فرصة مواتية لأوباما للتدخل في الشرق الاوسط
بقلم: راغدة درغام
2009/4/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10345

سحقت القمة العربية في الدوحة فرص طرح مواقف جدية أمام قمة أكبر عشرين دولة اقتصادية في العالم ولم تتم صياغة استراتيجيات حكيمة تؤخذ في الاعتبار.

فقمة «المصالحات» تباهت بتحديها للمحكمة الجنائية الدولية والمطالبة بالغاء مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، فتعاقدت مع المتهم بارتكاب جرائم الحرب في دارفور وتعاملت مع العدالة الدولية وكأنها العدو الجديد. هددت القمة العربية بنفاد صبرها من تلكؤ اسرائيل بقبول المبادرة العربية للسلام وتناست التفكير الضروري في ما يمكن أو يجب القيام به أمام وضوح تطرف الرؤية الاسرائيلية للمستقبل الفلسطيني.

لم يخطر في بال قيادات القمة العمل المشترك لصوغ استراتيجية توضع أمام الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، الذي يتقبل ويطلب مختلف الآراء ليدرسها ويأخذها في حساباته عندما يضع استراتيجياته. ولم تتناول القمة العربية أحد أهم المواضيع التي يختلف عليها العرب، أي نوعية العلاقة مع ايران.

وبالتأكيد، فاتت القمة العربية فرصة تدارس كيفية ابراز استعداد العرب للشراكة في المسؤولية العالمية لمعالجة الأزمة المالية، ولم يتسن لها رسم توجهات لمكانة العرب في عالم الغد في ظل الشراكات والمنافسات الجديدة. انما على رغم كل ذلك، قامت القيادة القطرية بجهد ملحوظ فتجنبت مفاجآت على نسق دعواتها السابقة للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ولقيادة «حماس» وحرصت على احترام وتقدير مشاركة القيادة السعودية في القمة.

الآن، وقد تولت قطر رئاسة القمة العربية للسنة المقبلة، انها فرصة لها للتعالي على الخلافات، ولأن تحول المصالحات الى نقطة انطلاق للمنطقة العربية. فرصة لإيضاح أن دعمها لـ «حماس» ليس بهدف أن تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية بل لتكون شريكاً كفؤاً في هذه المرحلة الصعبة للفلسطينيين. فرصة لإعادة الاعتبار للاعتدال بدلاً من تشجيع التطرف بهدف امتصاص الغضب الشعبي من العجز العربي. ففي ظل ما يصاغ من سياسات وشراكات عالمية جديدة، هناك مكانة للدول العربية لكنها ستبقى معلقة طالما يغيب عن القيادات العربية الترفع عن الاعتباطية واحترام العدالة الدولية والتفكير بحنكة لاقتناص الفرص بدل هدرها بعشوائية.

واضح ان السعودية لن تختار أن تمثل العرب في قمة العشرين طالما أنهم على هذا الانقسام المرير. فالدعوة للانضمام الى هذه المجموعة لم تأت على أساس أن تمثل الدولة المدعوة منطقتها وانما أن تكون هي المدعوة من منطقتها، بمعنى أنها أكثر الدول المؤهلة في منطقتها بسبب مؤهلاتها الاقتصادية وغير الاقتصادية.

ومن مصلحة العرب ترغيب السعودية بالقيادة ليس فقط لتمثيلهم في مجموعة العشرين وانما لأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقود مسيرة اصلاحات ثورية، ويتقدم باقتراحات رؤيوية سياسياً ويمد يده الى اتباع الديانات الأخرى، ويتحدث بلغة الاعتدال الضروري لإلحاق الهزيمة بالتطرف الذي أتى بالارهاب على العرب والاسلام معاً.

من مصلحة العرب أن تكون المصالحات جدية وعميقة وليست تكتيكية في معارك تثير الحيرة وتطلق مختلف التفسيرات. الرئاسة القطرية للقمة فرصة لطي صفحة منافسات لا لزوم لها ولفتح صفحة على شراكات ايجابية تفاجئ كل من راهن ضدها. فالحاجة ماسة لتطوير الوضع العربي لانقاذه من الانحطاط والارتفاع به الى الرقي. ومن الضروري أن تسعى الدول العربية الى اقناع السعودية بالقيادة وبتمثيلها عربياً في الشراكات الدولية.

