حافظ عمر والريشة الفلسطينية التي ساندت الثورات العربية
بقلم: ربا عوض الله
2012/7/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13963

في اليوم الثامن والعشرين من معركة الأمعاء الخاوية في شهر أيار 2012، التي ناضل بها الأحرار خلف قضبان الاحتلال ، توحدت الصورة الشخصية على الفيسبوك لعدد هائل من الفلسطينيين في الوطن والمهجر بالإضافة إلى المتضامنين الأجانب. المحرك الرئيس لهذه الفكرة التضامنية هو الشاب العربي الفلسطيني – حافظ عمر.

هذه الصورة للأسير الفلسطيني بزييه البني الملوث بالكلمات العبرية على الطرف (مصلحة السجون الإسرائيلية)، رسمها حافظ وعدّل عليها عدد من الرسامين ونشرها آخرون ليؤكدوا جميعا أننا نحن الأسرى وهم الأحرار رغم القيد. "هم الأبطال الحقيقيون لأنهم اختاروا خط المواجهة الحقيقي مع المحتل"، يشدد حافظ.

البوسترات

يؤمن حافظ أن " تحرير فلسطين مرتبط بتحرر الشعوب العربية." ومن هنا اندفع حافظ مع بداية الثورات العربية بعمل بوسترات سياسية تحريضية ونشرها عبر الفيسبوك، ليؤمّن مادة إعلامية للمتظاهرين في البلدان العربية ولكسر "البعد الجغرافي" بينه وبين أبناء الثورات.

ومع التحرك السياسي في الوضع العربي بدأ الوضع السياسي الفلسطيني بالتحرك أيضاً. وفي هذا الوقت، بدأ حافظ بالتعبير عن رأيه في القضية الفلسطينية وتعزيز القيم التي يحملها عن طريق البوسترات. فهو يؤمن بفكرة غسان كنفاني الذي يرى أن وراء المقاومة يجب أن يكون هناك ثقافة مقاومة ورفض، لأن المواجهة تبدأ معنوية ومن ثم مادية.

ومن بوسترات حافظ نرى أنه يركز على أهم العناصر المشكلة للحدث. برأيه محتوى وفكرة البوستر أهم من شكلها حتى تصل الجمهور بعناصرها الشعبية بسرعة ووضوح. فمن البوسترات التي صممها لمناصرة ثورة 25 يناير في مصر، نرى لافتة مخطوط عليها مكان الاحتجاج ألا وهو " ميدان التحرير" في القاهرة. ومن أسفل اللافتة مكتوب: " جمهورية الأحلام الممكنة، “ كطريقة للتعبير عن أن الحلم ممكن وثورة الشعب منتصرة. ويكمّل أسفل البوستر خيال متظاهرين رافعين علم مصر وعلامة النصر. أما بالنسبة للبوسترات التي صممها بخصوص القضية الفلسطينية، نرى بوستر كرس للذكرى الثالثة والستين للنكبة. مكون البوستر من ساعة منبه، العقارب فيها على شكل مفتاح العودة وهي متجهة نحو الساعة اثني عشر وهي على شكل خارطة فلسطين، وأسفل الساعة تواريخ مهمة في التاريخ الفلسطيني. وختم البوستر بجملة: "إنا لفلسطين... وإنا إليها لراجعون."

هذه البوسترات عمل تطوعي من حافظ لا يقبل بيعها أو الحصول على أي مردود مادي منها، فهي شعبية وستبقى كذلك. بعد تشكل الفكرة على أكمل وجه، تأخذ كل لوحة ساعة من العمل الدؤوب تقريبا. ومن ثم ينشرها على الفيسبوك لتحريض الشعب على الأفكار المطروحة فيها.

ربما يجدر بنا أن شكر الثورة التكنولوجية التي لم تساند الثورات العربية فحسب، بل ساهمت أيضاً في نشر بوسترات حافظ. رغم أن الفن لم يأخذ حقه في بلادنا بعد، ومازال الفنانون مغمورون ومهملون، لكن لولا التكنولوجيا ولولا الفيسبوك بالتحديد لما عرفنا حافظ كما نعرفه اليوم.

ماضيه يكون حاضره:

في الخامس من حزيران 1983 ولد حافظ في نابلس لوالدين أصلهما من قرية عنبتا قضاء طولكرم. هو الأخ الأكبر بين أربعة أخوة تشاركوا في طفولة مليئة بالشحنات السياسية نتيجة للوضع السياسي في فلسطين وبسبب اهتمام الوالدين بالسياسة بشكل كبير.

تفتح وعي حافظ السياسي منذ عمر صغير فلم يبخل يوماً في سؤال يدور في مخيلته ليفهم جزءا من الاستفهامات في الحياة بشكل عام وفي الوضع الفلسطيني بشكل مفصل. ومن الأمور التي سأل حولها في طفولته، بوستر معلقة في البيت عن الشهيدة لينا النابلسي التي استشهدت عام 1976 في نابلس وهي عائدة من مدرستها إلى البيت.

في رياض الشهيد غسان كنفاني في طولكرم بدأ حافظ بالرسم بدرجة أعلى من الأطفال الآخرين، فرسم منذ صغره خريطة فلسطين وعلمها.

وقد تأثر بتفوقه على الأطفال الآخرين، فاختار الفن البصري السياسي كعنوان لحياتة ملونا بنشاط والده السياسي الكثيف وولع والدته بالفن، لكن اللحظة الفاصلة في تحديد هويته كانت حضوره لفيلم نور الشريف عن ناجي العلي.

