضد اسرائيل. هذا بالضبط نفس التهديد الذي تحمله السيدة كلينتون في جعبتها خصوصاً بالنسبة لمن يخشى ان تنشأ عملية سلام ــ لا قدر الله ــ من التوجه نحو السلام. القلق لا داعي له. ادارة بوش التي تعتبر "الادارة الاميركية الفضلى لاسرائيل" اكتفت فقط بتحديد خطوط حمراء حول تجاوزات انسانية ارتكبتها اسرائيل، ومن خلال ذلك أيضاً لم تسجل لنفسها انجازات ذات اهمية. هي لم تنجح في التوصل لتفكيك بؤر استيطانية او ازالة مهمة للحواجز وحكمت على نفسها بالصمت المطبق في ظل الاغلاق والحصار الذي فرضته اسرائيل على غزة ولم تتداعَ عندما اتضح لها ان اسرائيل تحول التزاماتها امامها الى أضحوكة. في الاسبوع الماضي تحدثت رايس عن "احباط" من سياسة اسرائيل، وقال مساعدها، ديفيد ولش، في لقاء الرباعية الدولية ان "الولايات المتحدة لا تشعر بالارتياح من التحركات الاسرائيلية في غزة". يا ويلتاه الدولة العظمى تتعذب وتعاني من الاحباط، ولكنها كسولة ايضاً. وما الذي توقعه من الرئيس الجديد الذي سيخطط من اليوم الاول لولايته الثانية في البيت الابيض؟ ان يأمر بتقسيم القدس ويتصادم مع يهود الولايات المتحدة؟ ان يقوم بإزالة خارطة الطريق عن الخارطة؟ وربما سيضغط الصوت اليهودي في هذه المرة؟ قائد احدى المؤسسات اليهودية المهمة في الولايات المتحدة قال، هذا الاسبوع، لمحادثة من دون ذكر اسمه ان هدف المؤسسات اليهودية هو دفع الادارة الاميركية والكونغرس لتأييد كل سياسات حكومة اسرائيل. هذا يعني ان الجمهور اليهودي نفسه الذي يفترض به ان يكون قلقاً من طابع "الملجأ اليهودي" يعفي نفسه من التمعن في سياسات اسرائيل من خلال التعليم المريح القائل: "ان كنا لا نخاطر بأرواحنا من خلال العيش في اسرائيل فليس لنا الحق بأن نقول رأينا حول سياستها". ليس مهما الان ما هي درجة قوة وصحة هذا الامر، ولكن الامر الاهم هو ان كل رئيس اميركي يمكنه ان يشعر بالثقة بالحصول على الصوت اليهودي طالما كان مؤيداً لسياسات حكومة اسرائيل كائنة ما كانت. الافتراض الثابت هو ان سياسة السلام الاسرائيلية قد أتت من اجل ارضاء واشنطن اكثر من كونها وسيلة للوصول الى السلام الحقيقي. لولا الضغط الاميركي لما التقى اولمرت مع ابو مازن وبالعكس، ولولا معارضة بوش لكانت اسرائيل الان في ذروة عملية سلام مع سورية. هذا الافتراض تجسد علنياً وبصورة ملونة في كل مرة كانت تأتي فيها الى المنطقة شخصية اميركية بارزة. هذه الحركة الوهمية أعطت الانطباع بأن اتفاق السلام سيتحقق حتى آخر 8200. عن "هآرتس"
بقلم: شيلدون شريتر
تاريخ النشر: 2008/2/14
×
من أجل القضية، يجب أن تذهب المستوطنات
تل أبيب يبدو أن الإسرائيليين فقدوا إيمانهم بصحة قضيتنا، حسبما أبداه المراقبون مؤخراً بهلع. وإذا كان ذلك مردّه الوهن الأيديولوجي أو النزعة العالمية للسعي وراء الأهداف الشخصية والمادية بدلاً من الجماعية، أو فقدان الإيمان بوعد الله إعطاء هذه الأرض لإبراهيم، فإن هناك سببا حقيقيا للقلق. إذا أخذنا بالاعتبار التحديات التي تواجه إسرائيل والمتطلبات المفروضة على مواطنيها، فإن الإجماع الوطني على الحرب أو السلام والعلاقات مع جيراننا العرب وعلى الأولويات المجتمعية ليست ترفاً وإنما ضرورة. كيف وصلنا إلى هذا الوضع وكيف نستطيع الوصول إلى مكان أفضل؟ لقد أطلق نصر إسرائيل الساحق في حرب الأيام الستة موجة من الطاقة المجنونة داخل الدولة وفي كامل العالم اليهودي. فهو، ضمن أمور أخرى، أدى بأناس مثلي لأن يقوموا بالعودة للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ولكنه أطلق كذلك أموراً كثيرة على خط تماس ضخم، مسببة الانحراف عن الصهيونية البراغماتية المسؤولة عن إيجاد الدولة اليهودية، فقد انصبّت طاقات هائلة وموارد ضخمة وابتكارية لا نهاية لها في المستوطنات في المناطق التي احتُلّت عام 1967. أنا من أتباع الحوافز اليهودية، رغم أني لست مع أعمال العديد من الذين يعيشون في هذه المستوطنات أو عقائدهم المتطرفة. من بينهم بعض أفضل مواطنينا، ولكنهم يضمون كذلك أقلية صغيرة، متطرفة وعنفية، تسببت أعمالها بالأذى لقضية الدولة اليهودية ومشروع الاستيطان نفسه. قرأت مؤخراً كتاب دافيد شولمان، \"الأمل القاتم\"، وهو تقرير شاهد على الأعمال المتطرفة التي ترتكب في الضفة الغربية