مفتاح
2024 . الخميس 25 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


تشير الدلائل كافة في الأعوام الأخيرة إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي يدخل مراحل متقدمة تقترب به من لحظة فارقة تقرر فيها الأطراف المعنية مواقف مختلفة تخرج بذلك الصراع الطويل من الدائرة المغلقة التي ظل الحديث في إطارها لعقود عدة، خصوصاً أن هناك تطورات جذرية طرأت في السنوات الأخيرة أعطت مؤشرات لقرب النهاية، ولكن أي نهاية تلك؟ هذا هو السؤال المطروح الذي نحاول الإجابة عنه واضعين في الاعتبار المظاهر التالية:

1- إننا نستشعر ـ بكثير من الحذر والقلق ـ أن القضية الفلسطينية تدخل طور التفكيك، ولا أقول إن ذلك تمهيد للتصفية، ولكنني أستطيع أن أقرر بضمير مستريح أن وضع الفلسطينيين سيئ للغاية وأنهم قدموا للإسرائيليين جزءاً كبيراً من أحلامهم على طبق من فضة. ويكفي أن نتذكر أن حال الانقسام الرسمي والاقتتال الداخلي اللذين بلغا ذروتهما منذ منتصف يونيو (حزيران) الماضي لا يزالان يمثلان أبرز مظاهر انهيار القضية الفلسطينية والتداعيات التي لحقت بها منذ عام 2000 وذلك بدءاً من محاصرة الرئيس عرفات في «المقاطعة» وإحكام قبضة إسرائيل على الأراضي التي بسطت السلطة الفلسطينية نفوذها عليها بعد اتفاق أوسلو وتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بشكل غير مسبوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة واغتيال قيادات المقاومة مرورا بهدم المنازل ومصادرة الأراضي، وصولاً إلى قتل الأطفال والنساء.

2- إنني أظن مخلصاً أن الفلسطينيين لم يتمكنوا من تحديد إطار لوحدتهم الفكرية والاتفاق على أرضية مشتركة بالنسبة لقضيتهم التي طال عليها الأمد وتبددت فيها الجهود وتبعثرت الآمال ولعلي أدعي هنا أن الفلسطينيين بحاجة إلى شخصية «كاريزمية» تقود نضالهم في السنوات المقبلة تكون فاعلة وقادرة على فهم المتغيرات الدولية والإقليمية مع الارتباط بالثوابت القومية والأماني الوطنية في الوقت ذاته. وأنا أزعم هنا أن عرفات كان لديه شيء من ذلك رغم كل ما أثير حول قيادته من ملاحظات وانتقادات. ولست أشير بذلك إلى قيادة حالية بعينها، فأنا أظن أن الجميع يحاول، ولكن القضية العادلة للفلسطينيين ينقصها محامون أكثر براعة، خصوصاً إذا نظرنا إلى الجانب الإسرائيلي المغتصب والذي يدافع عن قضية ظالمة ولكن على يد محامين بارعين، فالعدالة وحدها لم تعد تكفي في عالمنا الذي لا ينتصر للحق ولا يلتزم بالقانون ولكنه يتعامل بمنطق القوة في المجالات كافة.

3- إن انتقال الدولة الراعية لإسرائيل من بريطانيا إلى فرنسا ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية أدخل بدوره القضية الفلسطينية في نفق مظلم وجعل من القوة الأعظم في عالمنا المعاصر داعماً مطلقاً للدولة العبرية ومبرراً لكل جرائمها ومانعاً عنها أي محاولة للإدانة في الظروف كافة، وهو أمر يستفز المشاعر ويعطي إحساساً باليأس أحياناً والإحباط دائماً.

4- إن ما طرحه داهية الديبلوماسية هنري كيسينجر قبل عقود عدة عن الأسلوب الذي يراه لحل المشكلات الدولية المزمنة ومنها القضية الفلسطينية لا يزال هو الخلفية التي تقف وراء سيناريو الأحداث في الصراع العربي الإسرائيلي. فهو- أي كيسينجر- أدخل عامل الزمن كبُعد أساسي للتخفيف من حدة مطالب الأطراف وتعنت بعضهم، ورأى أن ترك الأمور تجري وفق سياق طويل من الزمن قد يؤدي إلى الحل فقد تخف حدة مواقف بعض الأطراف ويتجه البعض الآخر إلى نوع من التهدئة والقبول بالأمر الواقع، لذلك يرى كيسينجر أن ترك المشكلة المزمنة وإغلاق ملفها لسنوات عدة مهما كانت حدة الصراع يؤدي إلى كسر الجمود فيها وقبول الأطراف أو بعضهم لما كانوا يرفضونه من قبل. وتطبيق هذه النظرية على السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية أمر واضح لكل متابع لتطوراتها المعقدة ومراحلها المتداخلة.

5- إن أطراف الصراع العربي الإسرائيلي دخلوا مرحلة الإرهاق، بل إنني أدعي أن الشعوب العربية ذاتها بدأت تدرك أن أي حل يقدم الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين سيكون مقبولاً. ولعلي أطرح هنا سؤالاً حول ما يشعر به العرب حالياً تجاه القضية الفلسطينية وهل هو ذاته ما كانوا يشعرون به قبل عقود عدة؟ وهل يعني تمسكهم بالثوابت في القضية أن طموحاتهم لا تزال على الدرجة نفسها من التشدد، أم أن درجة من المرونة طرأت على معظم الأطراف العربية وبعض الفصائل الفلسطينية، فما كان مرفوضاً بالأمس أصبح احتمال قبوله وارداً اليوم، وتلك فلسفة الحياة وعبرة التاريخ، فطول مدة الصراع ينهك الأطراف ويشجعها على قبول تسوية قد لا تكون مثالية لكل طرف، ولكنها ترضي الحد الأدنى لديهم، فالدول والنظم والحكومات تقبل أقصى المتاح ولا تتمسك بالمستحيل.