اليوم، هناك تنافس على التأثير على ادارة أوباما ليس فقط من الدول التي تتطلع الى رسم أسس علاقات مع الولايات المتحدة، متينة أو انتقالية، ودية أو عدائية. فالمنافسة آتية ايضاً من مؤسسات فكرية أميركية ومن منظمات غير حكومية لها تأثير كبير على الادارة الأميركية، ومن أفراد مؤثرين في صنع السياسة الأميركية. وعلى سبيل المثال، لدى التدقيق فيما تتقدم به مختلف الدراسات والمؤسسات الفكرية، يتضح الخلاف الجذري بين الذين يريدون للرئيس باراك اوباما أن يتجنب الملف الفلسطيني - الاسرائيلي ويركز بدلاً منه على المسار السوري من المفاوضات مع اسرائيل، وبين الذين يدفعون الرئيس الأميركي الى التقاط الفرصة التاريخية والتجرؤ على صنع السلام الفلسطيني - الاسرائيلي، بتدخل من أجل المصلحة الوطنية الاميركية وليس فقط من أجل اسرائيل والفلسطينيين.

الفرصة مواتية اليوم أكثر من أي زمن مضى لاعتماد الولايات المتحدة سياسة التدخل والتقدم بتصور متكامل وخطوط حمر لتفرض سياستها على الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني انطلاقاً من قاعدة الاجماع الدولي المتاحة. فالحكومة الاسرائيلية الجديدة المتمثلة برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الليكودي المتطرف ووزير الخارجية القومي المتطرف افيغدور ليبرمان زعيم حزب «اسرائيل بيتنا» لن تتعاون مع الديبلوماسية من أجل السلام والتعايش مع الفلسطينيين. انها صريحة في رفضها للسياسة الأميركية وللاجماع الدولي على حل الدولتين - فلسطين بجانب اسرائيل - وهي واضحة في رغبتها مواصلة «العملية» السلمية فيما تمضي على أرض الواقع في تقويض مقومات الدولة الفلسطينية. هذه حكومة في حاجة الى كل المبررات وأي ذرائع لتنفذ غايات قيام الدولة اليهودية النظيفة من العرب داخل اسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بجوار اسرائيل.

وإذا كانت ادارة أوباما صادقة في التزامها بحل الدولتين و «المثابرة» نحو تحقيق هذا الهدف، عليها أن تدرك أن المثابرة المفتوحة الأفق تشتري الوقت لنتانياهو للتملص، والمطلوب هو التقدم بتصور الحل من كل نواحيه السياسية والأمنية والمثابرة في فرضه على الطرفين. وهذا ما سيتطلب مواقف ثابتة وشجاعة من بقية الأسرة الدولية من روسيا والصين وأوروبا الى الدول العربية وإلى القيادات اليهودية الواعية في العالم أجمع.

أمام الرئيس الأميركي اليوم دراسة مفصلة تتضمن اقتراحات واعية تقدمت بها مجموعة من مسؤولين كبار سابقين في إدارات ديموقراطية وجمهورية حملت عنوان «المشروع الشرق أوسطي للولايات المتحدة» الذي يرأسه هنري سيغمان ويترأس مجلس إدارته العالمي برنت سكاوكروفت، مستشار الأمن القومي لكل من الرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الأب. وقد وقع على الدراسة التي اطلق عليها «الفرصة الأخيرة لحل الدولتين في اتفاقية اسرائيل - فلسطين» تسعة آخرون بينهم زبيغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، والسيناتور السابق تشك هايغل، ولي هاملتون، وكارلا هلز، وناسي كاسبام - بيكر، وتوماس بيكرنغ، وتيد سورنسون، وبول فولكر، وجيمس وولفنسن الرئيس السابق للبنك الدولي.

بغض النظر عن المواقف المتفاوتة بين هؤلاء الموقعين على الدراسة، تعكس الدراسة نفسها والاقتراحات التي تضمنتها جرأة ووعياً ومسؤولية غير تلك التي ترافق التصريحات، بل أن بعضها يعكس نمواً في التفكير الفردي عبر مرور الوقت وبسبب التفكير الجماعي. وهي تتحدى، كبداية، المزاعم الثلاثة الأساسية لتبرير جدوى عدم التدخل وهي: أن على الرئيس ايلاء الأولوية لقضايا أهم تتعلق بالأمن القومي مثل العراق وإيران وافغانستان وروسيا والإرهاب... ان السلام لا يمكن فرضه من طرف الولايات المتحدة أو غيرها وانما يجب أن يترك للأطراف نفسها... وأن الضغط على الطرفين (اسرائيل تحديداً) يمكن أن يثير غضب قاعدة شعبية محلية داخل الولايات المتحدة. الدراسة تشرح لماذا هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة ثم تتقدم بالهوامش الأميركية التي يجب أن تعكس الحلول الوسط الأساسية ذات العلاقة بحدود الدولتين على أساس خطوط 4 حزيران (يونيو) 1967، ومعالجة قضية اللاجئين، واعتماد القدس عاصمتين للدولتين، واتخاذ الاجراءات الأمنية الضرورية بما في ذلك وجود قوات متعددة الجنسية لفترة انتقالية.