باسم الشعب اليهودي. ورغم أنني أشارك العديد من المستوطنين التزاماتهم، إلا أن ذلك لا يغير قناعتي بأنهم على خطأ، بعمق وخطورة، لأنهم يرهنون المؤسسة الاسرائيلية بأكملها من خلال قضية الاستيطان. نتيجة لذلك فقد تسببوا بأذى خطير غير مقصود لصدق قضيتنا الوطنية الواسعة على مستويين اثنين: أولاً، منظور الصدق الأساسي لقضيتنا عند شعوب العالم. كانت تلك حالة لا يمكن الاستغناء عنها عند ولادة دولة إسرائيل عام 1948، وما زالت قضية حرجة اليوم. من الغباء أن نقلل من أهمية هذه القضية أو أن نهزأ منها. الحفاظ عليها صعب، حيث أن أعداءنا يسّوقون الافتراء أن إسرائيل مجرد أداة زرعها الاستعمار، دولة فصل عنصري أخرى مثل جنوب أفريقيا، أو في أفضل الحالات، تصدير أوروبا لمشكلتها اليهودية إلى الشرق الأوسط. أهم إثبات في ترسانة أعدائنا هي المستوطنات، والاتهام بأننا نسرق أرض جيراننا وموارد رزقهم. لو تم بناء جدار الأمن على حدود الهدنة لعام 1967 أو بالقرب منه لما أثار ذلك معارضة شديدة، محلياً أو دولياً، وكون الجدار قد استُغلّ حجّة لسرقة أراضٍ واسعة إنما يؤكد ادعاء أعدائنا. الإعلانات الأخيرة عن إنشاءات واسعة النطاق في القدس الشرقية بعد اجتماع أنابوليس مباشرة إنما هي دليل على ذلك. ثانياً، هو الأثر الذي كان للمستوطنات على إجماعنا الداخلي وإيماننا بصدق قضيتنا. تؤكد نتائج الانتخابات، إضافة إلى حواراتنا اليومية، الانشقاق العميق في المجتمع الإسرائيلي حول المستوطنات. عوارض هذا الانشقاق كثيرة، من حرب لبنان الثانية إلى المرارة المثبطة للهمّة والسخرية من قدر كبير من طرحنا العام، إلى ما بعد الصهيونية للعديد من مفكرينا، إلى معدلات الهجرة إلى الخارج. ليست المستوطنات هي السبب الوحيد وإنما هي سبب إستراتيجي. تقوض المستوطنات أركان المنظور الخارجي لنا، وكذلك منظورنا الداخلي بصدق قضيتنا. لذا، وفي تناقض صارخ مع نوايا العديد من سكان هذه المستوطنات، ينتهي الأمر بأن تضعف المستوطنات من قوتنا بدلاً من أن ترفدها، وتشكل خطراً كبيراً على وجود الدولة اليهودية الوحيدة التي نملكها. هناك رابط غريب متناقض بين لهفة المستوطنين للحصول على كامل أرض إسرائيل ومطالب العرب بدولة واحدة علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها. كلاهما سوف يؤدي إلى دمار إسرائيل. لن يرضي الانسحاب من المستوطنات خصومنا، كما لا يجب علينا أن ننسحب من طرف واحد، دون ضمانات وحمايات ونقاط نقف عندها للتقييم والتأكيد. ولكن علينا أن ننسحب، لأجل حاجاتنا ومصالحنا. احتلال الفلسطينيين يفترسنا من الداخل، مثل نمو سرطاني يحتاج إلى عملية جراحية لاستئصاله حتى يتسنى للجسم أن يعيش. ليس من قبيل المصادفة أن العديد من أبرز جنرالاتنا الذين تحولوا إلى ساسة، مثل ديان ووايزمان ورابين وباراك وشارون، توصلوا إلى نتيجة أن الفصل عن الفلسطينيين في المناطق كان حاسماً لإسرائيل وبقائها كدولة يهودية. علينا أن نصحو من غفوتنا، وأن نضع الأولويات وأن نجمّع أنفسنا قبل فوات الأوان. علينا أن نتنازل عن الانشقاق العميق في داخلنا حول إسرائيل الكبرى حتى نتوحد بفعالية لصالح إسرائيل ما قبل عام 1967 (مع إضافات قليلة متفاوض عليها). إيماننا المشترك في صدق قضيتنا، والذي بدونه سوف نسقط، لا يمكن إعادة بنائه طالما كنا نحتل شعباً آخر ونفرض نزوحه. سيكون من المؤلم ترك أماكن مرتبطة بذاكرتنا الجماعية التي نقدسها، ولكنه سيكون مأساوياً إلى درجة أبعد بكثير أن نخاطر باحتمالات تداعي دولة إسرائيل وتفككها، وهو ثمن أكبر بكثير من أن نتحمله. . شيلدون شريتر رجل اعمال من رعنانا، من مواطني مونتريال اصلاً، وقد هاجر الى اسرائيل عام 1976
بقلم: روزان تسفي
تاريخ النشر: 2007/11/13
×
المستوطنات غير اخلاقية
