يوميات مواطن عادي (74)
النساء وتحديات الانقسام... والمصالحة

بقلم: نبيل دويكات
2017/10/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15212

مما لا شك فيه أن النساء عموماً هنّ من اكثر شرائح المجتمع الفلسطيني ابتهاجاً وفرحاً بإنهاء حالة الانقسام السياسي وعودة روح الوحدة بين ابناء المجتمع الفلسطيني بأطيافه السياسية والوطنية والاجتماعية المختلفة. بل لعبت الحركة النسوية على امتداد سنوات الانقسام العشر الماضية دوراً متقدماً في إطلاق العديد من المبادرات وقيادة الكثير من الفعاليات التي هدفت إلى تعبئة المجتمع الفلسطيني عموماً وتنظيم حركته باتجاه الدفع لإنهاء حالة الانقسام.

وكانت النساء الفلسطينيات في طليعة المبادرين الى الترحيب بالتطورات الايجابية في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني، والذي تمثل في الزيارة التي نظمتها الحكومة الفلسطينية الى قطاع غزة في الثاني من تشرين اول الحالي، وسرعان ما بادر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في اليوم التالي الى الدعوة لاجتماع موسع للأطر والمؤسسات النسوية صدر عنه بيان أشارت اولى فقراته إلى الترحيب بالتطورات الحاصلة في ملف المصالحة، والدعوة إلى تعزيزها وتجذيرها والتصدي لأية معيقات قد تقف في طريق إتمامها.

لعل هذا الأمر أحد أهم المؤشرات ليس فقط على الدور الهام الذي تلعبه النساء عموماً في مجمل النضال الوطني التحرري الذي يخوضه المجتمع الفلسطيني في سبيل الخلاص من نير الاحتلال، وبما يفتح الطريق أمام تطور وتقدم هذا المجتمع. وإنما أيضا تعبير واضح عن انخراط النساء في مجمل حياة المجتمع وقضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ووضعها في أولويات النساء ومؤسساتهن على اختلافها.

وانخرطت النساء الفلسطينيات، إلى جانب هذا الدور الوطني الهام، في نضال طويل وعنيد من أجل حقوقهن الديمقراطية والاجتماعية، في ظل بيئة اجتماعية- اقتصادية- سياسية وقانونية صعبة ومعقدة، يتداخل فيها الموروث الثقافي مع الوضع السياسي، والبيئة القانونية مع وجود الاحتلال، والانقسام السياسي والجغرافي مع وحدة الحقوق، وعدم إمكانية تجزئتها. كل ذلك أضاف لنضالات الحركة النسوية تعقيدات فوق تعقيدات، واتضح في المحصلة النهائية أن النتائج التي تحققها صغيرة ومتفرقة هناك وهناك، واحياناً لا تكاد ترى بالعين المجردة، وفي التطبيق العملي على ارض الواقع.

واذا كان هناك من استطاع أن يدرك المغازي والسلبيات الحقيقية للمعاني والتطبيقات السلبية لحالة الانقسام السياسي، فإن النساء عموماً سيكنّ في طليعتها. فقد خبرت النساء على امتداد العشر سنوات الماضية زيادة في حالة التفكك والتشرذم الاجتماعي والوطني، وانعكست أكثر تجلياته السلبية على النساء، عبر ارتفاع وتيرة العنف ضدهن، وزيادة انتهاك حقوقهن في مختلف المجالات وعلى كافة الاصعدة. وانعكست حالة تعدد السلطات والسيطرة السياسية والقانونية في زيادة الصعوبات والتعقيدات التي تواجه محاولاتهن المستمرة للتصدي للعنف ومواجهته، وتحصيل بعض الحقوق المنتهكة. فضلا عن معاناتهن الناتجة عن استمرار وجود الاحتلال وسياسته القمعية ضد المجتمع الفلسطيني عموماً، والتي طالت في أصعب درجات انعكاساتها السلبية النساء الفلسطينيات.

وعلى امتداد سنوات الانقسام لم يخل خطاب الحركة النسوية، سواء من خلال الدراسات والبيانات وخلال الاجتماعات والندوات وورش العمل والمؤتمرات وغيرها، من الإشارة بشكل أو بآخر إلى أن أهم التحديات والصعوبات التي تواجهها النساء هي حالة الانقسام والتفكك السياسي، والمطالبة بتجاوزها والتغلب عليها. وكذلك في تعداد الجوانب السلبية المترتبة على ذلك على النساء خاصة والمجتمع الفلسطينية عامة، وفي مقدمتها تراجع دور السلطة التشريعية سواء من ناحية سن التشريعات والقوانين، أو الرقابة على أداء السلطة التنفيذية من ناحية أخرى، وفي كلتا الحالتين كانت النساء في مقدمة المتضررين.

ومع استمرار حالة الانقسام، وأخذ الرئيس الفلسطيني نهاية عام 2007 على عاتقه سن القوانين والتشريعات الجديدة، استنادا إلى نص المادة (43) من القانون الأساسي التي تعطيه صلاحية ذلك، لسد الفراغ القانوني الناتج عن غياب انتظام المجلس التشريعي. وبصورة اجمالية لم تتعد تلك المتعلقة منها بحقوق النساء نسبة 2% من مجموع القوانين التي أصدرها الرئيس الفلسطيني خلال عشرة اعوام، والتي زادت عن (140) قرارا بقانون، وكان أبرزها القرار بقانون رقم (7) لسنة 2011 لتعديل المادة (304) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 الساري في الضفة الغربية، والمادة (18) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 الساري قطاع غزة. وهي لم تؤد الى معالجة التمييز الواقع ضد النساء، أو مواجهة حالات قتل النساء، خاصة تحت مسمى "شرف العائلة" وهو ما تطلب قرارا آخر بتعديل المادة (98) من قانون العقوبات الأردني. وهاتان المادتان لهما صلة بما اصطلح على تسميته "العذر المحلل والمخفف"، الذي كان يشكل أرضية قانونية مشجعة للعنف ضد النساء وقتلهن، وقاعدة لتخفيف عقوبات مرتكبي الجرائم ضدهن. أما في قطاع غزة، فقد واصل المجلس التشريعي عقد اجتماعاته وممارسة عملية التشريع، ولم يكن للنساء أي حصة إيجابية في ما يقارب من (50) قانون أقرها المجلس طوال السنوات العشر.

