د. عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 'ديوان المظالم':
بقلم: مفتاح
2019/3/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15330

  • المجلس التشريعي هو سلطة أساسية مثله مثل السلطتين التنفيذية والقضائية، وحله قرار سياسي وليس قانونياً
  • لا يستطيع المجلس التشريعي سحب الثقة من الرئيس لأنه أيضاً منتخب
  • الطريقة الأمثل لملء الفراغ الحالي في النظام السياسي الفلسطيني هو في إجراء انتخابات
  • مؤسف بالنسبة إلينا كفلسطينيين بعد خمسة وعشرين عاما من تجربتي "أوسلو" والحكم أننا فشلنا في بناء نظام حكم جامع يتسع للجميع
  • المحكمة الدستورية اتخذت عدة قرارات أرسلت رسائل خاطئة إلى العالم حول مدى التزام دولة فلسطين بحقوق الانسان
  • ليس هناك شيء أسمه تشريعي غزة.. لقد انتهى المجلس التشريعي قانوناً بحكم المحكمة.. الآن يجب الحديث عن موضوع الانتخابات فقط.
  • ألرئيس هو من يجب أن يصدر مرسوماً رئاسيا يحدد موعد الانتخابات، ولا مجال للتشكيك في صلاحياته في هذا المجال.

مقدمة

قال د. عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، أن القرار بإنشاء المحكمة الدستورية كان سياسيا، وكان من الواضح ان من ضمن مهام هذه المحكمة هو حل المجلس التشريعي، وهو ما تجسّد فعلا بحله والقيام بالدور الذي رسم لها.

وفي حوار معه ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح"، أكد الدويك، أن التشريعي هو سلطة أساسية مثله مثل باقي السلطات، مشددا على أن الخروج من الأزمة الحالية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني تتمثل في إجراء الانتخابات على ان تجري في انتخابات من الحرية والنزاهة وان يقبل الجميع نتائجها، على ان تشمل الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع إمكانية ان تجري التشريعية قبل الرئاسية.

وفيما يلي نص الحوار:

** ما مدى شرعية المحكمة الدستورية؟ وعلى ماذا استندت بقرارها المتعلق بحل المجلس التشريعي؟

*** شكلت المحكمة الدستورية في بداية العام 2016 بقرار من الرئيس وبالاستناد إلى قانون المحكمة ذاتها رقم 3 لسنة 2006 الذي يجيز تشكيلها من قبل الرئيس، لكننا اعترضنا في حينه على تشكيل هذه المحكمة لعدة أسباب أولاها، أن الأشخاص الذين تم تعيينهم فيها ينتمون جميعا إلى لون سياسي واضح وواحد، حيث ان جميع من تم تعيينهم جاؤوا من خلفية تنظيمية واحدة باستثناء واحد أو اثنين كانا شخصيات قضائية، وعليه فهي لا تعكس التنوع في الشارع الفلسطيني، كما أنها مسيّسة منذ البداية. أما ثاني الأسباب لاعتراضنا على تشكيلها أنه لا يوجد تمثيل للمرأة فيها. ثم سبب ثالث يتعلق بتوقيت تشكيل المحكمة في ظل حالة الانقسام الأمر الذي اعتبرنا ان تشكيل المحكمة سوف يعمق الانقسام (وهو ما حدث بالفعل). إضافة إلى سبب رابع يتعلق بدواعي تشكيلها، حيث لم يكن هناك داع أو حاجة لتشكيلها، لأنه حسب القانون الأساسي تقوم المحكمة العليا بدور المحكمة الدستورية في حال غياب الأخيرة. فلم يكن هناك غياب كامل للقضاء الدستوري، بل كانت هناك محكمة عليا بصفتها الدستورية، كما أن عدد القضايا الدستورية في فلسطين قليل نسبيا ولا يستدعي تشكيل محكمة له وما يترتب على تشكيلها من مصاريف، خاصة ان المحكمة قد اعدت مسودة قانون معدل لقانون المحكمة الدستورية وصادق عليه الرئيس وهذا القرار بقانون يعطي امتيازات عالية لقضاة الدستورية ورزمة تقاعد كبيرة الامر الذي سيرهق الخزينة الفلسطينية ذات الموارد المحدودة، وبالتالي لم يكن هناك حاجة لإنشاء محكمة دستورية، لكن كان واضحاً أن الهدف من إنشاء هذه المحكمة سياسي، ونحن توقعنا منذ البداية أن هذه المحكمة جاءت لتحل المجلس التشريعي، وقد كتبت مقالا حول ذلك قبل سنتين قلت فيه، أن هذه المحكمة جاءت لتحل المجلس التشريعي، وبالفعل قامت بدورها الذي رسم لها، لكن لا نستطيع أن نقول بأن لا أساس قانوني لها.