ولكنهم يرون الطريق من دون أن يتمكنوا من الوصول اليه. خلال العشرين عاما الأخيرة ظهرت بينهم وبينه على رأس كل جبل مستوطنة أو بؤرة استيطانية: في البداية جاءت بؤرتا كرمل وماعون وسدتا الطريق على الفلسطينيين. بعد ذلك أُقيمت حظيرة ضخمة للمواشي بين المستوطنتين فسدت الطريق الالتفافي الموصل الى الشارع رقم 317. وبعدها جاءت مزرعة ماعون وافيجيل وماغين دافيد ومزرعة لوتسيبر، ومن حولها مساحات متزايدة من المناطق العسكرية الأمنية والاشجار وقنن الدجاج. عندما حاول سكان القرية السفر عبر الطرق الاعتيادية، أوقفهم ضابط الأمن في المستوطنات والجيش أو المستوطنون العاديون – الذين أخذوا زمام المبادرة بأيديهم – بالقوة. والآن لم يعودوا يجربون حتى. هذا كان مثالا واحدا فقط للحكاية الاكثر نفيا وكبتا في الجدل الاسرائيلي الدائر حول المستوطنات. ليس في اليمين فقط وانما في وسائل الاعلام واليسار "المعتدل". لم يعودوا يتحدثون عندنا عن ذلك. يذكرون الديمقراطية و"الشرعية"، ويتحدثون عن عرقلة التسوية المستقبلية، وحتى عن جمال الأسطح القرميدية المشبوهة – ولكنهم لا يتحدثون عن الاخلاق. يتوجب قول الامور بصوت مسموع وواضح: المستوطنات مرفوضة، ليس فقط لانها تلحق الضرر بعملية السلام وتحول دون التسوية أو تسيء لسمعة الخطاب الصهيوني، وانما أولا وقبل كل شيء بسبب الظلم اليومي الذي تتسبب به جميعها. مجرد وجود المستوطنين في المناطق يتسبب في الكثير الكثير من المعاناة لعدد كبير جدا من الناس. لا يتعلق الامر فقط بالظلم المنهجي المبيت الذي يرتكبه زعران المستوطنين في سوسيا أو الخليل أو يتسهار وما الى ذلك، وانما قبل كل شيء بالظلم التاريخي الذي يتسبب به الاشخاص الجيدون في المستوطنات البرجوازية "المعتدلة" بسبب نهب الاراضي، سواء كانت خاصة أو "أميرية" والحواجز والاغلاقات وعمليات التجريف وتضييع أية فرصة لابقاء قطعة حياة طبيعية للفلسطينيين. وكذلك الامر بسبب الطرق المخصصة لليهود وحدهم والمناطق الامنية التي بين المزارعين واراضيهم وتوزيع المياه والسور وغيره وغيره. معاناة تاريخية موثقة في الكثير من التقارير، وبالرغم من ذلك بقيت بعيدة عن الانظار بالنسبة لاغلبية المستوطنين. هناك من يؤمنون بصدق واخلاص بالتعايش بين المستوطنين والفلسطينيين، ويقولون من دون أية ذرة من السخرية أن "هناك مكان كاف للجميع". وكأن هذا المكان غير قائم. ليس عندما يأتي الجيش دائما مع المستوطنين ومعه الحواجز والازعاجات والمناطق الامنية ومصادرة الاراضي. ليست هناك ولو مستوطنة واحدة، مهما كانت اجماعية ومعتدلة، لم تخلف وراءها ذيلا طويلا من المعاناة والآلام. على هذا النحو يمكن لسكان أفرات ومعاليه ادوميم – مستوطنتان برجوازيتان شكليا – أن يتخيلوا بينهم وبين انفسهم انهم يعيشون في مدينة اسرائيلية عادية. ولكن من حولهم تشيد الاجزاء الاكثر وحشية من الجدار الفاصل الذي يحبس عشرات آلاف الفلسطينيين بينه وبين الخط الاخضر ويبعدهم عن اراضيهم ومصادرهم المائية ومدنهم الأم. صحيح أن من الممكن أن يكون هناك احتلال من دون مستوطنات مثلما هي الحال في غزة، وليس من الصحيح اتهام المستوطنين وحدهم بالقسوة والغلظة – كل سلطات الدولة شاركت وما زالت في ذلك حتى آخر جندي من جنود الاحتياط. ولكن المستوطنات هي التي تحول التماس مع الاحتلال الى حاضر – غائب بالنسبة للفلسطينيين، هي التي تجلب الجيش والحواجز والخوف في كل مكان وبسببها لا يذوق الفلسطينيون لحظة واحدة من الحياة الطبيعية التي ترزح دوما تحت وجود الاحتلال الرهيب. من الجدير بنا أن نذكر ذلك في محادثات الصالونات القادمة حول "مستقبل المناطق". - هآرتس 13/11/2007 - لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2007/9/22
×
الردع محدود الضمان
في نظر العديد من الاسرائيليين النتيجة الاساس لحرب لبنان الثانية كان فقدان الثقة الجماعية بالنفس. فمن تربى على قصص حرب الايام الستة، عملية عنتيبة وقصف المفاعل في العراق، وجد صعوبة في أن يفهم كيف فشل الجيش الاسرائيلي في المواجهة مع منظمة حرب عصابات لبنانية صغيرة. وبدا الأرق منذئذ في كل حديث عن الوضع، بل واحتدم بعد أن احتلت حماس غزة في ثلاثة ايام. كيف سننجو امام الاسلام المتطرف، ماذا سنفعل مع ايران، هل اكتشفوا كيف يقوضوننا. هل الصهيونية ستبقى والاطفال سيواصلون العيش هنا، أم سيتعين عليهم التنقل في منفى جديد. الرجل الذي وعد تحويل المزاج العكر، واعادة البسمة الى عيون الاسرائيليين هو وزير الدفاع ايهود براك. كانت هذه رسالته في الحملة لرئاسة حزب العمل، والتي وعد فيها الامة بالامن وترميم الردع. بعد مائة يوم في المنصب، يشعر براك انه أنجز المهمة. شعوره جد ايجابي. وهو يرى كيف تستعاد الثقة بالنفس، وكيف يشعر الناس بالردع الاسرائيلي مرة اخرى. