معاداة السامية في تلمودية التفكير اليهودي في التعامل مع الآخر
بقلم: ناصر السهلي
2003/11/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=378

ردة الفعل الصهيونية ومن مراكز اليهود على المستوى العالمي تجاه إستطلاع قام به الإتحاد الأوروبي وأجاب فيه حوالي 60 % من المستطلعة آرائهم من مواطني الدول الاوروبية بأن إسرائيل تشكل خطرا على السلام العالمي يشير الى تلك العقلية التي يتعامل فيها اليهود مع الغير، الذي لا يجب أن يكون له رأي إلا الرأي المؤيد لدولة إسرائيل!

ردة الفعل تلك والتي وصلت الى إطلاق نعت "معاداة السامية" على مواطني الاتحاد الاوروبي تثير لدينا ذات السؤال المحير لاستيعاب ما يدور في دورة احداث تاريخية وجلها متعلقة باليهود... أحداث لها علاقة بحقبات زمنية متباعدة ومتقاربة.. ليست فقط بعلاقة "الغيتو" اليهودي بمحيطه الأوروبي في حقبة تاريخية ماضية شهدت ما شهدت من ملاحقة لليهود وإتهامهم بالتآمر واستغلال ظروف البلدان التي شكل فيها الغيتو الكثير من الرمزية لمدى السرية التي وصمت حياة اليهود ومسار حياتهم داخل معظم تلك الدول... ولا بعلاقة اليهود بالتاريخ الأبعد مع فجر الدعوة الإسلامية، حين كانت حالة التآمر والتخطيط لإغتيال الرسول(ص) ووأد الدعوة في مهدها... إننا لا نتحدث هنا عن تخيلات أو قصص شكسبيرية بل عن حالات تعامل معها الكثيرين من الذين تابعوا علاقة اليهود بـ"الأغيار"..

إنه السؤال الذي يجلب على صاحبه الكثير من الإتهامات الجوفاء التي تريد للعقل البشري أن يقف بإستعداد كلما إرتبط الأمر باليهود.. بل تريد للعقل أن يجبن وللإنسان أن يكون مكبلا بتهمة جاهزة "معاداة السامية" وذلك كلما تعلق الأمر بمحاولات نقد عقلية "شعب الله المختار" بحيث نصبح أمام محرمات من غير الجائز الإقتراب منها ولو من باب إعمال العقل في متناقضات الادعاء بالنقاوة والعمل الملوث لكرامة وحق الآخر في الحياة رغم أنه ليس من "الشعب المختار"!

دورة التاريخ التي علمتنا أن نقرأ "الثقافة والذهنية" اليهودية بإعتبارها "ثقافة الشكوى والاتهام" من/ضد الآخر (الغوئيم) تدفعنا بقوة نحو أسئلة محظورة, وكلما زاد الإتهام ضد هذا الآخر الفردي والجماعي كان من المفترض أن تزيد من رغبة الإنسان في النظر الى ما هو أبعد من التسليم بغيبيات التفوق اليهودي وكأنه تسليم بإرادة إلهية.

لماذا اليهود تحديدا؟

هو سؤال سألته كثيرا لأساتذتي الجامعيين وزملائي الغربيين .. منهم من لم يستطع أن يجاهر بموقف علني ومنهم من إستهجنوا وأعتبروا سؤالي غريبا وشاذا وغير حيادي.. بل عنصري!

حين حاول روجيه غارودي ويشكل رزين تقديم قراءة أخرى للصهيونية بعيدا عن محاكمة العقل البشري وإرهابه من قبل التلموديين برزت حالة شاذة من محاكمة حرية الفكر في بلد قامت ثورته في الأساس على تحطيم كل القيود التي تمنع الإنسان من سبر غور الحقيقة وإستكشاف ما يليق وحرية الفرد في إستخدام عقله. وربما لأن غارودي في جرأته تجاوز الأسئلة التقليدية والمسموح بها إلى أسئلة تفتح أمام العقل البشري مجالا لتحرره من قيود طبقتها على نفسها طواعية وإجبارا النخب الغربية التي جرت شعوبها الى الانقياد الأعمى وراء كل ما تلقيه الهيمنة الإعلامية والسياسية الصهيونية.