وهكذا فقد كان الانقسام سبباً في عدم صدور قوانين وتشريعات ناضلت الحركة النسوية سنوات طويلة من اجل تشريعها. وبقيت أغلب التعديلات المقترحة على بعض القوانين، ومشاريع قوانين أخرى كالعقوبات والأحوال الشخصية، والتي تم تطويرها خلال عدة سنوات بمشاركة قطاعات واسعة اجتماعية ومؤسساتية رسمية وغير رسمية حبيسة الأدراج. وكانت مجمل التمنيات والطموحات التي عبر عنها الخطاب النسوي تدور في إطار عقد الكثير من الآمال على أن انتهاء الانقسام وانتظام عمل السلطة التشريعية وعودتها إلى ممارسة دورها ستشكل مدخلاً يعزز إمكانية تعديل عدد من التشريعات، وتشريع عدد آخر منها سيسهم في توفير أرضية قانونية تعزز جهود مكافحة العنف ضد المرأة، وتمهد الطريق لتعزيز فرص تغيير الموروث الثقافي التقليدي القائم على الاضطهاد والتمييز ضد المرأة.

يقولون، ان النساء دائماً هن أول المتضررين، وآخر المستفيدين. وهي مقولة اكتسبت نوعاً من الشمولية والتعميم، ليس على المستوى الفلسطيني فقط، وإنما في السياق العالمي. فكانت النساء دائماً أكثر الشرائح والفئات تضرراً في زمن الحروب والنزاعات المسلحة، وهو ما أثبتت التجربة العالمية صحته، وزاد وضوحه خلال السنوات الأخيرة في محيطنا العربي، وخلال أحداث ما اصطلح على تسميته "الربيع العربي"، الذي شهد عمليات قتل وتشريد واسعة كانت النساء أكبر ضحاياه. وتحملت النساء اعباء القتل المباشر لهن والاعتقال والتهجير والاستغلال الجسدي والجنسي، وغيرها من أشكال العنف وانتهاك الحقوق، فضلاً عن تحملهن أعباء إضافية في رعاية الأسر التي تشتت وتشردت و/أو فقدت مصادر دخلها ورزقها. وفي كل الحالات التي كانت تلوح فيها في الافق بوادر لإنهاء حالات الصراع وايجاد الحلول، فانه يجري في الغالب استثناء النساء ليس فقط على مستوى المشاركة في صناعة الحدث، وإنما في تقدير والاهتمام بحاجاتهن ومتطلباتهن أيضا.

أما الآن، وقد بدأت تلوح في الافق اولى البشائر لإنهاء حالة الانقسام، فإن هناك العديد من التحديات، او على الأقل التساؤلات التي تطرح نفسها. وفي مقدمتها: هل ستنعكس ايجابيات الوحدة وإنهاء الانقسام على النساء؟ ربما يكون من المبكر الإجابة الواضحة على السؤال الذي يمكن أن يتفرع عنه أسئلة وتساؤلات اخرى. لكن هناك العديد من المؤشرات التي تتطلب الانتباه لها وفي مقدمتها دور النساء في صناعة القرار السياسي. فإلى أي مدى شاركت النساء في القرارات التي قادت إلى مجمل التطورات الحاصلة في موضوع إنهاء الانقسام؟ وإلى أي مدى يمكن أن تشارك في القرارات اللاحقة المرتبطة بمجمل تفاصيل تطبيق ما يجري الاتفاق عليه على أرض الواقع؟ وأين سيكون مكان المرأة وقضاياها في سلم الأولويات من بين القضايا المطروحة على طاولة البحث التفصيلي لإنهاء حالة الانقسام؟

بين العام 2007 واليوم هناك الكثير من المعطيات التي فرضت نفسها وفي مقدمتها توقيع السلطة الفلسطينية على سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" دون اية تحفظات على موادها وبنودها. وهو ما يضع على الطاولة، وامام كل الأطراف جملة من التحديات التي يتوجب التعاطي معها وتضمينها في الاولويات الرئيسية لإتمام وتكريس المصالحة وإنهاء الانقسام.

أما التحدي الرئيس الذي يطل برأسه أمام الحركة النسوية خاصة، ومجمل القوى الديمقراطية عموماً فهو هل سيشكل انتظام عمل السلطة التشريعية فرصة للنساء ام سيكون بمثابة تحد جديد؟ فمن المعروف ضمناً ووفق النظام الأساسي الفلسطيني أن مجمل القرارات بقوانين التي أصدرها الرئيس الفلسطيني سيجري عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها عند انتظام عمله، وهذا يعني أنه حتى تلك "الانجازات" البسيطة التي استطاعت الحركة النسوية تحقيقها، والتي كما أشرت إليها أعلاه لم تتعد نسبة 2%، ستكون محل نقاش في المجلس التشريعي. وفي ظل التركيبة الحالية للمجلس التشريعي، ما هو مصير بعض القوانين والتشريعات المفصلية التي قبعت في الأدراج لفترة طويلة كقانوني العقوبات والأحوال الشخصية؟ وحتى تلك "الانجازات" البسيطة هل ستصمد أم ستكون كلها في مهب الريح؟

http://www.miftah.org