من أجل القضية، يجب أن تذهب المستوطنات
بقلم: شيلدون شريتر
2008/2/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8727

تل أبيب يبدو أن الإسرائيليين فقدوا إيمانهم بصحة قضيتنا، حسبما أبداه المراقبون مؤخراً بهلع. وإذا كان ذلك مردّه الوهن الأيديولوجي أو النزعة العالمية للسعي وراء الأهداف الشخصية والمادية بدلاً من الجماعية، أو فقدان الإيمان بوعد الله إعطاء هذه الأرض لإبراهيم، فإن هناك سببا حقيقيا للقلق.

إذا أخذنا بالاعتبار التحديات التي تواجه إسرائيل والمتطلبات المفروضة على مواطنيها، فإن الإجماع الوطني على الحرب أو السلام والعلاقات مع جيراننا العرب وعلى الأولويات المجتمعية ليست ترفاً وإنما ضرورة.

كيف وصلنا إلى هذا الوضع وكيف نستطيع الوصول إلى مكان أفضل؟ لقد أطلق نصر إسرائيل الساحق في حرب الأيام الستة موجة من الطاقة المجنونة داخل الدولة وفي كامل العالم اليهودي.

فهو، ضمن أمور أخرى، أدى بأناس مثلي لأن يقوموا بالعودة للحصول على الجنسية الإسرائيلية.

ولكنه أطلق كذلك أموراً كثيرة على خط تماس ضخم، مسببة الانحراف عن الصهيونية البراغماتية المسؤولة عن إيجاد الدولة اليهودية، فقد انصبّت طاقات هائلة وموارد ضخمة وابتكارية لا نهاية لها في المستوطنات في المناطق التي احتُلّت عام 1967.

أنا من أتباع الحوافز اليهودية، رغم أني لست مع أعمال العديد من الذين يعيشون في هذه المستوطنات أو عقائدهم المتطرفة. من بينهم بعض أفضل مواطنينا، ولكنهم يضمون كذلك أقلية صغيرة، متطرفة وعنفية، تسببت أعمالها بالأذى لقضية الدولة اليهودية ومشروع الاستيطان نفسه.

قرأت مؤخراً كتاب دافيد شولمان، \"الأمل القاتم\"، وهو تقرير شاهد على الأعمال المتطرفة التي ترتكب في الضفة الغربية باسم الشعب اليهودي.

ورغم أنني أشارك العديد من المستوطنين التزاماتهم، إلا أن ذلك لا يغير قناعتي بأنهم على خطأ، بعمق وخطورة، لأنهم يرهنون المؤسسة الاسرائيلية بأكملها من خلال قضية الاستيطان. نتيجة لذلك فقد تسببوا بأذى خطير غير مقصود لصدق قضيتنا الوطنية الواسعة على مستويين اثنين:

أولاً، منظور الصدق الأساسي لقضيتنا عند شعوب العالم. كانت تلك حالة لا يمكن الاستغناء عنها عند ولادة دولة إسرائيل عام 1948، وما زالت قضية حرجة اليوم. من الغباء أن نقلل من أهمية هذه القضية أو أن نهزأ منها. الحفاظ عليها صعب، حيث أن أعداءنا يسّوقون الافتراء أن إسرائيل مجرد أداة زرعها الاستعمار، دولة فصل عنصري أخرى مثل جنوب أفريقيا، أو في أفضل الحالات، تصدير أوروبا لمشكلتها اليهودية إلى الشرق الأوسط.

أهم إثبات في ترسانة أعدائنا هي المستوطنات، والاتهام بأننا نسرق أرض جيراننا وموارد رزقهم. لو تم بناء جدار الأمن على حدود الهدنة لعام 1967 أو بالقرب منه لما أثار ذلك معارضة شديدة، محلياً أو دولياً، وكون الجدار قد استُغلّ حجّة لسرقة أراضٍ واسعة إنما يؤكد ادعاء أعدائنا. الإعلانات الأخيرة عن إنشاءات واسعة النطاق في القدس الشرقية بعد اجتماع أنابوليس مباشرة إنما هي دليل على ذلك.

ثانياً، هو الأثر الذي كان للمستوطنات على إجماعنا الداخلي وإيماننا بصدق قضيتنا. تؤكد نتائج الانتخابات، إضافة إلى حواراتنا اليومية، الانشقاق العميق في المجتمع الإسرائيلي حول المستوطنات. عوارض هذا الانشقاق كثيرة، من حرب لبنان الثانية إلى المرارة المثبطة للهمّة والسخرية من قدر كبير من طرحنا العام، إلى ما بعد الصهيونية للعديد من مفكرينا، إلى معدلات الهجرة إلى الخارج. ليست المستوطنات هي السبب الوحيد وإنما هي سبب إستراتيجي.

تقوض المستوطنات أركان المنظور الخارجي لنا، وكذلك منظورنا الداخلي بصدق قضيتنا. لذا، وفي تناقض صارخ مع نوايا العديد من سكان هذه المستوطنات، ينتهي الأمر بأن تضعف المستوطنات من قوتنا بدلاً من أن ترفدها، وتشكل خطراً كبيراً على وجود الدولة اليهودية الوحيدة التي نملكها.

هناك رابط غريب متناقض بين لهفة المستوطنين للحصول على كامل أرض إسرائيل ومطالب العرب بدولة واحدة علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها. كلاهما سوف يؤدي إلى دمار إسرائيل.

لن يرضي الانسحاب من المستوطنات خصومنا، كما لا يجب علينا أن ننسحب من طرف واحد، دون ضمانات وحمايات ونقاط نقف عندها للتقييم والتأكيد. ولكن علينا أن ننسحب، لأجل حاجاتنا ومصالحنا. احتلال الفلسطينيين يفترسنا من الداخل، مثل نمو سرطاني يحتاج إلى عملية جراحية لاستئصاله حتى يتسنى للجسم أن يعيش.

ليس من قبيل المصادفة أن العديد من أبرز جنرالاتنا الذين تحولوا إلى ساسة، مثل ديان ووايزمان ورابين وباراك وشارون، توصلوا إلى نتيجة أن الفصل عن الفلسطينيين في المناطق كان حاسماً لإسرائيل وبقائها كدولة يهودية.

علينا أن نصحو من غفوتنا، وأن نضع الأولويات وأن نجمّع أنفسنا قبل فوات الأوان. علينا أن نتنازل عن الانشقاق العميق في داخلنا حول إسرائيل الكبرى حتى نتوحد بفعالية لصالح إسرائيل ما قبل عام 1967 (مع إضافات قليلة متفاوض عليها). إيماننا المشترك في صدق قضيتنا، والذي بدونه سوف نسقط، لا يمكن إعادة بنائه طالما كنا نحتل شعباً آخر ونفرض نزوحه.

سيكون من المؤلم ترك أماكن مرتبطة بذاكرتنا الجماعية التي نقدسها، ولكنه سيكون مأساوياً إلى درجة أبعد بكثير أن نخاطر باحتمالات تداعي دولة إسرائيل وتفككها، وهو ثمن أكبر بكثير من أن نتحمله.

.

شيلدون شريتر

رجل اعمال من رعنانا، من مواطني مونتريال اصلاً،

وقد هاجر الى اسرائيل عام 1976

http://www.miftah.org