حافظ كان يعرف حنظلة في طفولته فهو مرسوم على الكثير من الجدران، لكنه لم يكن يعلم القصة ورائه. فلما شاهد الفيلم وعلم أن ناجي العلي استشهد لأنه يرسم عن الوطن وعن القتال من أجله، أصبح الرسم عند حافظ سلاحا. وفي سن العاشرة حدد مستقبله قائلا: "أريد أن أصبح رساماً ضمن معادلة ناجي العلي."

الاصطدام بالواقع:

مصمما على حلم الطفولة، انتقل حافظ من طولكرم متجها إلى مسقط رأسه ليدرس في جامعة النجاح بكلية الفنون. هناك اصطدم بواقع التعليم التلقيني، فبالرغم من تميزه في الرسم لم يكن حافظ من الطلبة الأوائل في دفعته. لكنّ أسلوب التدريس لم يكن السبب الوحيد وراء عدم تميز حافظ أكاديمياً، فخلال سنواته الجامعية كان ناشطاً فاعلاً في الأطر الطلابية السياسية، مما أعاقه عن التركيز في الدراسة الأكاديمية.

"تكوين" كان أول مكتب تصميم متواضع فتحه حافظ في نابلس حال تخرجه من جامعة النجاح عام 2005. لسوء الحظ أو حسنه، لم يتمكن عمر من الاستمرار في المشروع لأكثر من قرابة خمسة شهور بسبب الوضع الاقتصادي السيئ. لهذا قرر الانتقال إلى رام الله حيث يتواجد سوق مناسب لعمله. ومباشرة بعد وصوله رام الله عمل في عدد من الورشات الفنية مع مؤسسات مختلفة.

"الممارسة الفنية في البلد محتكرة... إنتاج القيمة الفنية والمعرفية مرتبط بالتمويل الخارجي، “ هكذا أعرب حافظ عن استياءه من عمله. ومن هذا الاستياء جاءت الفكرة ليفتح هو ومجموعة من أصدقائه الفنانين جاليري تحت مسمى "جاليري محطة." جاء هذا الجاليري ليكسر الهاجس بين الفنان والجمهور، فكان الخط الأحمر الرئيس لهذا الجاليري: أنه لن يعمل تحت شروط أي تمويل خارجي.

هذه الفكرة استوحاها حافظ من فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي تقدم التراث والفن في الوطن والخارج لثلاث وثلاثين سنة، والتي يعتبرها حافظ مؤثر رئيسي في حياته. " فرقة الفنون تقدم الفن من ولأجل الناس،" أكد حافظ، فهي بمحبة الجمهور لها قادرة على إعالة نفسها بنفسها. وفي حالة حصول الفرقة على تمويل خارجي، يكون بشروط الفنون وليس بشروط الممول.

بعد ثلاث سنوات من العمل مع جاليري محطة كمدير للمشاريع، اختار حافظ الاستقالة لعدم القدرة على تلبية رؤيته. في تلك الفترة عانى من وضع اقتصادي سيء مما ألح عليه بعد فترة من الزمن العمل في متحف جامعة بيرزيت. هذه المرة لم يستمر إلا ثلاثة شهور، وفضّل الجوع على العمل بشيء لا يتناسب وقناعته. قائلاً عن أسباب تركه للوظيفة الأخيرة: "إن متحف الجامعة ينتج فن نخبوي يقدم لنخبة ولا يؤثر إلا بحياة نخبة وبشكل سطحي وانتقائي."

اليوم يعمل حافظ مستشاراً لمادة في جامعة اكسفورد البريطانية بعنوان "تدريس تاريخ الثورة الفلسطينية." ولحسن الحظ اقتنع حافظ بمحتوى المادة وطريقة تدريسها مما يؤمن له استمراراً في هذا المجال ويخرجه من مأزقه الاقتصادي ليسد من خلال هذه الوظيفة ديونه وقوت يومه.

"أريد أن أكون كما يكون شعبي"

حافظ يؤمن بأن البوسترات التي يقدمها هي وسيلة اتصال جماهيري لكنها لا تغني عن المقاومة الحقيقية في الشارع ضد القمع والاضطهاد. هذه الوسيلة الجماهيرية ملك الشعب لأنها تتحدث عنهم ومنهم لذلك نجد عدداً من البوسترات غير موقعة باسم حافظ عمر. الشهرة ليست وحدها المرفوضة عند حافظ، ففكرة أخذ مردود مادي مقابل هذه البوسترات من أكبر المرفوضات لديه.

بغض النظر عن كون حافظ عمر لا يسعى لمردود مادي، من الواجب أن نملي عليه مردوداً معنوياً يدفعه للأمام ويزيد من وعي الناس في أهمية الفن وإيجابياته. فالفن في بلادنا موجود ومبدع لكنه مهمش، حيث أن الناس يهتمون أكثر بالمهن ذات المردود المادي الكبير مثل الطب والهندسة، ويبتعدون عن المهن الصعبة والمتعبة.

"أريد أن أكون كما يكون شعبي" هذا ما يريده حافظ من مستقبله. سيقضي حافظ عمر عمره محاولاً أن يوصل أفكاره على طريقة غسان كنفاني حين قال: "ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة. ولا بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة. إن الانحياز الفني الحقيقي هو: كيف يستطيع الانسان أن يقول الشيء العميق ببساطة."

للاطلاع على صفحته على الفيس بوك- حيطان

https://www.facebook.com/hitancom

 
 
 

http://www.miftah.org