صراع حول الهوية السـياسية
الموقع الأصلي:
تؤكد تصريحات شارون يوم الإثنين 14/10 في جلسة كتلة الليكود في الكنيست حول المواطنين العرب في الداخل أن القوى الوطنية تخوض في هذه المرحلة بالسطر الأخير صراعاً حول هوية المواطنين العرب في اسرائيل السياسية. إنه صراع على الولاءات والعلاقة بين الحقوق والواجبات، وتجاه من تكون الواجبات. فماذا صرح شارون؟ قال شارون ما سبقه اليه موشي ارنس، انه "شخصياً يؤيد ان يخدم المواطنون العرب في الجيش الاسرائيلي اجباريا مقابل ما يحصلون عليه من حقوق". وهو يقول ذلك خلال نقاش في كتلة ليكود حول قانون مقترح لنزع الشرعية القانونية عن الحركة الاسلامية. إن التوجه اليميني الصهيوني لدى شارون هو توجه جمهوراني وعلماني في الوقت ذاته. وبموجب ذلك تستند الحقوق إما الى الانتماء الى المجموع الذي تمثله الدولة، الديني -القومي في حالة اسرائيل، او الى الخدمة التي يقدمها المواطن في الحيِّز العام ومساهمته في الخير العام كما تعرفه الدولة، واهمه الخدمة "الوطنية" العسكرية. ولا يهتم شارون كثيراً بالاصل الطائفي او الديني لليهود الروس القادمين الجدد يهوديا كان أم لا، فما داموا يخدمون في الجيش ويرتدون الزي الرسمي فسوف ينضمون في الواقع الى قومية الدولة اليهودية كما يعرّفها شارون، خاصة وانه تتوفر لديهم النية لذلك. أما في حالة العرب فليس ثمة شك أن شارون أكثر حذراُ، فالعرب لم يهاجروا الى اسرائيل ولديهم انتماء وطني سابق على مواطنتهم تاريخياُ، ولغتهم وثقافتهم، لغة وثقافة الاغلبية العربية في هذه المنطقة. وتجنيدهم الاجباري في الجيش كما يقترحه شارون هو عملية أسرلة جزئية لا تؤكد انتماءً الى قومية الدولة اليهودية، وانما تولد ولاء للدولة العبرية كما تجعل العرب في هذه البلاد أكثر انضباطاً من الناحية السياسية مما يؤدي بالتدريج الى تآكل هويتهم الوطنية والقومية ، وحتى اللغة العربية تتآكل الى "سلانج" عبري اسرائيلي خلال الخدمة بالزي الرسمي الاسرائيلي. ولكن شارون يفضل العربي المنهار وطنياً وأخلاقياً ، انتماءً وثقافة. وهذا أفضل علاج للمسألة الديموغرافية، فمن سوف يحصي الجنود ودياناتهم وانتماءاتهم غير العسكرية؟ واذا تم احصاؤهم فإن ولاءاتهم السياسية بعد الخدمة العسكرية سوف تنقسم بين الاحزاب الصهيونية حتى تلك القائمة في اقصى اليمين، كما ان انتماءهم القومي وحتى الثقافي العربي لن يعني الكثير. لن نخصص في هذا المقال اي جهد لتفنيد الحاجة للخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي بموجب نظرية الحقوق الشارونية، فالخدمة على خرائب الشعب الفلسطيني لن تكون الا على خرائب الاخلاق والحضارة وانهيار المرجعيات الاخلاقية، كما اننا نرفض مقولة التبادل بين الحقوق والواجبات في النظرية الديموقراطية، فالحقوق مرتبطة بالمواطنة، أما الواجبات فنسبية تشترط المواطنة ولكنها ترتبط بِ.. وتتوقف على قضايا اخرى اضافية. وكنا قد عالجنا هذا الموضوع في مناسبات اخرى. لا شك ان المواطنين العرب في الداخل يعيشون اليوم حالة صراع على هويتهم السياسية: انتماءهم وولاءاتهم وضميرهم وعقلهم. وهي مرحلة رفعت فيها رؤوسها عناصر عميلة او مرتبطة بالمؤسسة الحاكمة واجهزتها ووظائفها واموال الدعاية من وزاراتها ومكتب الدعاية الحكومي والأحزاب وبعض الشركات. وتحاول هذه ان تخوف العرب في الداخل من الانتماء الوطني وتؤكد للجمهور العربي ان الانتفاضة قد فشلت، واذا لم تفشل الانتفاضة فإن التضامن معها من الداخل "أساء للعلاقات العربية-اليهودية"، وانه على العرب في الداخل ان يجروا حساباً عسيرا مع الذات. وان الموقف الوطني هو موقف مغامر يقود الى الاضرار بالمصالح اليومية . . . وخراب البيوت. الحالة معروفة ومألوفة الى درجة الملل، والقوى الانتهازية المرتبطة مع الوضع القائم منذ اول محاولة لتغيير أي واقع سياسي باتجاه العدالة او الانصاف او الحرية او المساواة تحاول ان تثني الناس عن ذلك عبر تذكيرها بمصالحها اليومية القائمة . . . واللهجة بائسة لانها لهجة تهديد بقوة الحاكم وقدرته ليس فقط على عدم التجاوب مع المطالب بل أيضاً على افقادك ما تملك حالياً. الفرق كل الفرق ان الحاكم عندما يهدد فان تهديده يؤخذ بالحسبان كجزء من المعركة، اما عملاؤه فعندما ينبحون او يزرعون انيابهم