مستقبل الوظائف في سوق العمل... والتحديات في فلسطين
بقلم: يوسف هلال
2020/1/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15407

شهدت العقود الماضية تنامياً وتحديثاً مضطرد للتكنولوجيا وتطبيقاتها في كل مجالات الحياة البشرية ومنها سوق العمل، تزايدت خلالها أتمتة الأنشطة والوظائف والأعمال التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، وهذا ما تؤكده نتائج تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي في العام 2017، والذي أشار إلى أن 50% من الأنشطة الاقتصادية يجري أتمتها في الوقت الحالي للاستغناء عن التدخل البشري فيها، كما لفت التقرير إلى 5% من مجمل الوظائف تم أتمتتها بشكل كامل، في حين أن 60% من الوظائف والأعمال والأنشطة هي قابلة للأتمتة في المراحل المقبلة.

تعتبر هذه الأرقام والاحصائيات دليل على التغير المتسارع في الأسواق العالمية، والتي تتنبأ بخلق تحديات جديدة بالتحولات المستقبلية لطبيعة الوظائف والأعمال في سوق العمل، مما يعظم من حجم التحديات التي تواجه الدول في سعيها لحل مشكلة البطالة في مجتمعاتها، وباعتبار فلسطين جزء من السوق العالمي، فإنّ التحديات ستكون لدينا أكبر، وخاصة في مدى قدرة مؤسسات الدولة على تكييف قدرات أفرادها لمتطلبات سوق عمل قادر على خلق وظائف في ظل تحولات جذرية لطبيعة الاقتصاد العالمي وأدواته.

ومن أبرز هذه التحديات استمرار اتساع الهوَة بين التغيرات التكنلوجية المتسارعة من ناحية، ونظم التعليم التقليدي السائد لدى مؤسساتنا التعليمية من ناحية أخرى، وهو ما يؤدي إلى تباعد مستمر بين ما يتطلبه السوق الوظيفي وما تطرحه الأنظمة التعليمية، مما يجعل الاستثمار في تعليم عصري وحديث أمراً ضروريا وهما مجتمعيا لضمان خلق فرد مستقل قادر على الانتاج من خلال الانخراط في تحديث متطلبات سوق العمل الحالي.

إن الاستثمار في نظام تعليمي عصري قائم بالأساس على تطوير أنظمة التعليم المهني والتقني، يتطلب وضع خطة وطنية قادرة على إحداث تغيير يجاري التطور السريع في طبيعة متطلبات الوظائف في سوق العمل، وأن تأخذ في الحسبان كل المتغيرات المستقبلية للحفاظ على قدرة مؤسسات الدولة في تخفيض معدلات البطالة المتزايدة والمتفاقمة في فلسطين، ويقع ذلك ضمن مسؤوليات الحكومة في إدارة الشأن العام باتجاه تعظيم مصلحة المواطن وضمان مستقبل مستقر ومنتج لشباب فلسطين.

ما زال التعليم المهني والتقني، رغم الوعود والخطابات الحكومية التي تؤكد في كل مرة أولية هذا القطاع وضرورة تحديثه، لا يعكس ترجمة لهذه الوعود، فقد أشارت ورقة حقائق صدرت عن المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" بعنوان "واقع التدريب المهني والتقني في فلسطين من منظور النوع الاجتماعي، 2019" إلى أنه لا يوجد موازنة مخصصة مستقلة لدعم وتطوير التعليم المهني والتقني وإنما تتولى كل وزارة تخصيص جزء من موازنتها لتطوير هذا القطاع، وتوجد العديد من المؤسسات التي يُعتمد على تمويلها لهذا القطاع، ومن أبرزها منظمة العمل الدولية والمؤسسة الألمانية للتعاون، كما بينت الورقة أنه وتبعاً لبيانات الدائرة المالية في وزارة العمل، أن حجم الإنفاق المتحقق والفعلي على مشاريع مرتبطة ببرامج التدريب المهني والتقني (النفقات التطويرية) والتي تشمل توسعة وتطوير مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني ودعم البرامج الريادية بلغت 0%. وهذا ما يدلل على عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف ذات العلاقة بعملية تحديث شامل للقطاع المهني والتقني الأمر الذي يبقي أزمة بطالة الشباب في تفاقم وتزايد مستمر.

أولويات الاستثمار

باعتقادي أنه توجد لدينا فرصاً حقيقية للاستثمار في عصرنة التعليم من خلال دعم وتأهيل خريجي الجامعات والتدريب المهني والتقني بما يضمن قدرتهم على العمل الحر عبر الشبكات والمنصات الإلكترونية التي يتعاقد خلالها مقدمو الخدمات مع شركات متنوعة ومتعددة حول العالم، والتي بحسب تقرير صادر عن منصة (WorkUp) العالمية أنه توجد أعداد متزايدة من الشباب لديهم توجهات بالعمل الحر لدى شركات عالمية من خلال تقديم الخدمات والاستشارات عبر المنصات الإلكترونية، كما وبين في نفس الوقت أن هناك الكثير من الشركات العالمية التي أصبح لديها إيمان بأن هذه المنصات أثبتت نجاحها في الربط بين حاجة الشركة ومقدم الخدمة بغض النظر عن مكان تواجده في العالم.

يعتبر العمل الحر عبر المنصات التفاعلية ملاذاً مهماً للشباب الفلسطيني الذي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة، لذا يمكننا اعتبارها فرصة جيدة للاستثمار أيضاً، حيث أن كثيراً من الشباب لديهم هذا التوجه، ولكن في نفس الوقت بحاجة إلى تزويدهم بالمهارات اللازمة والمتنوعة إضافة إلى ضرورة تحديثها بشكل مستمر، وهذا ما يتطلب برامج تعليمية قادرة على تزويد الشباب بمهارات احترافية تضمن بشكل أساسي قدرته على الاستمرار في سوق حر شديد التنافسية.

http://www.miftah.org