إذا كان تكريم أبطالنا تحريضاً...فليحيى التحريض!!
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/3/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11383

بالأمس نشرت هآرتس قرار الحكومة الإسرائيلية بالبدء رسمياً برصد ما أسمته "بالتحريض" الذي تمارسه السلطة الفلسطينية، إذ قرر نتنياهو تعيين الجنرال احتياط يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية منسقاً ومراقباً للتحريض في السلطة الفلسطينية.

أي خبر أكثر سخرية من هذا الخبر؟؟ وإن كان اتهام إسرائيل للسلطة الفلسطينية بذلك ليس بجديد، وهو ممتد منذ زمن الرئيس أبو عمار، إلا أن ما أثار غضبها مؤخراً، كان إعلان بلدية البيرة في الضفة الغربية عن نيتها تسمية ميدان في المدينة باسم “دلال المغربي”، التي قادت عملية فدائية على الطريق الساحلي في عام 1978، وقٌتل فيها 37 إسرائيلياً، وعلى بعد أمتار أطلقت البلدية على أحد الشوارع اسم ” شارع الأسرى” وعلى شارع آخر قريب من مخيم الأمعري اسم ” شارع الشهداء”، وكانت السلطة الفلسطينية قد أطلقت العديد من أسماء القادة والشهداء على شوارع وتقاطعات ومدارس ومستشفيات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لكن على ما يبدو فإن تسمية الميدان باسم دلال المغربي قد أثار حفيظة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو الذي قال: “إن أي إنسان يؤيد إطلاق اسم دلال المغربي المسؤولة عن قتل عشرات الإسرائيليين يشجع الإرهاب ويبعد المسافة لتحقيق السلام”.

هل يظن نتياهو أن مصادرة الأراضي الفلسطينية، من أجل توسيع الاستيطان، والإعلان عن مخطط إسرائيلي جديد لبناء 50 ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة، يقرب المسافة لتحقيق السلام؟؟، أم هل يقربها هدم البيوت وطرد المقدسيين من القدس، وسحب هوياتهم؟؟، ألا يؤكد غرسه للأشجار في المستوطنات على مواصلة الاستيطان في تحد صارخ لكل القوانين الدولية، والمناشدات الحقوقية؟؟، أم أن تحريضهم هذا قانوني ومشروع، فيما يعد تمسكنا بحقنا بالمقاومة المشروعة لاسترداد حقوقنا إرهاب وتحريض؟!.

ألا يذكر إقامة نصب تذكاري للمجرم غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في 1994، ألم يعتبروا هذا الإرهابي الذي قتل المصلين بطلاً بالنسبة لهم، وغيره ممن مجدوا لقتل الأبرياء. إن كان الافتخار بمقاومينا ومناضلينا وحقنا المشروع في العيش بكرامة هو "تحريض" بالنسبة لدولة الاحتلال، فأنا أؤيد عدم نفينا التحريض عن أنفسنا فهو ليس تهمة بل هو واجب مطلوب لمواجهة الظلم والظلاّم، ولنفخر بكوننا "محرضين" ضد الظلم، فقضيتنا العدالة ليست بحاجة للادعاء والكذب على المحتل، فهو لديه من الجرائم والانتهاكات على الأرض ما يكفي لإدانته، أفلا يحق لنا أن ننقل للعالم الوجه الحقيقي لهذه الدولة القائمة على دماء وآلام الأبرياء!، فإن لم نستطع نحن محاسبتها، فإن أضعف الأيمان يكون بنقل صورة حقيقة عن ممارساتها العدوانية على الأرض.

