مركز يبوس...حكاية صمود ونضال فني من قلب القدس
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2012/7/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13918

تعاني مدينة القدس من ويلات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستهدفها بمخططاته التوسعية، ويسعى لتهويدها على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ورغم كل المحاولات الإسرائيلية التي تسعى لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين والتضييق عليهم بكل الطرق، إلا أن هناك عدد من المؤسسات المقدسية التي تسعى جاهدة للبقاء في المدينة والحفاظ على هويتها الثقافية العربية والفلسطينية، ومنها مركز يبوس الثقافي، الذي يعطينا فكرة عن حالة الفن في القدس من خلال عمل المؤسسة. حيث أجرت مفتاح اللقاء التالي مع رانيا إلياس- المدير التنفيذي لمركز يبوس.

س1: تأسست مؤسسة يبوس عام 1995ـ أخبرينا عن بداياتها والصعوبات التي واجهتها في البداية كونها مؤسسة تعنى بالحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية للمدينة من قلب مدينة القدس؟

تأسست يبوس عام 1995 بمبادرة مجموعة من الشباب المهتم بإنعاش الحياة الثقافية في المدينة، وإعادة الروح إليها وخصوصاً بعدما ازداد الحصار على المدينة وبالتحديد بعد اتفاقية أوسلو.

وخلال الأعوام السابقة عملت يبوس جاهدة على تنظيم العديد من النشاطات والفعاليات الثقافية على مدار العام، من موسيقى ورقص ومسرح وأدب داخل أسوار البلدة القديمة، وخارجها هادفة بذلك إلى توصيل الفن الراقي والملتزم إلى كافة فئات المجتمع الفلسطيني.

ولقد شكل صيف عام 2011 المحطة النوعية في حياة "يبوس" التي كانت حتى ذلك الوقت تحمل اسم مؤسسة يبوس ثم أصبحت مركز يبوس الثقافي منذ أن نقلت مكتبها إلى مقر سينما القدس سابقاً الذي تقرر أن يكون المركز الجديد لكل الأنشطة والفعاليات المتنوعة.

ولم تنتظر إدارة مركز يبوس حتى تكتمل جاهزية المقر كي تبدأ في تنفيذ أنشطته، بل انطلقت الفعاليات المتنوعة فيه مع انطلاقة مهرجان القدس2011، ثم أقيمت فيه حتى هذا التاريخ مجموعة من الفعاليات الأدبية والتشكيلية والمعارض وبرنامج الأطفال بالتنسيق مع بعض المراكز الثقافية والفنية في مدينة القدس.

لقد كان التحدي كبيرا أمام يبوس وكانت الاستجابة بنفس المستوى، فكان السير في مجال تنظيم وتنفيذ الأنشطة والفعاليات محاذياً للسير المتسارع من أجل إعادة ترميم وتأهيل مركز يبوس الثقافي. ويحق لنا في يبوس أن نفخر بهذه الروح الوثابة وبالنجاح في تحقيق إنجازات ملموسة نسعى إلى تطويرها وترسيخها، ونعمل من أجل ضمان خلق واقع اجتماعي ثقافي تفاعلي خلاق يساهم في إنعاش الحياة الثقافية في القدس.

ممكن تلخيص الصعوبات والمشاكل الرئيسية التي أثرت على سير عملنا على النحو التالي :

• الحصار المفروض على القدس وتقييد حرية التنقل مما يؤثر على عملنا على كافة الأصعدة، ليس فقط فنياً وإنما من ناحية محدودية الحضور للفعاليات، إذ اقتصرت على المقدسيين والضيوف الدوليين الذين يعيشون في المدينة وأهلنا من شمال فلسطين الأمر الذي يجعل مهمتنا أصعب. وهذا يضعنا في حلقة مغلقة من حيث الفرق والفنانين والمشاريع. فالفرق من العالم العربي لا يمكن أن تأتي إلى القدس وذلك بسبب وجود الاحتلال وموضوع التأشيرات والتزامنا جميعا بمعايير المقاطعة والفرق الفلسطينية من الضفة وغزة تحتاج إلى تصاريح من سلطات الاحتلال صعب استصدارها.

• عدم وجود مرجعية بالمدينة والمقصود سياسية واجتماعية، وعدم وجود قيادة في الوقت الحالي أدت إلى وجود ممارسات "زعرنة" و"خاوات" وحتى عصابات تحاول فرض نفسها على القدس وهذا يتطلب تصدي كامل لها حتى على مستوى مؤسسات ثقافية واجهت وتواجه هذه العصابات. والمشكلة بهذا الصدد عدم تحرك أي جهة فلسطينية مسؤولة لتعمل على فرض الأمن والأمان بين الناس.