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، بشر في بداية هذا الاسبوع بان الردع الاسرائيليي قد رمم، "وان هذا يؤثر على كل الساحات الاقليمية، بما في ذلك ايران وسوريا". ويتفق براك مع هذا التقدير. خسارة فقط أن التحولات التي اجتازها براك في السنوات الاخيرة، السقوط من الحكم والعودة الى الامن، لم تعلمه كيف يعبر عن نفسه ببساطة. تحليلاته اللامعة لا تزال ملتوية بعض الشيء، ناهيك عن القول بانها مضنية. الردع، في نظره هو الاحساس بان اسرائيل تعرف كيف تنظر بعين مفتوحة الى الاوضاع، حتى الخطيرة منها، واختيار كيفية العمل. ان لها القدرة على اتخاذ القرارات والخبرة المهنية لتنفيذها. واذا كان هذا يعمل على نحو سليم، فان المواطنين يتمتعون بهدوء داخلي والوضع الحقيقي للدولة يتأثر عميقا. إرث الصمت من يجد صعوبة في متابعة هذا الشرح الطويل، يمكنه أن يكتفي بالعناوين الرئيسة في الصحف في الاسابيع الاخيرة. فبعد فترة طويلة من الدفاع عن النفس، الامتصاص والاهانة، تبدو اسرائيل مرة اخرى كمبادرة ومظفرة. هنا تقرير عن قصف منشأة نووية في سوريا (حسب مصادر أجنبية)، هناك نبأ عن اختطاف كبار مسؤولين من حماس من غزة، وهنا اعلان عن تقليص توريد الكهرباء الى القطاع وعن عملية تقترب ضد وابل القسام. وتلتقط الصور لبراك في المناورات، كما أن براك يكافح في سبيل الميزانية، براك يكافح المتملصين من الخدمة، براك يمنع التنازلات للفلسطينيين. قلة التسريبات من داخل جهاز الامن، والاحساس بان كبار رجالاته يتمتعون بالعمل مع واحد منهم بعد الولاية القصيرة والمحرجة لعمير بيرتس، يلعب في صالح براك. وهو يتخذ، على الاقل حاليا، صورة رب البيت في مقر وزارة الدفاع. براك ارتبط دوما بالصور الاكثر تاريخية منه بابناء زمنه، وهو يستطيب اقتباس نابليون. فقد تعلم منه بالتأكيد أهمية الحظ في الحياة المهنية للجنرالات وكبار المفكرين العسكريين. لا ريب أن توقيت "العملية في سوريا" لعب في صالحه. وحسب وسائل الاعلام الاجنبية، فان المعلومات التي تشتبه بتعاون نووي بين سوريا وكوريا الشمالية وصلت الى اسرائيل قبل نحو نصف سنة. بيرتس كان في حينه وزيرا للدفاع. لا غرو أنه كان السياسي الاول الذي تحدث في وسائل الاعلام عن أهمية "الطلعة". ويمكن فقط للمرء أن يتصوره يجلس في بيته في سديروت ويتخيل باحباط عما كان سيحصل لو كانت الانتخابات التمهيدية تأجلت بضعة اشهر. ما هي مساهمة براك في اتخاذ القرارات في القيادة؟ مع تسلمه مهام منصبه قرر بضع قواعد للعمل. التقويمات والتعليمات يجب أن تسلم خطيا، وليس بالغمزات والتفاهمات الشفوية. مرؤوسوه سيتلقون منه الاسناد حتى لو اخطأوا، إذ من الاخطاء يتم التعلم؛ وفقط الاخطاء في السلوك تحت النار لن تغتفر لانها تبث رسالة عن اداء الجيش برمته. لقاءات ضباط كبار مع رئيس الوزراء ايهود اولمرت، يجب ان تمر من خلال وزير الدفاع. براك يتحفظ من إرث ارئيل شارون، الذي درج على القفز عن الهيكلية المراتبية، والاتصال من مكتبه للقادة في الميدان واضفاء روح القائد عليهم. وهذه صفقة براك: اولمرت يتمتع بشخصية أمنية مجربة الى جانبه، وبالمقابل عليه أن يمتنع عن النبش في الجيش الاسرائيلي. ولكن التأثير الاساس لبراك كان في اضفاء سياسة الصمت في الشؤون العملياتية. من ناحيته، قبل أن تتقرر حملة خلف الحدود يجب الاخذ بالحسبان رد فعل الجانب الاخر ومحاولة التأثير عليه. العملية لا تنتهي عندما تعود القوات الى الديار، بل عندما يرد العدو. في العام 1988 اغتالت اسرائيل المسؤول الكبير في م.ت.ف ابو جهاد في بيته في تونس. براك، الذي كان في حينه نائبا لرئيس الاركان، اقترح عدم تحمل المسؤولية. فالجميع سيعرفون على أي حال من صفاه وخسارة دفع الفلسطينيين نحو موجة من الاغتيالات والاغتيالات المضادة. لم يكن من الصعب عليه اقناع رئيس الوزراء في حينه اسحق شمير بانه من الافضل الصمت. شمير رجل الحركة السرية كان ينفر على أي حال من الثرثرة الامنية. في العام 2007 الواقع مختلف والجوع لنيل الحظوة على النجاحات أشد مما كان في أي وقت مضى، ولا سيما بعد الفشل في لبنان. يمكن التقدير بان براك أقنع اولمرت بان الصمت افضل من الثناء الذاتي. ردود الفعل الدولية على "العملية في سوريا" جعلت نهجه في نظرة الى الوراء