لا توجد أية حالة من الأحوال تجيز حل التشريعي. وكما ذكرت سابقاً، ينتهي المجلس القائم عند انتخاب مجلس جديد وأداء أعضائه القسم. وأذكر هنا، أن المحكمة الدستورية استندت في قرارها بحل المجلس إلى أمرين: الأول أن المجلس معطّل، وأن مدة ولايته البالغة أربع سنوات قد انتهت. ورغم اعتراضنا على قرار المحكمة الدستورية إلا أنه قرار محكمة في الآخر وأصبح نافذا، ومطلبنا الآن صراحة الإسراع في إجراء الانتخابات لأنها المخرج الوحيد للوضع الذي نعاني منه.

** هل يملك الرئيس محمود عباس صلاحية حل المجلس التشريعي المعطل؟ وعلى ماذا استند بهذا الخصوص..؟ ولماذا تأخرت مثل هذه الخطوة إلى وقتنا هذا؟

*** كما قلت بداية، لا يستطيع الرئيس ولا أية جهة حل المجلس التشريعي. الرئيس يستطيع بعد مرور أربع سنوات على انتخاب التشريعي الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، وإذا جرت هذه الانتخابات وتم انتخاب مجلس جديد بحكم القانون ينتهي عمل المجلس السابق. لكن المستغرب أن تحل المحكمة المجلس التشريعي دون أن يتم تحديد موعد جديد للانتخابات، وأن يصدر مرسوم رئاسي بذلك، لتنتهي حكماً ولاية المجلس القائم.

** ما مدى قانونية القرار الذي اتخذه جزء من أعضاء في المجلس التشريعي بنزع صلاحيات الرئيس..؟ وعلى ماذا استند هؤلاء في خطوتهم؟

*** هذا أيضا قرار سياسي ولا يوجد له أساس قانوني. وفي الواقع فإن أعضاء التشريعي من حماس يجتمعون ويعقدون جلسات لهذا المجلس، وهي من وجهة نظرنا جلسات غير قانونية وغير دستورية، ولا تستوفي شروط عقد جلسة تشريعي، كما أن الرئيس لا يستطيع حل المجلس التشريعي لأنه مجلس منتخب، وبالتالي لا يستطيع التشريعي سحب الثقة من الرئيس لأنه أيضاً رئيس منتخب مباشرة من الشعب، باستثناء حالات حددها القانون الأساسي وهي حالة فقدان الأهلية بموجب قرار من ثلثي الأعضاء، ودون ذلك لا يستطيعون المساس بالرئيس، وبالتالي قرارهم سياسي ولا يوجد له أساس قانوني، وهو يدخل في سياق المناكفات ولا أثراً قانونيا له.

** ما تأثير حل المجلس على الانقسام الداخلي؟

*** لا شك أنه قرار عمّق الانقسام والانقسام أصلاً عميق، لكنه وعلى أرض الواقع لم يؤثر على حياة المواطنين، لأن التشريعي كان معطّلا والمواطن لا يرى له أثراً. بل أن الكثير من المواطنين تبادلوا النكات حول قرار حل المجلس. فحله لم يؤثر على أحد، لكننا ننظر إلى حله بخطورة، ونعتبر ذلك سابقة في أن تقوم المحكمة الدستورية بحل برلمانات مستقبلية منتخبة إذا جاءت نتيجة الانتخابات على غيرهوى بعض الأشخاص فيستخدموا المحكمة الدستورية لإبطال النتائج.

في المقابل قد يكون حل المجلس التشريعي فرصة لموضوع الضغط باتجاه إجراء الانتخابات، وهذا ما نسعى إلى استثماره، وسنعتبر بالرغم من اعتراضنا على حل التشريعي بأنه فرصة للضغط باتجاه إجراء انتخابات.

** هل من مخرج دستوري وقانوني لحل الأزمة بين الطرفين.. وما طبيعته..؟

*** المخرج الوحيد هو أن تتم الدعوة لإجراء انتخابات. وإذا لم تجر الانتخابات فمعنى ذلك حدوث فراغ، وسيكون التوجه لملء هذا الفراغ من قبل م.ت.ف والمجلس الوطني. لكن حسب القانوني الأساسي الفلسطيني لا بد من وجود المجلس التشريعي، وإذا لم يوجد مثل هذا المجلس، فإن صلاحيات التشريعي تنتقل إلى الرئيس حسب المادة 43، وبالتالي نرى أن الطريقة الأمثل لملء هذا الفراغ هو في إجراء انتخابات.

** بماذا تفسرون ردود الفعل من قبل الاطراف المختلفة ومنها الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والحقوقية والقانونية منها واعضاء المجلس التشريعي حيال قرار المحكمة؟

*** هناك حالة استقطاب في الشارع الفلسطيني ومثلها في النظام السياسي. وهناك انقسام بين فتح وحماس.. وانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وجاء القرار في هذا السياق، ما أدى إلى زيادة الاستقطاب والانقسام ولم يؤد إلى إنهاء الانقسام.