• الحالة الاقتصادية العالمية بشكل عام وتأثيرها على سياسات الممولين. والعمل تحت الضغط والقلق بسبب ضبابية التمويل وبخاصة جزء الترميم منها. بالإضافة إلى عدم توفير الدعم الكافي لتغطية تكاليف التشغيل وتنظيم المشاريع وخصوصاً ألآن بوجود مركز ثقافي. مع العلم أن الدعم المقدم من الجهات الفلسطينية معدوم والجهات العربية محدود والجهات الأجنبية يتقلص تدريجياً.

وجود قيود سياسية وعقبات قانونية متزايدة في القدس جعلت العمل يزداد صعوبة.

• عدم وجود إستراتيجية سياسية وثقافية للقدس تضع على المؤسسات عبء كبير كونها تقوم بالعديد من الأمور للحفاظ على نفسها بالمدينة وعدم الإغلاق والهجرة إلى رام الله أو مدن أخرى.

• محدودية الموارد والأشخاص المؤهلين في منطقة القدس، و إذا توافرت الخيارات في المدن الأخرى تبقى هناك صعوبة في توظيف هؤلاء الأشخاص بسبب مشكلة التصاريح، بالإضافة إلى أن الأشخاص المؤهلين ولديهم الخبرة تكون توقعاتهم عالية جداً بشأن الرواتب والتي بدورها تعتبر مشكلة كبيرة تواجه معظم المؤسسات العاملة في القدس.

س2: ما النشاطات التي تقوم بها مؤسسة يبوس في القدس وما المحاور التي تركز عليها؟

تركز يبوس في عملها وضمن الخطة الاستراتيجية لها على تنظيم فعاليات مستمرة لخلق حالة ثقافية في المدينة. على أن يوفر مركز يبوس الثقافي فرصة لتوسيع شرائح الجمهور وخاصة شريحتي الشباب والمرأة. ويعمل على تشجيع الإبداعات الفنية وممكن أن يتم بالتعاون والتنسيق مع المراكز والمؤسسات الثقافية والفنية الفاعلة في مدينة القدس وفلسطين.

ويمكن تلخيص أهم النشاطات:

1- تنظيم مهرجان القدس السنوي الذي ينظم في صيف كل عام منذ عام 1995.

2- تنظيم مهرجانات للأفلام وعرض أفلام.

3- تنظيم مهرجانات موسيقية مختلفة على مدار العام.

4- تنظيم أسابيع ثقافية مختلفة عربية ودولية

. 5- تسويق للفرق الفلسطينية وتشجيع للإنتاجيات الفنية الفلسطينية

. 6- تنظيم برامج مختلفة للأطفال وموجهة بالتعاون مع مدارس ومؤسسات ومراكز في القدس تضم ورشات للكتابات الإبداعية، وقراءة قصص، وحضور أفلام ونقاشها الخ.

7- من منطلق تفعيل الثقافة والأدب في مدينة القدس يتم تنظيم معارض وندوات ثقافية، و أمسية لقراءات أدبية و حوارات مفتوح.

8- تنظيم معارض فنية لمبدعين فلسطينيين في الخط العربي والفن التشكيلي، وبالتحديد التركيز على الإبداعات الشبابية من خلال برنامج يسمى "المعرض الأول".

9- تنظيم دورات في الدبكة الشعبية.

10- عضويةً يبوس في العديد من المنظمات والمنتديات المحلية والدولية والتي تشارك بها لتوسيع آفاقها للتعاون والتطور والتعريف بالوضع الثقافي في فلسطين.

س3: مفتاح: كيف تقيمين الحالة الفنية، أو واقع الفن في القدس؟ وما مدى تأثير المؤسسة على الوضع الفلسطيني؟ وكيف يتم قياس هذا التأثير؟

لا يمكن فصل الحالة الفنية في القدس عن الحالة الفنية والثقافية في الوطن بشكل عام. هناك امتداد وعلاقة تكامل. ولكن هناك اختلاف بالمعطيات وشدة التعقيدات وفرض الإغلاقات والحصار على المدينة والأهم بقوانين المعركة حيث أن المعركة في القدس هي "معركة ثقافية".... لأننا وللأسف خسرنا المعارك الأخرى.

الحالة الفنية في القدس تتأثر بالحالة الاقتصادية والاجتماعية كما أنها تتأثر بالأجواء المعنوية. اعتقد أن هناك حراك ثقافي قوي في المدينة تقوده المؤسسات المختلفة بهدف الحفاظ على وجودنا وخلق واقع جديد ولكن ما زال متقلب وغير مستقر.

هناك العديد من الفعاليات الأسبوعية والموسمية في المدينة، مما تعطي الجمهور الحرية الكاملة بالاستمتاع واختيار الفعاليات كل حسب ذوقه. ولكن لكي نقول هناك "حالة" نحن نحتاج إلى عمل مستمر وتعاون، ونحتاج إلى استمرارية لسنوات وصمود، وإلى الانفتاح على ثقافات عالمية وعربية أخرى لإيصال رسالتنا.