محقا. ولكن ما هذا مقابل الزلة الداخلية العلنية لبنيامين نتنياهو، الخصم التاريخي لبراك، الذي كشف السر الكبير في مقابلة تلفزيونية يوم الاربعاء. عن ضربة قاضية سياسية كهذه لا يمكن الا الحلم: ايهود وايهود صامتان ومسؤولان، وبيبي، الذي لم يكن على الاطلاق شريكا في القرار المصيري، يتورط في الاستوديو بفمه الكبير. في مسألة الحظوة، يوجد لبراك مفهوم مشوق. صحيح أن رئيس الوزراء هو المقرر الاخير، ولكن لقادة جهاز الامن مسؤولية فاضلة كمن أوصوا بسبل العمل، ولا سيما اذا كانوا خبراء ومجربين. والدليل هو أن الثمن الشخصي عن حرب لبنان الثانية دفعه رئيس الاركان ووزير الدفاع، وليس اولمرت الذي بقي في منصبه. برأي براك، الخطأ الاساس في ادارة الحرب السابقة كان في أن الرد على اختطاف الجنديين في الشمال امتشق من جارور المخططات العملياتية التي وضعت لسيناريوهات اخرى، ولم يتم التوقف للحظة للتفكير في ما ينبغي عمله وكيف بافضل صورة. وبدل تحديد الاهداف، تنازعوا على من ستعود الحظوة. وبرأي براك، فأمام اسرائيل كان هناك بديلان في صيف 2006: إما القرار بتصفية تهديد حزب الله، وعندها تجنيد الاحتياط، تدريبهم على مدى شهر والخروج في عملية برية واسعة؛ او الاكتفاء بضربة قصيرة وصائبة، مسنودة بخطة خروج سياسية. النقيض من كامب ديفيد هذا التردد سيقف قريبا امام بوابة براك واولمرت، عندما يقرران اذا كانا سيجتاحان غزة. في جلسة المجلس الوزاري هذا الاسبوع كرر براك تقديره في أنه كل يوم يقربنا من عملية واسعة هناك. وهو يعرف ان اسرائيل من شأنها أن تعلق في وضع عديم الخيار، ربما بعد عملية مضادة كبيرة. ولكن بشكل خاص لديه ترددات. اجتياح غزة يمكنه ان يحقق تقليص مؤقت لنار القسام، تقليل تدفق السلاح الى القطاع، وتدمير البنية التحتية لحكم حماس. وفي الجانب السلبي للميزان تقف التجربة التي اكتسبتها اسرائيل وغيرها من الدول في الجيل الاخير في التصدي لمثل هذه التهديدات. براك يعرف بان كل انجاز عملياتي على المدى القصير، يحث سياقات اشكالية في الجانب الاخر، وعليه ينبغي التفكير جيدا في رد فعل الطرف الاخر قبل اطلاق الشرارة. جهاز الامن على أي حال يتوجب عليه تحمل النتائج. في الساحة الفلسطينية تبنى براك، كما كان متوقعا، خطا نزاعا الى الامن. الضفة يرى فيها شركا. على اسرائيل أن تعزز محمود عباس وتضعف حماس ولكن دون أن تساوم على أمنها. انسحاب هناك لن يتاح الا بعد استكمال جدار الفصل وتتزود اسرائيل بمنظومة "متعددة الشرائح" للدفاع عن النفس ضد القاذفات الصاروخية والتي يرى في تطويرها براك مشروعا وطنيا مركزيا. صحيح أنه لا يمكن الضمان بالا يجتاز أي مخرب ولا يسقط أي غرض، ولكن الواقع الامني سيكون مغايرا. تماما مثلما خلق سلاح الجو واقعا يسقط فيه كل طائرة اجنبية والاسرائيليون لا يخافون القصف. نهج براك، الذي يبخل في البادرات الطيبة للفلسطينيين، يقف ظاهرا في نقيض من المحادثات التي يجريها اولمرت مع عباس في الطريق الى مؤتمر السلام في واشنطن. اولمرت وعد بحرية حركة في الضفة، وبراك ماطل وماطل "الدراسة الميدانية"، وفي ختامها وافق على فتح بضعة سبل نائية في المداخل لقرى فلسطينية، بل وحتى "النظر" في مرابطة افراد من الشرطة الفلسطينية لتوجيه الحركة في مدينة أو اثنتين، في ساعات النهار فقط. لم تكن هنا أصالة او جسارة: فمثل اسلافه، براك أيضا عرض بادرة طيبة فارغة من المضمون للفلسطينيين وذلك فقط كي يجتاز بهدوء زيارة كونداليزا رايس. براك يقترح على الحكومة أن تجري بحثا جذريا في مصالح اسرائيل ومواقف الطرف الفلسطيني، وان تبحث عن صيغة سياسية تكون على ما يكفي من بث البشائر كي لا تهين الفلسطينيين، ولكن عمومية بما يكفي كي لا يشعر الاسرائيليون بانهم إمعات قدموا تنازلات جوهرية في مواضيع اللباب دون أن يتلقوا شيئا بالمقابل. براك الذي اقام سياسته كرئيس وزراء على الزمن المتبقي لـ بيل كلينتون في البيت الابيض، لا بد أنه يحصل بالعد التنازلي ولاية جورج بوش. ولهذا فهو يتحفظ من انسحاب احادي الجانب عن مواقع تمسكت بها اسرائيل على مدى أربعين سنة: محظور الحديث عن خطوط 1967 في بداية المفاوضات، ومحظور باي حال ذكر قرار 194 (الذي يفسره الفلسطينيون كاعتراف بحق العودة للفلسطينيين) كاساس للتسوية. لديه انتقاد