تشكيل "حماس" مجلس عدل أعلى في قطاع غزة خطوة على طريق الإجهاز على السلطة القضائية
بقلم: فايز أبو عون
2007/9/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7927

اعتبر أركان السلطة القضائية الثلاثة: مجلس القضاء الأعلى، والنيابة العامة، ونقابة المحامين، أن ما شكلته الحكومة المُقالة وما أسمته مجلس عدل أعلى في غزة، غير شرعي وغير قانوني، كما أنه خطوة جديدة على طريق الإجهاز على السلطة القضائية وتدميرها، كسابقتيها السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وأجمع رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار عيسى أبو شرار، والنائب العام المستشار أحمد المغني، وعضو مجلس نقابة المحامين المحامي عادل أبو جهل، في أحاديث منفصلة لـ "الأيام" على أن عدم شرعية ما يسمى بمجلس العدل الأعلى التي أعلن وزير العدل في الحكومة المُقالة د. يوسف المنسي مؤخراً عن تشكيله، مستمدة أولاً من عدم شرعية الحكومة نفسها والوزراء العاملين فيها، وثانياً من عدم وجود أي نصوص قانونية لا في القانون الأساسي، ولا في قانون السلطة القضائية يجيز تشكيل مثل هذا المجلس.

بدعة وباطل .. شكلاً ومضموناً

وأشار أبو شرار إلى أن ما أقدمت عليه الحكومة المُقالة في غزة بدعة وباطل من حيث الشكل والمضمون، مؤكداً على أن مجلس القضاء الأعلى لا يمكنه بالمطلق الاعتراف به، لأنه يعتبر اعتداء على استقلال القضاء، وتدميراً للسلطة القضائية، كما أن هذا المجلس سوف لا يجد من يتعامل معه داخل المؤسسة القضائية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، لأن عدم شرعيته مُستمدة من عدم شرعية وعدم صلاحية كل مكونات الحكومة ذاتها.

وفي السياق ذاته نفى أبو شرار ما يتردد في أوساط الحكومة المُقالة بأن مجلس القضاء الأعلى برئاسته قد عطل عمل المحاكم في غزة، قائلاً: "المحاكم لم تتعطل ولم تتوقف عن العمل، وما تعطل هو النيابة العامة وبقرار من النائب العام المغني دون التنسيق مع مجلس القضاء الأعلى، بالإضافة إلى أن رئيس مجلس القضاء لا توجد له ولاية على النائب العام لأنه جسم مستقل عن السلطة التنفيذية".

وأضاف إن المحاكم تعمل وفق الأصول، ومجلس القضاء يواصل صلاحياته على هذه المحاكم، ولكن إذا أقاموا مؤسسة قضائية، فلن يتم التعامل معها، لأن هذا الإجراء باطل ببعده القضائي والسياسي، وللقاضي في المحكمة أن يُقرر الفصل في القضايا المنظورة أمامه حسب الحالة، ووفقاً للنصوص والقانون.

مجلس القضاء الأعلى

سيبقى مستمراً

ولفت أبو شرار إلى أن مجلس القضاء الأعلى سيبقى مستمراً في الدفاع عن استقلال القضاء، معرباً عن أمله في أن تبتعد حكومة هنية عن القضاء لأنه آخر معقل يريدون الاستيلاء عليه وتدميره كما دمروا السلطتين التنفيذية والتشريعية، "على حد قوله".

المغني: إجراء غير قانوني

من جهته، اعتبر المغني إجراء تشكيل مجلس عدل أعلى في غزة على غرار مجلس القضاء الأعلى إجراء غير قانوني ولا ينسجم مع النظام الأساسي ولا مع قانون السلطة القضائية، موضحاً أن قانون السلطة القضائية جاء واضحاً لا لُبس فيه من حيث تحديد من له الصلاحية في تعيين مجلس القضاء الأعلى، وكذلك أعضاء المجلس.

وأضاف إن قانون السلطة القضائية حدد أن يكون مجلس القضاء الأعلى مُشكلاً من رئيس له مُعين من قبل رئيس السلطة الوطنية، واثنين من أقدم قضاة المحكمة العليا، ومن رئيس محكمة استئناف غزة، ورئيس محكمة الاستئناف في رام الله، ورئيس محكمة الاستئناف في القدس، بالإضافة الى النائب العام ووكيل وزارة العدل، ومن ثم يصدر مرسوم رئاسي بمجلس القضاء الأعلى.

