ضرورة قوة ثالثة تعيد التوازن للساحة الفلسطينية
الموقع الأصلي:
وإن كانت قضيتنا الفلسطينية قد وصلت بسلام لمرحلتها الحالية رغم كل المؤامرات التي أحيكت ضدها فهذا يعود بالمقام الأول لنوعية القيادات التي كانت علي رأس الهرم الحزبي والعمل السياسي الفلسطيني ، قيادات تميزت بالحكمة والفكر ،والانتماء الوطني الصادق ، متخذة من الأحزاب والأفكار والأيدولوجيات وسائل تكتيكيه لتحقيق الهدف الأسمي ألا وهو فلسطين الوطن ، فغلبت حكمتهم ووطنيتهم علي عواطفهم وعصبيتهم الحزبية الفئوية ، مما شكل رافدا لإحتواء أي أزمات أو خلافات كانت تشوب مسيرة العمل النضالي . فبمراجعه تاريخية لمسيرة قادتنا بشتي أطيافهم الحزبية وألوانهم الفكرية سنخلص وندرك الغاية التي إنطلق من خلالها العدو الصهيوني في مخططه بتصفية واغتيال هؤلاء القادة ، والتي كان أخر حبات العقد الشهيد ياسر عرفات الذي يعتبر اغتياله ضربه قاسية للقضية الفلسطينية ، وكذلك أخر القادة التاريخيين أمثال جورج حبش ، أحمد ياسين ، فتحي الشقاقي ، أبو علي مصطفي ، عبد العزيز الرنتيسي ، وصلاح خلف ، واسماعيل أبو شنب ، وغسان كنفاني .... والقافلة طويلة ...من خلال تصفية واغتيال هؤلاء القادة الذين كانوا يمثلون فكرا ونهجا , وحكمة أفرغت الساحة الفلسطينية من قادتها وعناوينها التي كانت تتجاوز أي عواطف يمكن لها أن تغرق الوطن في بحور التحزب والفئوية الضيقة . وهذا ما أفسح المجال لأن يصعد صف قيادي جديد من الهواة الذين تشربوا الحزبية ، وهيمنت علي فكرهم الفئوية الضيقة التي حيدت معظمهم إن لم يكن جميعهم عن مصالح الوطن العليا ، وتفرغوا لمصالح الحزب أو الفصيل . وهذا ما أطلق يد العديد من القوي الإقليمية والدولية لأحتواء القرار الفلسطيني والسيطرة عليه ، هذا القرار الذي دافعت عنه الثورة منذ إنطلاقتها لإدراكها أن استقلالية القرار هو السبيل في تحقيق أهدافها المشروعة ،والعمل لصالح الوطن . في ظل الواقع الحالي سيطر علي الساحة الفلسطينية فصيلان هما فتح وحماس ، ثنائية في القيادة والزخم الشعبي والقوة ، هذه الثنائية لعبت دورا فعالا في ما وصلت إليه ساحتنا من حال ، حيت أن المرحلة السابقة من العمل النضالي والسياسي تميزت بتعدد الأطياف والألوان الحزبية التي خلقت حالة من التوازن في العمل والنضال ، بل وفي القرار المصيري من خلال أحزاب وقوي تاريخية كالجبهه الشعبية لتحرير فلسطين ، والجبهه الديمقراطية وبعض القوي الأخري التي علي ما يبدو إنها إندثرت ولم تعد تقوي علي معالجة جراحها الداخلية ،وتعاني من سكرات الموت الأخيرة . اما الساحة الفلسطينية في راهن الوقت فهي تعيش حالة حزبية ثنائية براسين مما خلق نوع من عدم التوازن تمثل في التناحر بينهما سعيا لسياسة الاستفراد التي يتبعها كلا منهما ، وهذا ما يتتطلب ضرورة إيجاد قوة أو فصيل ثالث يمتلك رؤية وبرنامج وطني شمولي ، يتجاوز حالة التحزب والبرنامج الحزبي الضيق ، وخلق مساحة للمشاركة