ربما ليس من المناسب الآن طرح سؤال آخر مرتبط بكيفية تطابق النص مع الواقع... النص الذي أعنيه هو "البروتوكالات"، التي أُعتبرت مؤامرة ضد اليهود، والواقع هو بعينه الذي أشار إليه مهاتير محمد وما نشاهده ونلمسه من ممارسات صهيونية خارجة عن القانون الدولي (بعيدا عن أنها بحد ذاتها غير شرعية) دون أن يتمكن هذا القانون من أخذ دوره في حالة تجاوزات الدولة اليهودية منذ نشأتها بما فيه القرار المشترط الاعتراف بها... لكن من المجدي هنا القول بأن تطابق النصوص مع الواقع إما أنه ينم عن أن واضع تلك البروتوكولات يعيش بنيننا اليوم أو أننا نعيش واقع خيالي!

يحق لنا في سياق نقاش هذه الحالة ان نسأل، كيف يمكن لبوش وبلير وغيرهم من الساسة الغربيين والصهاينة التدخل في نصوص دينية إسلامية مقدسة على وزن القرآن الكريم والسنة النبوية في محاولة لإعادة صياغة مفاهيم إسلامية كبيرة وكثيرة دون أن يُثير ذلك ما يُثيره مجرد إنتقاد، ليس للدين اليهودي بل حتى للحركة الصهيونية ومقاربتها النصوص الدينية اليهودية وإمتطاء التلمود لتنظيم رؤية اليهود لعلاقتم بالآخر...

ليس لنا ان نبحث الان عن الكيفية التي تخبوا فيها الأصوات العارفة بالسامية ومدلولاتها حين يتعلق الأمر بتدخلات فظة في عقيدة الآخرين كالتي تمارسها ثلة من مستشاري بوش الذين لا يخفون تعاطفهم وتفهمهم لقيام الصهاينة بمحاولات تدمير شعب آخر... لكننا بلا أدنى شك أحرار في قراءة الذهنية اليهودية العنصرية المستقاة من التلمود الذي اعتبره الحاخام ابشتاين المساهم الاساسي في "الحفاظ على ديانة اليهود وقوميتهم" بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال بأن التلمود "يقدم لليهودي في أوقات الشدة والخطر ملاذا روحيا ينشد فيه الهدوء ونوعا من أرض الأحلام التي يعتكف فيها دوما فيتناسى العالم الخارجي بكل ما فيه من كراهية وخبث وفظاظة وعذابات"!!

ثم دعونا نقرأ ما قالته فليكس برليس عن التلمود إذ إعتبرته بمثابة "المعجزة التاريخية التي حقنت اليهود المشتتين وسط عالم يعاديهم مرة تلو مرة" (المصدر: د.أسعد رزوق. التلمود والصهيونية الصادر عن منظمة التحرير الفلسطينية- مركز الابحاث ببيروت 1970 ص 198)

إذن المفردات المستخدمة أعلاه كالكراهية والخبث والفظاظة والعذابات والعالم الذي يعاديهم كلها مفردات مرتبطة بالآخر غير اليهودي، فاليهودي "نقي" يجب أن لا تشوبه شائبة الغوئيم الذين يكرهون اليهود دون أن يُقال لنا لماذا تحديدا اليهود!

أما التلمود الذي يُقدم لليهودي "الهدوء" فهو قائم على فكرة "الصفوة" والاستعلاء والتفوق وهذا ما نقرأه في سفر "مناحوت" بتساؤل الرابي يشوع بن لاوي: لماذا تُشبه إسرائيل بشجرة الزيتون؟

الجواب: "لكي تعلم بأنه مثلما أن شجرة الزيتون لا تفقد أوراقها في الصيف أو في الشتاء، فكذلك بنو إسرائيل لن يضيعوا في هذا العالم أو العالم الآتي"!