نحن لدينا حالة انقسام عمرها اثني عشر عاما، ومع مرور الوقت تتعمّق وتصبح حقائق على الأرض قد يصعب الرجوع عنها، ومؤسف بالنسبة إلينا كفلسطينيين بعد خمسة وعشرين عاما من تجربة أوسلو وتجربة الحكم أننا فشلنا في بناء نظام حكم جامع يتسع للجميع. وتجربتنا في الحكم ستؤثر سلبا على حقوقنا الوطنية المشروعة وعلى قدرتنا على مواجهة الاحتلال.

** كيف ترى القيمة (المكانة) القانونية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية في ظل تأكيد المحكمة الدستورية سمو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية الداخلية العادية؟

*** قرار المحكمة الدستورية بشأن الاتفاقيات الدولية أيضا هو قرار مستغرب، ويتضمن تراجعا عن التزامات دولة فلسطين، وهذا القرار تم إدانته من مجلس حقوق الإنسان ومن المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة ومن لجنة اتفاقية سيداو في الأمم المتحدة، حيث أن المحكمة الدستورية وضعت تحفظات على الاتفاقيات الدولية، وهذا أمر لا يجوز لأن التحفظات تضعها الدولة وليست المحاكم، ودور المحاكم هو أن تطبق القانون لا أن تتحفظ عليه.

نحن ملزمون بهذه الاتفاقيات، ولا نستطيع التحلل منها حتى لو كان هناك قرارات محاكم تقيد من الالتزام بها، لكن المحكمة الدستورية وضعت عقبات أمام تطبيق الاتفاقيات الدولية في القانون الداخلي الفلسطيني، واعتبرت هذه الاتفاقيات بأنها لا تسري بشكل مباشر، وإنما بحاجة إلى نشر في جريدة الوقائع الفلسطينية، وبحاجة إلى أن تترجم لتشريعات وطنية، وأن لا تتعارض هذه التشريعات الوطنية مع القيم والثقافة الفلسطينية.

في نظرنا أن المحكمة الدستورية وضعت عقبات وأبطأت عملية إنفاذ القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذا التوجه محافظ جدا، ويتناقض مع توجه القيادة السياسية الفلسطينية التي ترى أن الالتزام بالاتفاقيات الدولية وإنفاذها في فلسطين هو أحد أدوات مقاومة الاحتلال. لقد أضعفتنا المحكمة أمام العالم وأضعفت مكانتنا ومظهرنا بأننا شعب ودولة تحترم حقوق الإنسان. نحن نريد أن نتميز وأن نعزز مكانتنا في العالم من خلال احترام حقوق الإنسان، لكن المحكمة اضعفت هذا التوجه.

** برأيك، هل هذا سيفسح المجال أمام أعضاء التشريعي في غزة للتشكيك بالنظام السيسي القائم؟

*** برأيي، ليس هناك شيء أسمه أعضاء تشريعي في غزة. لقد انتهى المجلس التشريعي قانوناً بحكم المحكمة. الآن فقط يجب الحديث عن موضوع الانتخابات. من المؤكد أن قرار المحكمة والتشكيك بها وكون الانتخابات الفلسطينية لم تجر منذ فترة طويلة، وكون الرئيس أيضا منتخب لأربع سنوات، سيفسح المجال أمام حماس وغير حماس للتشكيك بشرعية الرئيس وشرعية النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي تجديد الشرعية يتم من خلال إجراء الانتخابات.

** هل يتم مواءمة وتعديل وثيقة الاستقلال مع ما توقعه دولة فلسطين من معاهدات واتفاقيات دولية؟

*** وثيقة الاستقلال الفلسطيني، وثيقة تشتمل على مضامين حقوقية متقدمة جدا. وهي وثيقة نفتخر بها كفلسطينيين، واكدت على احترام دولة فلسطين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولمبادئ الكرامة الإنسانية والتسامح. فالوثيقة تعكس بشكل كبير الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومن المؤسف أن قرار المحكمة الدستورية تراجع حتى عن وثيقة إعلان الاستقلال.

** من هي الجهة المخولة بالدعوة لإجراء الانتخابات ؟

*** الرئيس فقط. والذي يجب أن يصدر مرسوماً رئاسيا يحدد موعد الانتخابات، ولا مجال للتشكيك في صلاحياته حيث يبقى رئيساً إلى حين انتخاب رئيس جديد.

نحن مع إجراء انتخابات رئاسية، وإذا دعا الرئيس إلى إجرائها الآن، فإن من يعطلها سيتحمل المسؤولية التاريخية أمام شعبنا وامام العالم.

http://www.miftah.org