وذكر المغني أن ما صدر عن الحكومة المُقالة في غزة وما تداولته وسائل الإعلام عن تشكيل مجلس أعلى للعدل هو إجراء غير قانوني ومخالف لأبسط القواعد القانونية، وما يتم اتخاذه من إجراءات وتعيينات لقضاة من قبل هذا المجلس تُعتبر اجراءات غير قانونية وباطلة، وأي أحكام تصدر عن هؤلاء القضاة الذين سيتم تعيينهم من هذا المجلس المراد تشكيله هي أحكام غير قانونية.

وقال إنه، وحسب القانون، يكون من حق أي مواطن تتم محاكمته أمام هؤلاء القضاة مطالبتهم بالتعويضات، لأن وجودهم غير شرعي، وبالتالي قراراتهم وأحكامهم الصادرة غير شرعية وغير قانونية، مشيراً إلى أنه بهذه الطريقة يتم تدمير السلطة القضائية كما تم تدمير السلطتين التشريعية والتنفيذية وهذا أمر خطير.

أبو جهل: خروج على الشرعية

بدوره، قال أبو جهل إن أي جسم يُشكل مهما كان نوعه خارج إطار الشرعية الفلسطينية مرفوض ومدان، محذراً المواطنين والمحامين من التعاطي والتعامل معه، لأنه منذ البداية إجراء باطل، ويعتبر الهدف منه ضرباً للوحدة الوطنية، وتعزيزاً للانقسام الذي يحاول البعض إيجاده وترسيخه على أرض الواقع، وهو انفصال لغزة عن الضفة، "على حد قوله".

واعتبر أن تشكيل ما يسمى بمجلس العدل الأعلى تتويج للخطر الداهم على الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني بشكل عام، لأنه حينما يتم إيجاد بديل عن السلطة القضائية فذلك يعني المضي نحو عدم الاستقرار وتطبيق شريعة الغاب، وهذا يعتبر مبرراً واضحاً لأن تصبح الفوضى والاعتداء وانتهاك سيادة القانون واستقلال القضاء منهاجاً واقعياً يجب التعامل معه والالتزام به، وهذا هو الخطر بعينه.

ودعا أبو جهل من أسماهم بالساعين للانقسام إلى العودة إلى رشدهم والسعي إلى تعزيز الوحدة الوطنية والرجوع عن أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، مطالباً في الوقت نفسه كافة فصائل العمل الوطني بالوقوف موقفاً واضحاً من هذه الإجراءات والتوحد لمواجهة العدو الحقيقي هو الاحتلال الإسرائيلي.

يذكر أن المنسي كان أعلن في بيان صادر عن وزارة العدل في الحكومة المقالة عن تشكيل مجلس العدل الأعلى، وأن هذا المجلس سيختص بتحديد قائمة المراكز القضائية الشاغرة وتحويلها إلى وزارة العدل للإعلان عنها، وتنسيب القضاة وترقيتهم لمجلس الوزراء بعد توصية لجنة التعيينات، وتقرير إنهاء خدمة القاضي.

واعتبر المنسي أن أهمية تشكيل مجلس العدل الأعلى جاءت من أجل إعادة الهيبة للقضاء والقانون في قطاع غزة، وأن تشكيله جاء أيضاً بعد فشل كل المحاولات والاتصالات مع رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار أبو شرار لوقف استنكاف القضاة والمحاكم عن العمل في القطاع، مضيفاً إن القرار جاء بعد تعطيل عمل مجلس القضاء الأعلى في غزة.

وأوضح أن المجلس سيعمل بصورة شفافة بعيداً عن التسييس، وأن الوزارة بصدد تعيين مجموعة من القضاة قريباً، وتفعيل عمل محاكم الصلح والبداية.

