مفتاح
2024 . السبت 20 ، نيسان
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

إن الدول التي ملكت زمام القوة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بالإصرار والتخطيط السليم والعمل الدؤوب والتضحيات الجسام، ولم تصل هذه القمم السامقة بالخطب السياسية الرنانة والوعود الكاذبة يروّجها الإعلام الرسمي وغير الرسمي، الذي يغلب على معظمه الطابع الرخيص.

وعلى سبيل المثال، فإن إسرائيل على اثر حربها مع فرنسا وبريطانيا على مصر في ما سمي بالعدوان الثلاثي عام 1956 والذي فشل بسبب تماسك العرب آنذاك ووقوفهم بشجاعة ضد العدوان الإجرامي، حتى ان السعودية بسبب تلك الحرب قطعت علاقاتها مع بريطانيا وفرنسا ولم تعدها إلا بعد أشهر من عودة العلاقات المصرية مع تلك الدول، الدولة الصهيونية استوعبت الدروس وبدأت مشروعها الاستراتيجي النووي بمفاعل ديمونة، وسرعان ما أصبحت دولة نووية. وفي الوقت الذي تغطي فيه سماء العالم العربي بأقمار التجسس والصواريخ المدمرة، نجد العرب ملأوا السماء بأقمار اصطناعية تبث الرقص والأكاذيب ويتنافسون أيما تنافس في هذا المعترك.

امتلاك القوة ابلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المضادة، فلا يفل الحديد الا الحديد - خصوصاً في الممارسات الدولية - فالقوة ضرورة حتمية لحماية الحق، تفرضها ظروف المتغيرات الدولية، وبذلك نجد ان مبدأ «القوة تحد القوة» لا يزال سائداً في الفكر السياسي الدولي، على رغم المواثيق الدولية التي تدعو الى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا ان الواقع يقول ان القوة أنجع وسيلة وأمضى سبيل وعنصر جوهري لوجود الدولة.

وتبرز أدبيات القوة في كتابات «ماكيافلي» الفيلسوف الايطالي الذي عاش في القرن السادس عشر، ودخل التاريخ عام 1498 عندما تمزقت ايطاليا سياسياً وتحطمت اجتماعياً... فكان هو المفكر الذي ظهر في هذه الظروف الصعبة وأسهم بفكره السياسي في توحيد بلاده بالقوة باعتبارها غاية لا وسيلة، وعبر عن ذلك في كتاباته، وقال ان هدف سياسة الدولة يتمحور في المحافظة على القوة السياسية، والسياسة تقاس بمدى نجاحها أو فشلها في المحافظة على القوة، بل والعمل على دعمها. فالدولة صاحبة السيادة على أرضها تمثل قوة ترعى مصالحها وأهدافها في علاقاتها مع المنظومة الدولية.

ولا شك في ان دول مجلس التعاون الخليجي بطرحها الخيار النووي السلمي في قمة جابر التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، بدأت خطوة الألف ميل التي تبدأ بخطوة، فقرارات المؤتمر نصت صراحة على الأهمية الفائقة لتبني دول المجلس مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية.

ومن المهم تفعيل تلك القرارات المهمة فإصدار القرارات شيء وبدء العمل الجدي في التخطيط يمثل الخطوة الأهم، فإذا أصبحت القرارات حبيسة الأدراج فإن هذا يعني إهمال القوة التي سيطرت عليها الدول الصناعية، وأصبح سيناريو اللعبة الخطرة بأيديها.

وعلى رغم ان الدول العربية ومنها دول مجلس التعاون، باستثناء مصر، موقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، الا ان صدور قرارات القمة يعني ان تلك الدول أدركت حاجتها الملحة للاستفادة من تقنية الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأعلنت عن رغبتها في هذا الخيار الحيوي بلهجة استغربتها الدول الكبرى، بل ان البعض لم يعرها أهمية وعلى دول المجلس إثبات قوتها بتنفيذ تلك القرارات حتى لا ينظر إليها البعض نظرة دونية.

وإذا فعلت دول المجلس وحزمت أمرها بشأن خيار الطاقة النووية للأغراض السلمية، فإنها ستضيف لنفسها قوة تضاف إلى قوتها النفطية والاقتصادية والاستراتيجية، وتمنحها دفعة قوية نحو التغلب على مطالبة إسرائيل وإيران، لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهذا لن يحدث إلا إذا تأكدت الأطراف الأخرى ان دول المجلس والدول العربية وضعت نفسها على الطريق السليم، لامتلاك ناصية التقنية النووية للأغراض السلمية، وهذا يعني قوة التفاوض وقوة فرض السلام! الذي ينحني للقوة وينظر للدول الضعيفة من عل.

ان كل ما يعانيه العرب من قهر وظلم وعدوان سافر في حروب متواصلة منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 على ارض فلسطين، سببه ان القوة العربية لم تتوازن معها حتى في ميدان الأسلحة التقليدية. ويعكس قوة إسرائيل وأطماعها التوسعية تصريح لأرييل شارون قال فيه: «ان منطقة الأمن الإسرائيلي تمتد من باكستان إلى شمال أفريقيا ومن تركيا الى الخليج العربي، ومن حق إسرائيل ان تضرب أية قوة في هذه المنطقة».

فإسرائيل تمتلك قوة ضاربة من الدبابات القتالية المتطورة، إضافة الى راجمات الصواريخ والطائرات المقاتلة والقاذفة وطائرات الهليكوبتر والغواصات النووية وزوارق وصواريخ، ومن الصفقات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لربيبتها إسرائيل 500 قذيفة للإطلاق في الجو بلغت قيمة الصفقة حوالي 320 مليون دولار.