أهم ما ترتكز إليه هذه الدراسة هو ايلاء الأولوية قطعاً للمشكلة الفلسطينية - الاسرائيلية وليس القفز عليها عبر إعادة تفعيل المسار السوري - الاسرائيلي من المفاوضات. هذه المجموعة تتحدث في دراستها عن تشجيع مفاوضات اسرائيلية - سورية «تغيّر معالم المنطقة تؤدي في النهاية الى سلخ دمشق من علاقتها الاستراتيجية غير السهلة مع ايران» وتدعو الإدارة الأميركية لأن تكون ناشطة في تلك المفاوضات المباشرة «حتى وهي تعمل ناشطة على المسار الاسرائيلي - الفلسطيني».

الفارق كبير بين ما تدعو إليه هذه المجموعة من انخراط وتدخل في المسار الفلسطيني - الاسرائيلي كأولوية حتى وإن كانت تتصوّر سلخ دمشق عن طهران وبين ما تدعو إليه مؤسسات ومجموعات وأفراد يطالبون ادارة أوباما بوضع المسار الفلسطيني - الاسرائيلي في الثلاجة وترك الطرفين لبعضهما البعض بلا تدخل والى الالتهاء بدلاً من ذلك بالمسار السوري - الاسرائيلي من المفاوضات. وهذا مهم. النقطة الأخرى المهمة هي في ايضاح هذه الدراسة مواقفها عندما تدعو الى «أسلوب براغماتي نحو حماس وحكومة الوحدة الوطنية».

انها لا تدعو الإدارة الأميركية الى التحدث مع «حماس» كبديل عن السلطة الفلسطينية وانما تدعو الإدارة الى «التوقف عن عدم تشجيع اطراف ثالثة على الانخراط مع حماس بطرق قد تساعد في إيضاح آراء الحركة وفي اختبار تصرفاتها».

تقول المجموعة إن الانخراط المباشر مع «حماس» قد لا يكون عملياً انما يجب على الإدارة أن تشجع «الوفاق الوطني الفلسطيني وتوضح أن أية حكومة توافق على وقف النار مع اسرائيل وتقبل الرئيس محمود عباس كمفاوض رئيسي وتلتزم بنتائج الاستفتاء الوطني على مستقبل السلام لن تقاطع ولن تفرض عليها عقوبات وقيود».

هناك حكماً مآخذ على هذه الدراسة مثل افتراضها دوراً لسورية في لبنان على نسق ما كان عليه قبل اضطرارها لسحب قواتها منه، اذ تقول: «سيكون متوقعاً من سورية أن تستخدم نفوذها لتشجيع لبنان على سلام رسمي مع اسرائيل وأن توقف التهديدات ضد اسرائيل من الأراضي اللبنانية». صحيح أن لسورية نفوذ مع «حزب الله» انما ليس في أيديها أدوات الفرض عليه - عكس ايران - سوى بإيقاف تدفق المزيد من السلاح الموجود لديه بوفرة.

المهم أن هناك تفكيراً عميقاً ومواقف جريئة ودراسة مفصلة أمام الرئيس الأميركي كما أن هناك فرصة تعنت ومكابرة الحكومة الاسرائيلية لفرض حلول عليها وعلى الجانب الفلسطيني.

ما تحتاجه هذه النافذة هو تفكير عربي خارج الصندوق والتحرك انطلاقاً من الوقائع الجديدة بحزم وتماسك وبكامل الشراكة مع الادارة الأميركية والأسرة الدولية بناء على الشرعية من أجل السلام. وهذا بدوره يعني أن على القيادات العربية أن تفهم أن الشرعية والعدالة الدولية ليستا طبقاً أو صحناً على مائدة تختار منها ما تشاء بخطوات مدروسة باعتباطية أو ببهلوانية.

http://www.miftah.org