صدمة شديدة

إلى ذلك عبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن صدمته الشديدة لقرار الحكومة المقالة في غزة بإنشاء ما سمي بـ "مجلس العدل الأعلى" وتنسيب أعضائه، مؤكداً عدم قانونية هذا المجلس الذي يغتصب صلاحيات مجلس القضاء الأعلى القائم على نحو قانوني، وأن الحكومة المقالة لا تمتلك أية صلاحية لتشكيله، وأن هذا الإجراء خطوة إضافية في سلسلة من الخطوات التي سبق وأن اتخذتها الحكومة المقالة استهدفت المس بالسلطة القضائية وتقويضها.

وقال المركز في بيان تسلمت "الأيام" نسخة منه إن جميع هذه الاختصاصات هي من صميم اختصاص مجلس القضاء الأعلى الذي ينظمه قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 الساري المفعول في السلطة الوطنية، هذا مع الإشارة إلى أن الاختصاصات المذكورة أعلاه مقتبسة بالكامل، مع بعض التعديلات، من اختصاصات مجلس القضاء الأعلى المحددة في المادة (38) من قانون السلطة القضائية رقم (15) لسنة 2005، الذي سبق وأن قررت محكمة العدل العليا، باعتبارها المحكمة الدستورية العليا، عدم دستوريته بتاريخ 27/11/2005، وذلك رداً على طعن مقدم في حينه من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

القرار تدخل في عمل السلطة القضائية

وأكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن الحكومة المقالة أو أية حكومة أخرى لا تملك صلاحية إصدار مثل هذا القرار الذي جاء في صيغة أشبه بكونها "قراراً بقانون" وهو ما لا يدخل في نطاق اختصاص وصلاحيات الحكومة المحددة في القانون الأساسي، وأن هذا القرار يشكل تدخلاً في عمل واختصاصات السلطة القضائية، في انتهاك فاضح للقانون الأساسي المعدل لعام 2003، كما يشكل القرار اغتصاباً لصلاحيات مجلس القضاء الأعلى القائم على نحو قانوني، والذي ينظم تشكيله واختصاصاته قانون السلطة القضائية.

وشدد على أنه ليس هناك أي وجود لمجلس العدل الأعلى، لا في القانون الأساسي ولا في قانون السلطة القضائية، وهو بالتالي جسم غير دستوري وغير قانوني، معتبراً أن هذا الإجراء يعني خلق جسم قضائي بديل، وبالتالي إحداث شرخ رأسي في السلطة القضائية، وهو ما سيخلق فوضى قضائية ستشل القضاء المدني وتعطل مصالح المواطنين، مطالباً الحكومة المقالة بالتراجع عن كافة الإجراءات التي اتخذتها بحق السلطة القضائية.

ودعا المركز الرئيس محمود عباس إلى العمل من أجل ضمان عودة الشرطة الزرقاء وعودة النائب العام للعمل في قطاع غزة، لأن غياب هذين الجسمين كان عاملاً أساسياً وراء مساعي الحكومة المقالة لخلق أجسام قضائية بديلة، وهو ما سبق وأن حذر منه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان منذ ثلاثة أشهر.

قرار تشكيل مجلس العدل الأعلى

وكان مجلس الوزراء في الحكومة المقالة قد أصدر قراراً بتاريخ 4/9/2007، كشف النقاب عنه مؤخراً، يقضي بتشكيل ما أسماه "مجلس العدل الأعلى" وتكليف وزير العدل بتنسيب أعضائه لمجلس الوزراء. وبتاريخ 11/9/2007، صدر عن مجلس الوزراء قرار بالمصادقة على تنسيب وزير العدل لستة من أعضاء المجلس برئاسة المحامي عبد الرؤوف عمر الحلبي، على أن يقوم الأعضاء الستة بتنسيب ثلاثة أعضاء آخرين للمصادقة عليهم من قبل وزير العدل، وفقاً للمادة الأولى من القرار. ووفقاً للمادة الثانية من القرار، يختص مجلس العدل الأعلى:

بتحديد قائمة المراكز القضائية الشاغرة وتحويلها لوزارة العدل للإعلان عنها، وبتنسيب القضاة وترقياتهم لمجلس الوزراء بعد توصية لجنة التعيينات، وبالتقرير في إنهاء خدمة القاضي أو تكليفه بمهمة غير قضائية، وبالموافقة على طلبات إجازات القضاة وإبلاغ وزارة العدل بذلك، وبتلقي تظلمات القضاة والبت فيها.

http://www.miftah.org