هذه القنابل المتطورة جداً والمقصود منها تأكيد التفوق النوعي لإسرائيل بإمكانها اختراق المنشآت النووية المشيدة تحت الأرض إذ يصل وزن القذيفة الواحدة إلى الطن، وتستطيع الوصول الى أهدافها بواسطة التحكم بإطلاقها عبر الأقمار الاصطناعية أو أشعة الليزر التي تملكها اسرائيل لدعم تفوقها وتضاف إلى ترسانة إسرائيل النووية التي تضم أكثر من 200 رأس نووي وصواريخ لحمل الرؤوس النووية، إذ تمتلك الأسلحة النووية والقنابل النيترونية والانشطارية والقنابل الذكية، وتدعمها ترسانة بيولوجية وكيماوية ضخمة.

وبهذا فإن الدولة العبرية تعتبر خامس دولة نووية في العالم، ويأتي ترتيبها بعد فرنسا التي تحتل المرتبة الرابعة بأكثر من 340 رأس نووي. وتأتي في المقدمة روسيا وأميركا، تليهما الصين بامتلاكها أكثر من 400 رأس نووي، فاسرائيل بـ200 وفي آخر قائمة الكبار نووياً تأتي بريطانيا التي تملك أكثر من 180 رأساً نووياً.

وقد حددت اسرائيل 37 هدفاً في الدول العربية لضربها اذا وجدت نفسها في خانة (اليك) كما يقولون، لكنها لن تجد نفسها في مأزق وحال العرب اليوم في ميدان القوة تبكي الصديق وتطرب له العدو!

إسرائيل التي تمتلك هذه الترسانة الضخمة من الأسلحة الذرية والبيولوجية والكيماوية والتقليدية المتطورة، لم تأت ترسانتها من فراغ، بل من عمل جاد ومضن عبر أكثر من أربعة عقود بدأتها الدولة الصهيونية بتشييد عدد من المفاعلات النووية يبلغ عددها اليوم ستة مفاعلات اختارت لها مواقع مختلفة هي مفاعلات ديمونة وكفرزكريا وعدوفات وسرويك النحل وبيير يعقوب وعيلان.

وها هي إسرائيل تفرد عضلات القوة في مناوراتها العسكرية التي بدأتها الأحد الماضي وانتهت نهار الخميس، وبالطبع أعلن الجيش اللبناني و «اليونيفيل» حالة التأهب عشية تلك المناورات التي تعد طبقاً للقانون الدولي وقواعد الأمم المتحدة والقرار 1701 عملاً عدوانياً، لكن إسرائيل بقوتها وبدعم أميركي صارخ لا يعنيها الامتثال لقرار او قانون او منظمة دولية كالأمم المتحدة فهي تعتبر نفسها فوق القانون، وتمارس أعمال العدوان والترهيب ضد من تشاء، ومن لا يعجبه فليشرب من البحر والنهر!

وعلى رغم ان الدول العربية ما عدا مصر موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فان إسرائيل التي تمكنت من احتكار السلاح النووي في قلب الأمة العربية بجهدها المعرفي المتواصل منذ تأسيسها مدعومة من اللوبي الصهيوني في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة التي تقدم الدعم تلو الدعم للدولة العبرية.

ومع امتلاك إسرائيل السلاح النووي فإن الضغط عليها أصبح معدوماً تماماً للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي المقابل، نجد الضغوط تتوالى على الدول العربية والإسلامية لمنعها من امتلاك التقنية النووية حتى في الأغراض السلمية!

العجيب الغريب والذي لم يكن مستعجباً ولا مستغرباً على المكر اليهودي انه على رغم هذه الترسانة الضخمة من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية المتطورة التي تفوق وحدها أسلحة العرب التقليدية، تطلق إسرائيل الصرخة تلو الأخرى للتضليل شاكية باكية من التهديد الذي يشكله العرب على أمنها، على رغم ان العرب (الطيبين) لم يضجروا او يشكوا من الخطر المحدق الذي تشكله إسرائيل على أمنهم القومي.

العرب العاربة والمستعربة لم يتّعظوا ولم يستفيدوا من التجارب السابقة، ولم يقرأوا التاريخ، وقبلوا أن يكونوا الأمة الأضعف في ميدان التسليح، بل ان معظمهم انساق وراء الخطب والشعارات التي ينادون بها في شأن القوة، ليسري عليهم المثل القائل «كذب كذبة فصدقها» فأصبح الأمر كلاماً بكلام، وكما يقول الإخوة في مصر «فض مجالس»!

لم يعرفوا ان العبرة بالعمل وبالأفعال وليس بالكلام، فالكلام «ما عليه جمرك» كما يقولون، وها هي إسرائيل بالعمل المعرفي أصبحت خامس قوة نووية في العالم، والعرب عاش معظمهم في الأوهام ولم يستطيعوا منازلة إسرائيل التي قلبت أوضاع الشرق الأوسط رأساً على عقب وجعلته على برميل من بارود، وأصبح مستقبل الأمن القومي العربي في المنطقة على كف عفريت.

وأصبح ضرورة وليس ترفاً استيعاب الدروس والعبر وقراءة المتغيرات والتطورات الدولية المتسارعة والتهديدات الخارجية والمطامع الدولية والإقليمية في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، وهذا يتطلب تشييد بنية استراتيجية تسليحية تحفظ الأمن القومي العربي في ظل هذه الظروف والصراعات المتلاطمة على المنطقة برمتها.

دار الحياة

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required