شديد على خصمه الكبير، النائب الاول لرئيس الوزراء حاييم رامون. الخطط السياسية التي ينشرها رامون تبدو لبراك بعيدة الاثر، تعبيرا عن انعدام السيطرة على الذات والسلوك غير المنضبط. رامون، الذي تبهج مثل هذه الصراعات يومه، لا ينفعل. مواقفه، كما يقول مقربوه، اكثر اعتدالا بكثير مما اقترحه براك على ياسر عرفات في كامب ديفيد. يعرف رامون ان هذه هي النقطة الاكثر حساسية لدى براك. فبعد سبع سنوات من القمة الفاشلة في كامب ديفيد، والانتفاضة التي اندلعت في اعقابها، يواصل قشط القشرة، ويجد صعوبة في ترك الجرح لحاله. فهو لم يتعلم من شارون الذي في طريق عودته الى القمة كف عن الحديث عن حرب لبنان الاولى. براك لا يزال مقتنعا بانه تصرف على نحو سليم حين سعى الى استنفاد الخطوة السياسية مع عرفات في محاولة لمنع اندلاع بركاني ينشأ عن تواصل الاحتلال. ما الذي تغير منذئذ؟ المسيرة السياسية التي يديرها اليوم اولمرت تبدو لبراك قلبا رأسا على عقب لجهوده في كامب ديفيد. في حينه تحدثت اسرائيل مع عرفات، الذي كان مشكوكا في رغبته تحقيق التسوية ولكن لم يكن مشكوكا بقدرته على تنفيذها. اما اليوم فيقف امام اسرائيل ابو مازن، رجل ايجابي بشكل نسبي، وسلام فياض، رجل ايجابي بشكل مطلق، وخلفهما خطر سقوطهما من السلطة وحلول حماس محلهما. لا شك في نيتهما الطيبة، ولكن ايضا اذا ما تحقق التفاهم، فمشكوك أن يتمكنا من الوقوف خلفها وتنفيذها. اولمرت لا يتأثر على نحو خاص من شكوك وتحفظات وزير الدفاع. فاذا كان لا بد فانها تعزز موقفه في المفاوضات مع عباس وحيال ضغوط رايس. في نهاية المطاف سيؤيد براك وحزب العمل كل تسوية يجلبها اولمرت. ليس لهم بديل وبراك ايضا يعرف ذلك، على أي حال، ولكنه يتمتع حاليا في هذه الاثناء من اعادة استقراره وثبات سمعته كسيد الأمن.
تاريخ النشر: 2007/9/6
×
عملية من اجل العملية
كل شيء سياسي، يقول منتقدو رئيس الوزراء. حسب اعتقادهم المباحثات التي يُجريها اهود اولمرت مع محمود عباس ترمي فقط للحفاظ على بقائه في الحكم. اريئيل شارون صرح بأنه سينسحب من غزة – فاستمتع باعلام مؤيد وأُغلقت ملفاته في النيابة العامة وحافظ على تحالفه مع حزب العمل. اولمرت يحاول السير في أعقابه؛ هو ايضا يريد أن يصبح منيعا يتمتع بالحصانة. ولكن المشكلة هي أن كل شيء عنده كلام بكلام: هو ضعيف ومحمود عباس ضعيف، وحتى اذا توصل الاثنان الى اتفاق فسيكون عديم القيمة. اذا كانت هذه الانتقادات مبررة فهي جيدة بالنسبة لاولمرت. من الجيد أن لديه مصلحة سياسية في المباحثات مع رئيس السلطة الفلسطينية – ذلك لانه لو لم يكن الامر على هذا النحو لما أجراها. لو أن اولمرت قدّر بأن المباحثات ضارة لمكانته الداخلية لتمسك بالجمود السياسي وبادعاءات "اللاشريك" التي ورثها عن أسلافه شارون واهود براك. الائتلاف والجمهور كانوا سيدعمونه وكان ليتمكن من صد ضغوط رايس بطريقة ما. اختيار اهود اولمرت للعملية السياسية يدلل على أنه بعد سنوات كامب ديفيد والانتفاضة السبع السيئة هناك نهضة وقيمة سياسية للتسوية مع الفلسطينيين. مشكلة اولمرت هي أن قراره اجراء المباحثات مع محمود عباس أو موافقته على التفاوض حول "مسائل اللباب" ليست كافية – الحدود الدائمة، القدس واللاجئين – التي خشي منها في الماضي، ليست كافية. وحتى اذا توجه الى مؤتمر واشنطن من دون أن تكون هناك عمليات وحقق اتفاق مبادىء معقول مع عباس، وحتى اذا جاء السعوديون للمشاركة في اللقاء على مستوى عالٍ، فان المسار الذي اختاره مليء بالألغام الخطيرة. اللغم الاول هو التحديد المُبهم لأهداف المفاوضات. عندما توجه اولمرت الى سدة الحكم حدد هدفا واضحا: الانسحاب من المناطق من اجل الحفاظ على الاغلبية اليهودية في اسرائيل. الآن هو يتجنب مثل هذه التصريحات. مباحثاته مع عباس على حد قوله، واللقاء المزمع في واشنطن، هي في أقصى الاحوال مقدمة لمفاوضات اخرى أكثر تفصيلا حول حل الدولتين. دعوة السعوديين تهدف الى توفير الدعم والتأييد لعباس الضعيف. مثل هذه التصريحات تثير الشبهات بأن العملية تهدف فقط للابراز بأن هناك عملية، وأن لدى اولمرت خطة واضحة لليوم التالي لانعقاد المؤتمر الدولي في تشرين الثاني. الخطر هو أن تغرق المباحثات بعد الحدث الحافل والتصريحات الدافئة في المؤتمر، في حالة اكتئابية وتجد صعوبة في التحليق من فوق الأوجاع اليومية المتمثلة بصواريخ القسام والحواجز والمشكلات الداخلية. التوقعات الكبيرة ستتحول الى خيبات أمل، وسيتبرهن مرة اخرى انه لا يوجد من يمكن التفاوض معه أو ما يمكن التفاوض حوله ويزداد خطر اندلاع الانتفاضة الثالثة. اللغم الثاني هو ضعف محمود عباس. القائد الفلسطيني يخشى حتى من تحمل المسؤولية عن عدد من المدن في الضفة الغربية. كيف يمكنه أن يُقيم دولة وأن يفرض النظام والأمن في مثل هذه الحالة؟ حسب تصور اولمرت ورايس الاتفاق سيُظهر للفلسطينيين "أفقا سياسيا"، وعباس سيطرح هذا الأفق في الانتخابات فيحظى بتفويض جديد من الشعب الفلسطيني. ولكن عباس فاز في الانتخابات في الماضي ايضا، ولم يحوله ذلك الى زعيم قوي. حتى اذا أقنع ناخبيه بتأييد الاتفاق فسيجد صعوبة في تنفيذه، وسيكون بامكان حماس أن تدعي: لقد قلنا لكم. مخاوف اولمرت بأن يكون "اتفاق البسطة" مع عباس فقط خط بداية لتنازلات اخرى ستُطلب من اسرائيل وقد تتحقق. اللغم الثالث هو هامش المناورة الضئيل جدا لدى المفاوضين. خطة كلينتون للتسوية الدائمة من عام 2000 ترسخت في الذهن العالمي كحل معقول للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. اولمرت وعباس لا يستطيعان الحياد عنها حتى لا يُتهم كل منهما بتقديم تنازلات مفرطة للجانب الآخر ويُزاح عن الحكم. وبما انهما لا يستطيعان ايضا تنفيذها، فجهودهما الحقيقية ستتمركز حول ايجاد منافذ للفرار والتملص من القرارات الحاسمة الصعبة فعلا. هذه خلفية محاولات اولمرت تقليل حجم اتفاق المبادىء وحصره في صفحة واحدة عمومية وتصريحه بأن التنفيذ سيتم وفقا لـ "خريطة الطريق"؛ أي على مراحل طويلة ومليئة بالعوائق والصدامات. اذا كان اولمرت يريد أن تترجم مصلحته السياسية ايضا الى جدوى سياسية فعليه أن يفكر جيدا باليوم التالي لمؤتمر واشنطن. من الأجدر أن يسأل شمعون بيرس وبراك ما الذي يحدث عندما تنهار التوقعات الجميلة. صورة مع أمير سعودي في الجلابية البيضاء ستكون انجازا دبلوماسيا جميلا لاولمرت، إلا أن النتائج السياسية ستتحدد في الضفة وغزة وليس على العشب الاخضر في واشنطن.
تاريخ النشر: 2007/7/19
×
بوش يواصل الانفصال
نقض الاتفاق منذ يومه الاول تقريبا. كان اغلاق المعابر جزءا من الضغط الاسرائيلي العام للفلسطينيين، وعرض كعقوبة على اطلاق صواريخ القسام واداة لعزل حماس. واصلت الادارة الامريكية الاصرار على اقامة الاتفاق الى أن سيطرت حماس على غزة. الان قبل بوش موقف اسرائيل وهو أن العرب يجب عليهم أن يهتموا باخوتهم وان تجارة المناطق يجب ان تمر من طريق معبر رفح وجسر اللنبي. يوجد ههنا تلميح الى طوني بلير الا يخطيء في اوهام سلفه جيمس ولفنزون، عن التعاون الاقتصادي عن جانبي الخط الاخضر. لم يعد يجب على اسرائيل أن تهتم بالتصدير الفلسطيني، بعد أن ابعدت بنجاح العمال من المناطق. اذا كان يوجد اتصال لسياسة حكومات اسرائيل فهو موجود في جهد ابعاد الفلسطينيين عن النظر. منذ دعا اسحق رابين في الحملة الانتخابية في سنة 1992 "الى اخراج غزة من تل أبيب"، سعت جميع الحكومات الى هذه الغاية. كان الوسائل متنوعة: من حصار عام للمناطق، واتفاق اوسلو واقامة السلطة الفلسطينية، وشق الشوارع الالتفافية في الضفة، ومنع العبور من غزة الى الضفة، وضرب الجدران حول القطاع، واقامة جدار الفصل في الضفة، واقامة الحواجز، والانفصال وقانون الجنسية الجديد ايضا. الفلسطينيون الذين واصلوا الارهاب قدموا دائما سببا للخطوة المضادة لهم القادمة. النتيجة المتراكمة لجميع هذه الخطوات هي ان اكثر الاسرائيليين يرون الفلسطينيين في التلفاز فقط. فالمستوطنون فقط الذين يسكنون خلف الجدار، والجنود الذين يخدمون في المناطق والقلة الذين يزورون شرقي القدس يحتكون بالشعب الجار. حتى من يسافر من تل أبيب الى القدس في شارع 443 وينظر الى البيوت والى اشجار الزيتون عن جانبي الطريق يستطيع أن يعتقد انه في توسكانا او في اليونان، لا في منطقة محتلة فيها سكان معادون. يتجاهل الاعلام الاسرائيلي في أكثره ما يجري في المناطق. وأهم من ذلك أن اسرائيل اقامت لنفسها اقتصاد فقاعة، متصلا بالعالم المتقدم ومفصولا عن الجيران. لم يعد الجهاز الاقتصادي معتمدا على الصناعات