الامامية في كعب حذاء الحركة الوطنية ويعيقون حركتها، انما يثيرون الاشمئزاز اكثر من الحقد رغم الضرر الذي يحدثونه، خاصة عندما يتباهون بـ"العلاقة مع القوى الوطنية"، على شكل صورة مع فلان في عاصمة عربية، وفي أي مكان الا في بلدهم حيث يرتبطون مع الدولة الصهيونية وسياساتها ويرهبون شعبهم بهذه السياسات ويدعونه لمقايضة الموقف والكرامة بشظايا وبقايا حقوق تحق لهم كاملة أصلا. ليس هنالك ما هو اتفه واكثر اثارة للاشمئزاز من قوى وافراد يتظاهرون بتأييد حقوق الشعب الفلسطيني في الخارج، اما في الداخل فتريد ان يتحول الشعب الفلسطيني الى تابع سياسي مباشر لمضطهدي ومحتلي الشعب الفلسطيني، انها مع استخدام اسماء ذات ماضِ وطني في الخارج حتى لو كانت فاقدة الدور حالياً لتبرير واضفاء شرعية على موقفها المعادي للقوى الوطنية في الداخل، اي حيث يكون للموقف معنى ومغزى واثر سياسي ويكلف ثمناً. على المواطنين العرب في الداخل دور واجب في مناهضة الاحتلال، كما ان لديهم قضيتهم الوطنية المتفرعة عن القضية الفلسطينية اضافة لقضية المواطنة وحقوقهم المدنية. ترتفع هذه الاصوات حاليا ضد القوى الوطنية في الداخل وتروج لاجواء الانتهازية والمصلحة الفردية الضيقة والوصولية وانهيار القيم السياسية وللانتماء للاحزاب الصهيونية ولقيم "اللي بيتزوج امي هو عمي" ، واكثر من ذلك يريد البعض "ان يزوج امه رغم ارادتها" وبالتهديد والوعيد والتشهير الكاذب والتآمر مع اجهزة الامن الاسرائيلية والاحزاب الصهيونية. ولا شك انه منذ شهر الانتفاضة الاول تصل ردة الفعل الصهيونية وصداها العربي في الداخل على الهوية السياسية الوطنية لعرب الداخل وتعاطفهم مع شعبهم الواقع تحت الاحتلال حد التواطؤ والتآمر. فاليمين الاسرائيلي يحرض ويهدد واليسار الصهيوني يأخذ مسافة من العرب في الداخل ويشارك في التشكيك بمواقفهم وب"مزاودات" القيادة الوطنية مفترضا انها نابعة من التنافس الانتخابي وحده. والاعلام الاسرائيلي يقاطع القيادة الوطنية تماماً ويحرض عليها ويشوه مواقفها دون ان يكون لها حق الرد، ولا يمر يوم دون ان يعرض فيه موقف لعربي معروف او "جندي عربي مجهول" يتصل بالراديو الاسرائيلي ليعلن عن براءته من الموقف الوطني واصحابه "الذين لا هم لهم سوى مصالحهم". . . اما مصالح الجمهور فهو والراديو الاسرائيلي ادرى بها. انها مرحلة خطيرة . . . وفي هذه المرحلة تسجل بعض القوى تراجعاً في الموقف، ولكن نواة الموقف الوطني الصلبة تبقى رافعة الراية. انها واثقة ان الغالبية الساحقة من الجمهور العربي في الداخل قد حسمت مسألة هويتها، وان قلبها وضميرها مع الشعب الواقع تحت الاحتلال، وان مقاومة الاحتلال حق مشروع. ولكن هذا لا يكفي فعلى الحركة الوطنية في هذه المرحلة ان توطد مواقفها تنظيمياً، وان تربط الناس بها فكرياً وسياسياً، وبدفاعها عن حقوق الناس اليومية حتى ضمن القانون القائم. ويجب أن يكون مثال الحركة الوطنية الذي تصبو اليه هو أن تكون حركة الاغلبية وليس حركة أقلية راديكالية. وتثبت التجربة ان من يدافع عن حقوق الناس اليومية بتفاصيلها هو صاحب المواقف الوطنية، وان صاحب الموقف الوطني غير معفى من الحسابات العقلانية والواقعية، وهو يحسن القيام بذلك عندما يتطلب الامر، ولكن الحسابات الواقعية بهدف ربح هذه المعركة او تلك او تفويت الفرصة على كل من يحاول وأد الحركة الوطنية شيء، والزحف على البطون شيء آخر. يعرف الوطنيون العقلاء قول الشاعر العربي: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو اول، وهي المكان الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان ولكي لا تراود البعض افكار خاطئة من هذا الاقتباس نقرأ عليه ايضا من انتاج الحكيم العربي نفسه: يرى الجبناء ان العجز عقل وتلـك خديعـة الطبـع الـلـئـيـم وكل شجاعة في المرء تغني وما مثل الشجاعة في الحكيم انها حكم عربية قديمة لا جمالية فيها ولا يحزنون، وهي ليست بحاجة الى القافية، ويبدو ان الحكمة قد تلتقي مع القافية اما مع الجمالية فنادرا. على كل حال هذا نقاش آخر، فلا علاقة للعملاء الاذلاء بالحس الجمالي ولا حتى بالرومانسية، اما عن الحكمة والشجاعة فحدث ولا حرج. * كاتب ومفكر، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي- الناصرة. http://www.miftah.org |