6- إن العام الأخير في عمر الإدارة الأميركية، أي إدارة، هو عام محاولة التجميل والخروج من مأزق السنوات السابقة. فالولايات المتحدة الأميركية التي تورطت بشكل غير مسبوق في المقبرة العراقية تحاول الآن تحسين الصورة والقيام بجهد إعلامي كبير للإيحاء بأن طرح الدولتين المستقلتين قابل للتطبيق في القريب العاجل وهو ما نتحفظ عليه عشرات المرات، لا لأن الفلسطينين في أسوأ أوضاعهم فحسب، ولكن لأنهم لا يثقون كثيراً بالمواقف الأميركية التي عرفوها على امتداد تاريخ القضية، والإيحاء بأن المسألة الفلسطينية عند مفترق طرق إنما يعني أن الفرصة هذه المرة مختلفة عن الفرص المقبلة، وما أكثر ما سمعنا هذا الكلام من الغرب عموماً والإدارة الأميركية خصوصاً عبر العقود الماضية.

7- يجب أن نعترف بشجاعة أن المواقف العربية ليست موحدة تجاه مستقبل القضية الفلسطينية، فهناك من يرى أن الفلسطينيين في حاجة إلى خفض سقف مطالبهم العادلة بسبب الظروف الدولية المعقدة، وهناك من يدعو إلى إرجاء الدخول في حل نهائي في ظل تفاوت القوى الاستراتيجية في المنطقة بين العرب وإسرائيل، وهناك فريق ثالث يشعر أن القضية الفلسطينية استهلكت الكثير من جهده وإمكاناته وأنه لم يعد قادراً على مزيد من العطاء فانصرف إلى قضايا أخرى، أو دخل في دهاليز شؤونه الداخلية وانكفأ على نفسه بصورة ملحوظة. وهذا الفريق يدعم بالطبيعة الحلول الواقعية ويستعجل الوصول إلى تسوية بأي ثمن من أجل الدخول في شرق أوسط مختلف يسمح لبعض نظمه بالاستمرار والتواصل مع بعضها على امتداد المنطقة العربية كلها.

8- إن القضية الفلسطينية دخلت من قبل «غرفة الجراحة» مرات عدة سواء كان ذلك في كمب ديفيد الأولى أو مؤتمر مدريد أو محادثات أوسلو أو كمب ديفيد الثانية وغيرها الكثير، ولكنها تدخل هذه المرة «مسرح العمليات في أنابوليس» وقد أثخنتها الجراح وأرهقتها السنون مع غياب القيادة التاريخية وتمزق الأوضاع الداخلية إلى جانب الصراعات بين الفصائل حتى أصبحت الدماء الفلسطينية التي تسيل بأيد فلسطينية أكثر من تلك التي تسيل بأيد إسرائيلية، وهو ما يعني أن الداخل الفلسطيني أكثر سوءاً من ظاهر القضية ذاتها أمام الرأي العام العالمي. وهذه نقطة جديرة بالتأمل والدراسة لأنها تحتاج إلى علاج عاجل يرأب الصدع ويداوي الجراح ويضع الفلسطينيين على الطريق الصحيح.

9- إن الذي حدث في السنوات الأخيرة يضع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً أمام مسؤولية كانت تستوجب الدعوة إلى عقد قمة عربية خاصة قبل مؤتمر أنابوليس تحضرها تركيا وإيران بصفة مراقبين لإعلان أن المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتبنتها قمة بيروت منذ سنوات عدة هي السقف النهائي للموقف العربي وأن من المستحيل تقديم تنازلات جديدة، كما أن التطبيع المجاني ليس وارداً. إنني أعلم أن مثل هذا الأمر لم يعد ممكناً الآن وقد فات أوانه ولكننا كنا نأمل أن يصل الرشد العربي إلى مثل هذا القرار.

10- إن قوى كثيرة في العالم في مقدمها معظم دول الاتحاد الأوروبي وكذلك الأمر بالنسبة الى الصين والهند ودول آسيوية وإفريقية ولاتينية لا تزال عند موقفها الداعم بشكل عام للقضية الفلسطينية، وكل تراجع جرى على تلك المواقف نتيجة سطوة الإعلام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة لم يحقق هدفه كاملاً إذ لا يزال الجميع يدرك عدالة القضية والمصاعب التي واجهتها والحساسيات الدينية والتاريخية التي أحاطت بها والدماء التي سالت من أجلها باعتبارها أكثر المشكلات الدولية صعوبة وأشدها تأثيراً على الأمن والسلم الدوليين.

هذه اعتبارات عشرة أردنا منها أن نؤكد حقيقة لا يجب الهروب منها ولو إلى الأمام ونعني بها أن القضية الفلسطينية لا تزال تحتاج إلى رعاية دولية لا تنفرد فيها الولايات المتحدة الأميركية بالقرار لأن القضية أكبر من أن تتصرف بها دولة حتى ولو كانت هي القوة الأعظم، وأخطر من أن يحسمها مؤتمر حتى ولو كان هو مؤتمر أنابوليس، وأهم من أن ينظر إليها على أنها مجرد أرض محتلة يجري تحريرها، ذلك انها تعكس تاريخياً الصراع بين حضارتين، والصدام بين ثقافتين. إنها مواجهة حادة بين العدل والقوة، بين الحق والطغيان، بين المقاومة والاحتلال. - الخليج 4/12/2007 -

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required