أولويات ما بعد العدوان: الوحدة وإعادة الاعمار
بقلم: شادي أبو عياش-خاص بمفتاح
2009/1/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10122

لم يكن العدوان الإسرائيلي، على قطاع غزة يستهدف حركة حماس، كما حاول قادة الاحتلال إيهام المجتمع الدولي، بل كان هجوما شاملا على الشعب الفلسطيني في قطاع وبناه التحتية، لتحقيق أهداف سياسية، ليس اقلها تعميق الانقسام الفلسطيني وفصل القطاع عن الضفة الغربية وبالتالي الحيلولة دون وجود فرص جدية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

إسرائيل وسياساتها، نعرفها وحفظناها عن ظهر قلب وعايشناها منذ عقود، وهي سياسات ترتكز على عنصر أساسي يتمثل في سلب الأرض وقمع الشعب الفلسطيني لمنعه من تحقيق أهدافه الوطنية المتمثلة في إقامة الدولة وتقرير المصير وغيرها من الحقوق، إلا أن السؤال الآن، وبعد هذا العدوان الإسرائيلي على القطاع، وما خلفه من شهداء وجرحى وتدمير للبنى التحتية في القطاع، كيف سيتصرف الفلسطينيون وما هي أولوياتهم؟؟

إن الموقف العربي التي تمخض عن قمة الكويت الاقتصادية الأخيرة، حول إدانة العدوان، والتشديد على متابعة ملف المصالحة الفلسطينية، وتجديد الثقة بالجهود المصرية وتسلمها هذا الملف، وكذلك تقديم الدعم المالي لإعادة اعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي، هام وجيد، إذا ما خضع لآليات واضحة ومحددة، إلا أن مؤتمر القمة لم يوضح آليات إيصال الأموال لإعادة اعمار القطاع، وكذلك سبل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وذلك يعود للخلافات العربية، التي لم تفلح مبادرة خادم الحرمين الشريفين في إنهاء الخلافات العربية نهائيا، على الرغم من الأجواء التصالحية التي أشاعتها كلمته وجهوده في قمة الكويت، فالخلافات العربية تنعكس على الواقع الفلسطيني لتأثر قوى فلسطينية بمواقف حلفاءها من العرب.

والعكس صحيح، فمهما كانت المواقف والجهود العربية مثابرة ومشجعة، فإنها لا بد وستصطدم بالانقسام الفلسطيني، الذي سيحول دون أي تحرك سياسي على الأرض، سواء لجهة إعادة الاعمار أو التحرك سياسيا أيضا، فالخلاف الفلسطيني سيضع مسألة إعادة اعمار القطاع والجهة التي ستدير هذه العملية وتستلم الموال اللازمة لذلك، في ظل رفض حماس أي جهود للسلطة الوطنية في هذا الإطار، وإصرار متحدثيها على أنها هي من يجب أن يستلم هذه الأموال، على المحك، في وقت ترى الدول العربية أن الجهة الشرعية هي السلطة الوطنية، وان إعادة الاعمار لا بد وان يتم بالتنسيق معها، إلا أن الواقع في قطاع غزة، حيث تسيطر حماس ميدانيا على مجريات الحياة ستكون عاملا معطلا لهذه العملية.

وحتى سياسيا، فان أي تحرك سياسي إقليمي سواء لجهة مواجهة أعباء المرحلة المقبلة من حيث جهود رفع الحصار وفتح المعابر في القطاع، ستحتاج إلى أن تواجه بموقف فلسطيني موحد، يكون قادرا على إدارة الاستراتيجيات لمواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتحطيم فرص إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتحويل المشروع الوطني إلى جزر متفرقة عبر بناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وعزل القدس وفصل القطاع.

وأما هذه التحديات التي تبدأ بإعادة الاعمار إلى المحافظة على المشروع الوطني وإعادة ترتيب الأوليات الفلسطينية، فان الحوار الذي لا بد وان ينجم عنه حكومة تتوافق عليها الفصائل الفلسطينية، تكون قادرة على إدارة الشؤون الفلسطينية الداخلية، والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية يكون خلالها الشعب الفلسطيني قادر على أن يقول كلمته ويختار أي نهج يريد أن يسير عليه، فالاستمرار في ذات الطريق والوضع الذي ساد قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكأن شيئا لم يكن، خطأ فادح ولا يمكن إلا أن يوقعنا بمزيد من المطبات والحفر، فأي شعب بعد كل معركة عليه أن يراجع خياراته ويبحث إخفاقاته وأسبابها وان يطور نجاحاته، إن وجدت، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا في إطار الوحدة.

وبما أن العرب قد جددوا الدعم للجهود المصرية في هذا الإطار فان على جميع الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح وحماس التقاط هذه اللحظة والتوجه للقاهرة وذلك لاستئناف الحوار وتحقيق المصالحة دون شروط ودون استخدام حجج واهية سبق وان أفشلت الحوار، خدمة لأهداف محاور فشلت في دعم الشعب الفلسطيني واثبت العدوان أنها تستخدم الفلسطينيين وقودا لمعاركها، وهي التي عجزت عن نصر الفلسطينيين في قطاع غزة سوى عبر الخطب الرنانة، وهنا تبرز دعوة الرئيس محمود عباس في كلمته في قمة الكويت للتوجه للقاهرة لهذا الغرض، فرصة سانحة لاستئناف جهود المصالحة.

إن تصريحات المسؤولين العرب في قمة الكويت، وخاصة أمين عام جامعة الدول العربية، رمت الكرة في الملعب الفلسطيني، لجهة أن الانقسام الفلسطيني يجب أن ينتهي بجهود طرفي الخلاف في ظل رغبتهما، وهي خلافات تمثل انعكاس للخلاف العربي العربي، والتي عادت من جديد لتبرز في قمة الكويت عندما طلبت قطر تضمين بنود اجتماع الدوحة ضمن بيان القمة العربية، لتعود من جديد نذر الخلاف العربي في الأفق والتي بدورها وللأسف تنعكس على مواقف الفلسطينيين.

إن جلسات الحوار إن عقدت وتكللت جهود مصر في هذا الصدد بالنجاح، فهي لا بد وان تبحث كل الملفات السياسية والداخلية الإدارية، والأهم مراجعة الأخطاء، كي نكون قادرين على مواجهة التحديات، ليس اقلها إعادة اعمار ما دمره العدوان، وكذلك مواجهة التحديات والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، فنجاح الحوار سيقوي الكل الفلسطيني ويقطع الطريق على المتاجرين بقضيته وبحقوقه، فالشعب الفلسطيني الذي ترك وحديا في قطاع غزة يواجه الدبابات والصواريخ الإسرائيلية، آن لقواه أن تفهم أن وحدتها هي التي ستواجه العدوان وستعيد بناء الوطن.

http://www.miftah.org