الشعبية والجماهيرية ،والقدرة علي مواجهة متطلبات المرحلة . إذن فضرورة قوة حزبية ثالثة تتجاوز التقليدية في اطروحاتها السياسية والاجتماعية والنضالية ، وفي آليات طرحها للبرنامج الوطني ، تخلق مزيجا من التركيبة الفلسطينية ، وتعيد صياغة الحالة الحزبية في الوطن . ورسم ملامح وطنية تتجاوز الملامح الحزبية التي أفرزتها مرحلة حماس وفتح . أما الدعوات الحالية التي يطلقها القادة والسياسيين والمفكريين لضرورة إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية ... الخ من مفاتيح الخلاص ، فان ذلك لن يحقق أي شيء علي المدي البعيد بل سيكون بمثابة مسكن الألام المؤقت ، ولن يعالج الألم بشكل طبي نهائي ، حيث ستفرز في بعض المراحل تناحرات اشد قوة بين الحزبين الأكبر ، الذين انتهجا برنامج خاص لدحر كل منهما الأخر والتفرد بالقرار الوطني ، ولن يتحقق أي شعار إصلاح في ظل التركيبة الحالية ، بما أن الفصائل الأخري علي الساحة غير قادرة علي الخروج من حالة الوهن التي تعيش فيها ، وترضي بما يصرف لها من موازنات ، وبعض الفتات ، أي تحولت لأحزاب هامشية لا قدرات لديها ، أما حركة الجهاد الاسلامي فهي سلكت درب الانزواء خلف رؤيتها وأطروحاتها السياسية التي ترفض أي مشاركة مع القوي الوطنية في إعادة هيكلية الجسد الفلسطيني ، وتسير وفق خطها ونهجها ، في ساحة أخري. إذن فمن يعول أو يمني النفس علي أن أي انفراجه ستحدث قريبا في الواقع الفلسطيني ،فأنه يبني قلاع من الوهم ، فلا يوجد أي مؤشرات أو مدلولات تدلل على ذلك ، وهذا ما عبر عنه ظاهريا العديد من القادة الحزبيين وأخرهم اسامه حمدان ممثل حماس بالساحة اللبنانية بلقاء علي فضائية الجزيرة " بأن علي الرئيس أن يعلن عن إنتخابات رئاسية جديدة " حيث صور الأزمة بالرئيس والبرنامج الرئاسي ، وهذه ليس مجرد تصريحات صحفية واعلامية يل هي خطوط عريضة وسياسة تجسد حرب البقاء بين فتح وحماس ، وكذلك ما جاء في كلمة رئيس الوزراء ، والمتحدثين الإعلاميين للحكومة وحماس من تثمين لقرار وزير الداخلية والقوة التنفيذية من أحداث الأحد الأسود ، وهي لم تعرفها الساحة الفلسطينية أن قائد يثمن دور قوة أو أفراد قتلت 14 مواطنا بدم بارد ... وهذه التصريحات تؤكد قطعا أن أي اتفاقيات يتم الحديث والدعوة لها ، ما هي سوي من ضمن سياسة رفع العتب وتبرئة الذمة أمام شعبنا . وجميع هذه المتغيرات تلازمت مع المتغيرات الإقليمية والدولية التي استطاعت من فرض إملاءاتها علي القرار الفلسطيني ،وتحاول إغراق الساحة الفلسطينية في الفرقة والتمزق . المشهد الفلسطيني يمر بأصعب مراحله ، وعليه هناك ضرورة لقوة ثالثة تتمكن من خلق حالة توازن في القرار الفلسطيني ، ولعب دورا في عملية توجيه البوصلة الحزبية ، وتوجيه الدفه الوطنية ، وإعادة الاعتبار للمفاهيم الوطنية ولفظ ثقافات ومفاهيم حزبية فئوية حولت الوطن لأداة تخدم الحزب . - مفتاح 9/10/2006 - http://www.miftah.org |