ولاشك أن هذا المفهوم لا ينفصل عن حياتنا، نظراً للواقع الذي نعيشه في ظل احتلال يمارس أبشع ألوان الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، بل أن دولته قامت على أنقاض شعب بأكمله، وزُرعت في أرض ترفضها وتلفظها كل يوم، لذا فمن المنطق أنها هي من تلجأ للتحريض ضد كل من حولها، حتى بات التحريض ضد العرب والفلسطينيين قيمة من قيم المجتمع الإسرائيلي وثقافته، ويُمارس من قبل كبار مسؤوليه ودبلوماسيه، حتى رجال الدين الإسرائيليين لم يتورعوا عن وصف الفلسطينيين بأبشع الصفات، وعلى رأسهم الأب الروحي لحركة "شاس" الإسرائيلية الحاخام عوفاديا يوسف عندما هاجم الإسلام والمسلمين، واصفا الإسلام بالـ "قبيح" وكذلك المسلمين مثل دينهم، وهو الذي سبق وقال إن "الحرم القدسي كله لنا"، وبأنّ الله ندم على خلق العرب، واصفاً إياهم بالأفاعي والمدنسين والنمل، كما صرح بأن المسيح عندما ينزل فإنّه سيقتل العرب، ويودي بهم إلى جهنّم، فما على اليهود إلا الشروع بهدم المسجد الأقصى والبدء ببناء الهيكل، دون خوف من ردة فعل العرب والمسلمين، لأن المسيح سيتكفّل بهم على حد زعمه.

بل لم يكن كافياً للحاخامات اليهود، كل أنواع العذاب والمعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، والإجراءات التعسفية اليومية بحقهم وبحق أهاليهم، بل توجوا كل ذلك بفتوى أصدرها مجمع الخامات الصهيوني "السنهدرين" تبيح قتل كافة الأسرى الفلسطينيين إذا لم يعد الأسير غلعاد شاليط سالمًا؛ وكيف لا يكون للأسرى نصيبهم من دعوات التحريض على الكراهية والقتل، وقد طالت هذه الدعوات من قبلهم الأطفال الرضع، في كتاب أصدره الحاخامان يتسحاق شبيرا، ويوسي أليتسور تحت عنوان "توراة الملك"، والتي تُجيز قتل "الأغيار" من غير اليهود حتى من حملة الجنسية الإسرائيلية، وحتى الأطفال الرضع كما أوضحا في مؤلفهما ودون تلعثم أو صياغة متحفظة "إذا تبيّن أنهم سيكبرون من أجل المس بنا، أو إن كانوا يسدون طريقنا".

ثم تقول الحكومة الإسرائيلية إنه سيجري رصد "التحريض" من خلال ما يبث في وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية، والبيانات والإجراءات التي اتخذها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية والكتب المدرسية، متهمة السلطة بممارسة التحريض في المدارس وفي مجمل الأنشطة الثقافية، ونسيت أنها لم تستثن مؤسساتها التعليمية ولا الإعلامية من التحريض ضد الفلسطينيين أو ضد قيادتهم، أو ضد مواطنيها في مناطق ال48، أليست هي من قررت شطب مصطلح "النكبة" من المناهج الدراسية لطلبة المدارس العربية (الفلسطينية)!!، أو ليس وزير مواصلاتها من أقر بشطب أسماء المدن العربية على لوحات الطرق، وكتابة أسماء المدن بالعبرية فقط!!؟.

وكعادتهم الإسرائيليون يعملون على مبدأ "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، فمنذ شهرين اشتكى مستشار نتانياهو رون ديرمر إلى البيت الأبيض من التحريض الذي تمارسه السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، ولديهم دائماً جملهم المعهودة ذاتها، إذا ما واجههم أحد بحقيقتهم، معادة السامية، العرب يريدون تدمير إسرائيل، حق إسرائيل في الحياة.

ومن ثم يريدون الضغط على السلطة الفلسطينية لمنع "التحريض" والتثقيف تجاه السلام!!، ومن يمنع مستوطنيهم؟ ليس فقط من التحريض علينا بل من الاعتداء على أبناء شعبنا؟!، وكيف لا ودولتهم تمارس ضدنا نفس ما يمارسونه، "فإذا كان كبير القوم على الطبل ضارب فلا تلومن الصغار على الرقص". فلتسمي إسرائيل ما تشاء، ولنفخر بمناضلينا وشهدائنا وأسرانا الذين قدموا حياتهم لأجل فلسطين، وإذا كان هذا الفخر تحريضاً فلنكن مع التحريض، وليحيى التحريض والمقاومة ضد الظلم والقهر والاضطهاد وضد بقاء المحتل، وليبقى أبطالنا ومناضلونا خالدون في ذكرى الوطن وأبنائه.

http://www.miftah.org