التقليدية، التي بنيت في الماضي من عمل الفلسطينيين. وهكذا تستطيع اسرائيل أن تحتفل بانفجار اقتصادي على بعد كيلومترات معدودة من عالم ثالث فقير ومهدد. من جهة الفلسطينيين، كان ثمن سياسة العزل الاسرائيلية خرابا اقتصاديا، وبطالة وضائقة شديدة. يمكن ان يجادل بعضنا بعضا فيمن هو المذنب ومن الذي بدأ، لكن لا اهمية لذلك. فالنظر الى الامام يرى بوش اسرائيل منضمة الى الاقتصاد الغربي، وفلسطين الى الاقتصاد العربي العام. قد تعيش الدولتان بعضهما الى جنب بعض في سبيل وأمن، بما يتفق ورؤيا آخر الزمان لبوش، لكن من وراء اسوار عالية من الانغلاق والشعور بالغربة. - هآرتس 19/7/2007 - تاريخ النشر: 2007/7/17
×
نصف شاي، نصف قهوة
أمس امتنع بوش عن الوعود لاقامة دولة فلسطينية. واكتفى بوضع معضلة للفلسطينيين الذين دعيوا لان يختاروا بين المتطرفين من حماس وبين ثنائي المعتدلين، الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، اللذين عرضا كشريكين متساويين في الحكم. وهاجم بوش بتعابير قاسية على نحو خاص حماس، وعرض الحركة كعصبة قتلة ستوقع كارثة على الفلسطينيين، وأعطى شرعية لابعادها عن الحكم. وعقب مصدر سياسي كبير في القدس قائلا: "حتى نحن لا نتحدث عنهم هكذا". وعرض الرئيس مسارا من مرحلتين. اولا، ان يقضي الفلسطينيون في أوساطهم على الارهاب والفساد، وفقا للتعليمات الصارمة في خريطة الطريق: اعتقال ارهابيين، حل منظمات ارهابية ومصادرة السلاح. واذا ما قاموا بذلك، ستبدأ مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية على التسوية الدائمة، يتم فيها البحث في "مسائل اللباب": الحدود، اللاجئين والقدس. الحدود بين اسرائيل وفلسطين ستتقرر بالتوافق. استنادا الى "خطوط الماضي" والواقع في الحاضر، مع تعديلات متفق عليها". الترجمة: حدود على أساس الخط الاخضر، مع تبادل للاراضي تعوض فيها اسرائيل الفلسطينيين على ما ضمته من كتل استيطانية. بوش وافق على مطلب عباس للبحث مباشرة في التسوية الدائمة، والقفز عن المرحلة الانتقالية لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة. اما رئيس الوزراء ايهود اولمرت، الذي يرفض الان البحث في مسائل اللباب، فليس لديه ما يدعوه الى القلق. فقد تلقى تمديدا، الى أن تكون السلطة الفلسطينية نقية من الارهابيين والفاسدين. الخطاب تقرر في ذكرى مرور خمس سنوات على عرض "رؤيا الدولتين". وفي البيت الابيض ترددوا بالنسبة للتوقيت وارادوا ألا يكون الخطاب قريبا جدا من زيارة اولمرت الى واشنطن، في 19 حزيران، كي لا يظهر وكأنه املاء اسرائيلي. الخطاب في العام 2002 الذي دعا الى ازاحة ياسر عرفات، اعتبر في حينه في العالم كخضوع لارئيل شارون. في مكتب اولمرت كانوا راضين امس. التعابير القاسية لبوش عن حماس اتاحت لاولمرت تحذير عباس، حتى قبل الخطاب من أنه اذا ارتبط مرة اخرى بالحركة "فان المسيرة السياسية ستتفجر". والطلب الوحيد لبوش من اسرائيل كان اخلاء مواقع استيطانية، واولمرت مستعد له. الجديد الاساس في الخطاب، مبادرة المؤتمر في الخريف، تصب في رغبة اولمرت الذي يحتاج الى انجاز سياسي عشية تقرير فينوغراد. ثمن البطاقة الى المؤتمر، على حد تعبير بوش، هو الاعتراف باسرائيل: الان يتبقى أن نرى اذا كانت السعودية توافق على المجيء. فمعارضتها للقاء علني مع اسرائيل فجر مبادرة مشابهة قبل بضعة أشهر. وقضى بوش ان الدولة الفلسطينية ستكون "في الضفة الغربية وفي غزة"، وهدأ روع الاردنيين المتخوفين من توحيد مفروض للضفتين. وجدد دعوته لمصر والاردن ليكونا بوابة للتصدير الفلسطيني. وهكذا يكون استجاب لفكرة شارون القديمة ورد الضغوط على اسرائيل لتفتح المعابر من المناطق للتجارة الخارجية الفلسطينية. في اسرائيل فسروا الخطاب كاسناد من بوش لوزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس، التي اصطدمت دعواتها لحث الافق السياسي لانعدام الحماسة من اولمرت. ولكن اسناد بوش كان فاترا، نصف شاي ونصف قهوة: هو مستعد لافق سياسي ومحادثات على التسوية الدائمة، شريطة أن تقود المؤتمر الاقليمي رايس وهو يبقى في البيت. ما تبقى من اعتبار قليل له، لا يريد بوش أن يخاطر به في المستنقع الفلسطيني. - هآرتس 17/7/2007 - اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|