ولكي تتضح فكرة الاستعلاء سنأخذ إقتباسا من التراث المدراشي ففي مدراش ثان عن سفر الخروج يُطالعنا التفسير التالي: "لماذا ُيشبه بنو اسرائيل بحبة الزيتون؟ لأن زيت الزيتون لا يمكن خلطه مع المواد الأخرى، وكذلك بنو اسرائيل لا يمكن إختلاطهم مع الشعوب الاخرى"!

إن تلك النظرة الاستعلائية التي لا ترى في الآخر قيمة تذكر هي ذاتها التي تعتبر اقامة إتصال مع هذا الآخر بمثابة خطيئة وإثم و"إعتبار الاقدام على طرد هؤلاء وحتى القضاء عليهم بمثابة واجب مقدس"( جاكوب كاتز، المجتمع اليهودي عند نهاية القرون الوسطى ص37)

وبين تشبيه "أرض اسرائيل" تارة بشجرة زيتون وتارة أخرى بالغزال الأسرع من الباقيين كلهم تقدم أسفار التلمود وشروحات الربانيين عقلا وذهنية جاهزة لليهودي تبدأ من صف الروضة حيث يتعلم الصغار الدرس الاول في التمايز وإحتقار الآخر بإعتبار أن رأس آدم خُلق من "تراب أرض اسرائيل" أما أطرافه الاخرى من البلاد الاخرى!

لنتخيل تفكير اليهودي حين يُتلى عليه نص تلمودي على وزن "ويقرأ رابا": ان الواحد القدوس تبارك اسمه، قاس جميع الأمم فوجد أن جيل التيه وحده يستحق أن يتلقى التوراة... وقاس جميع المدن فوجد القدس وحدها جديرة باحتواء الهيكل"! أو نص آخر يفسر فيه الحاخام زهابي بلغة صهيونية مفهوم "الميراث الأبدي" حين يقول بأن "السماح لكنعان بالبقاء كان على أساس المنة وليصون الكنعانيون هذه الارض الى حين مجيء بني إسرائيل لإحتلالها والاستيلاء عليها".

لا حاجة بنا لعناء إبراز الروح العنصرية التي تبثها تلك النصوص التلمودية، وإن إعترفت بالوجود الكنعاني قبل اليهود في فلسطين، ولا لإبراز التفكير الدموي الذي يتحدث عن نفسه والمشرعن لقتل الاخر وإبادته كواجب مقدس أو إعتباره على أقل تقدير عبدا يحرس له الارض ريثما يعود هو والعودة لا تكتمل كون الغزال أسرع من الاخرين!

وحتى نفهم العقلية التي تحكم اليهود في علاقاتهم مع الاخر الذي يدعوهم التلمود الى إحتقاره مهما فعل لهم فإن الكثير من الوقائع يمكن ردها الى هيمنة الرابيين على ذهنية اليهودي، بل وحتى إغتصاب تفكير "الرب" ونياته، فهاكم أبشع قراءة عنصرية أنتجها عقل بشري لعلاقة الخالق بمن خلق فحسب قراءة الرابي حانا بن آبا في سفر "سوكاه" فإنه "هناك أربعة أشياء يندم الواحد القدوس تبارك إسمه على خلقه إياها، وهي التالية: النفي والكلدانيون والاسماعليون {العرب} ونزعة الشر"! بل أي حقد هذا الذي يولده التلمود في سفر سنهدرين بأعتبار أن اللعنة أنزلها نوح بولده الرابع كنعان ليلصق به كل فعل شنيع.

ألا يستحق مثل هذا "الفكر" التوقف عنده قليلا لنفهم كم العنصرية والكره الذي يخلقه تجاه الاخر بدل الاحتماء وراء فكرة أن الاخر يكره اليهود لأنهم هم ساميون وغيرهم لا يستحقون إلا التسميات التلمودية...حتى لو لم يكونوا من العرب؟

http://www.miftah.org