ومركز يبوس يلعب دور مهم في هذه المعركة الثقافية، وأعتقد أن الانجازات التي حققها يبوس هي التي تتحدث وتفرض نفسها كمثال ونموذج ناجح لمؤسسات ثقافية فيها إدارة ومتابعة ورؤية ومنهجية. وبالتالي من ممكن أن يتم الحديث عن تأثيرها على الحركة الثقافية الفلسطينية وكقصة نجاح في القدس ممكن أن يُحتذى به من قبل المؤسسات الأخرى.

س4: قامت المؤسسة بعمل 17 مهرجان دولي للموسيقى العالمية والشرقية والجاز وأغاني الحرية والموسيقى الدينية، في الموقع الأثري (قبور السلاطين) وفي سوق القطانين ومواقع داخل وخارج أسوار القدس، حديثنا عن هذه المهرجانات وعن حضور أهل القدس وتفاعلهم معها؟

منذ سبعة عشرة عاماً ومهرجان القدس يواصل إمتاع الجمهور الفلسطيني بعروض موسيقية وراقصة عالمية وعربية ومحلية ظلت تقام حتى العام الماضي في قبور السلاطين في القدس إلا انه وبسبب ترميم هذا الموقع الأثري من قبل القنصلية الفرنسية العامة فان الأمسيات الموسيقية الكبيرة أقيمت في ساحة مؤسسة دار الطفل العربي في وادي الجوز.

وشهد برنامج المهرجانات تنوعاً ملحوظاً منحه ديناميكية وحيوية ، حيث قدم للجمهور خيارات متعددة لتلبية اهتماماتهم وأذواقهم واستبعد الروتينية والنمطية في البرامج والفعاليات. فقد تضمنت المهرجانات فعاليات في الموسيقى والأدب والرقص، وأمسيات ومهرجان أفلام والمعارض الفنية وبرامج أيام مرح للأطفال وارتجالات في حدائق الفنادق. وحظيت المهرجانات في مجملها باهتمام ومتابعة جماهيرية واسعة، وبإقبال شرائح وفئات متعددة تمكنت المهرجانات من تلبيه عطشها واحتياجها عبر فعاليات ثرية من هذا الطراز الكمي والنوعي في مدينة القدس.

س5: مفتاح: ما الانجازات التي ستحققها مؤسسة يبوس خلال السنوات القادمة؟

هناك خطة واضحة لدى الهيئة العامة ليبوس ومجلس إدارتها وطاقمها للثلاث سنوات القادمة بماذا يجب أن ينفذ ويتحقق ويمكن تلخيصه بالتالي:

المحافظة على مركز يبوس الثقافي وضمان استمراره واستدامته من خلال الإدارة السليمة والمتابعة والشفافية الكاملة لضمان دعمه. وبرؤية فنية وبرامج منظمة مستمرة يومياً لضمان خلق حالة ثقافية في البلد وحث وتشجيع أهلنا وجمهورنا بالمشاركة المستمرة وفتح أفق التعاون مع الجميع ضمن قواعد واضحة والانفتاح على الفعاليات العالمية ونشر الثقافة الفلسطينية. وتحت هذا التوجه ستنظم العشرات من البرامج الفنية والثقافية في مركز يبوس الثقافي وفي مواقع أخرى في القدس.

س6: كيف يمكن دعم الفن في القدس رسميا ًوشعبياً؟

بدعم وتعزيز صمود المؤسسات الثقافية ووقف هجرتها إلى مناطق أخرى أو حتى الإغلاق. فهناك العديد من المؤسسات التي لم تستطع الصمود أمام الضغوطات والقوانين المفروضة علينا فأغلقت أبوابها أو هاجرت القدس إلى مناطق يسهل العمل بها.

حيث تقوم المؤسسات الثقافية بلعب دور كبير في تعزيز الصمود من خلال نشاطاتها وبرامجها بإعطاء الأمل للناس وخلق فرص عمل لهم وتعريفهم بثقافات أخرى، وتحافظ على الهوية الثقافية الفلسطينية.

دعم الفن ممكن أن يتم: من خلال دعم المؤسسات الثقافية المقدسية لتنفيذ مشاريعها في المدنية وتعزيز حضورها، وخلق مكتبات عامة ومتاحف وقاعات عروض ومسارح. وعلى أن يتحمل الجميع من سلطة وطنية وحكومة ومؤسسات مجتمع مدني وقطاع خاص وأفراد مسؤوليته اتجاه القدس لضمان استمرار عمل المؤسسات.

http://www.miftah.org