كوفي أنان يورث خليفته منظمة تحتضر !!
بقلم: محمود كعوش
2006/10/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6153


حتى وقت متأخر من الأسبوع الماضي كانت التكهنات تتمحور حول ما مغزاه أن معركة خلافة كوفي أنان لمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لن تكون سهلة وأنها مرشحة لأن تشهد مواجهات ومماحكات دولية حادة ومعقدة ، في ظل تعارض رؤى ووجهات نظر القوى الكبرى حول شخصية الأمين العام المنتظر والقارة التي ينتمي إليها .

إلا أن إعلان المتحدثة باسم الأمم المتحدة ماري أوكابي الذي صدر فجأة في وقت متأخر من ليل الجمعة الماضي والذي أعلنت فيه انسحاب ستة من المرشحين السبعة لملئ المنصب قد حسم المعركة بسلاسة وبشكل مبكر وسابق لأوانه لصالح المرشح الكوري الجنوبي بان كي مون الذي كان يعمل وزيراً لخارجية بلاده حتى وقت قريب والذي حاز على ثقة مجلس الأمن في اقتراع سري جرى يوم الاثنين الماضي .

والمنافسون الستة الذين أعلنوا انسحابهم من حلبة الصراع في رسائل سلموها لرئيس مجلس الأمن الياباني كينزو أوشيما هم التايلندي سوراكيارات ساثيراثاي والسيريلانكي جانيثا ينايالا والهندي شاشي ثارور والأردني الأمير رعد بن زيد الحسين والأفغاني أشرف غاني واللاتفية فيرافيكي فرايبيرغا .

وبغض النظر عن صدق أو كذب ما ذهبت إليه صحيفة "التايمز" اللندنية من ادعاءات حول قيام حكومة كوريا الجنوبية بشراء التأييد لمرشحها بان كي مون عبر تقديمها تسهيلات ومساعدات مالية واقتصادية لبعض الدول النافذة ووعدها دولاً أخرى بإقامة استثمارات خاصة فيها ، فإن هذا المرشح سيكون الخليفة والبديل المنتظر لكوفي أنان بعد التصويت الذي يفترض أن يشهده مجلس الأمن في اجتماع خاص يعقده لهذه الغاية خلال الساعات القادمة ، على حد ما جاء في وكالة الأنباء القطرية .

وفي هذا المقام يمكن القول دون تردد أن السويدي الجنسية والغاني الأصل كوفي أنان ، الذي يشد الرحال لمغادرة منصبه مع نهاية العام الجاري بعدما أمضى عشرة أعوام متواصلة على رأس الأمم المتحدة هو الأمين العام صاحب البصمة الأكثر تأثيراً في حياة المنظمة الدولية قياساً بمن تعاقبوا على أمانتها العامة على مدار الخمسة عقود التي سبقت ولايتيه الممتدتين بين عامي 1996 و2006 الجاري . وبالرغم من أن المنظمة الدولية شهدت في عهده سلسلة من الفضائح المدوية التي طالت شظايا إحداها ابنه البكر كوجو ، إلا أنها حققت إنجازات ملموسة على صُعد دولية عدة ، بدليل حصولها لأول مرة على جائزة نوبل للسلام .

فقبل شهرين ونصف الشهر من حلول استحقاق مغادرته مبنى المنظمة "التي افتُرض لها أن تكون صاحبة الكلمة الفصل في القضايا والمشكلات الدولية ولكنها لم تكن كذلك" إلى ما لا رجعة ، تعمد الأمين العام أن تكون منطقة الشرق الأوسط قبلته الأخيرة ، باعتبارها الأكثر سخونة وخطورة في العالم .

وفي هذا السياق جاءت زيارته للمنطقة حيث سعى خلالها إلى ضمان تطبيق كامل وشفاف للقرار 1701 الذي وضع حدا للعدوان الصهيوني الإجرامي على لبنان ، وهي الزيارة التي فسرها الدبلوماسيون والمحللون السياسيون المعنيون بالسياسة الدولية على أنها خاتمة مشواره الدبلوماسي الذي كان برغم تميزه الإيجابي مزيجاً من النجاح والإخفاق .

ورأى هؤلاء أيضاً أن هذا الدبلوماسي الغاني البالغ من العمر ثمانية وستين عاما قضى منها 35 عاما في خدمة المنظمة كموظف كبير ومن ثم كأمين عام لها لم يقنع بوقف إطلاق النار على الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني وفق ما اقتضى القرار الدولي فحسب ، إنما رغب في وضع أسس سلام دائم على تلك الحدود قبل رحيله ، كما رغب في التوصل إلى حل شامل للصراع العربي ـ الصهيوني في إطار أوسع وأشمل .

وبالرغم من معرفته المسبقة بأنه لن يستطيع أن يحقق في الوقت المتبقي من ولايته الثانية والأخيرة وهو قصير جداً ما عجز عن تحقيقه في الوقت الطويل السابق بسبب هيمنة واشنطن المطلقة والمستمرة على منظمة الأمم المتحدة وتجاهل الكيان الصهيوني لقراراتها بصورة غير مألوفة ، إلا أن أنان يصر وفق ما يرد على ألسنة بعض المندوبين في المنظمة الدولية على أن "يؤدي دوره كاملاً وبكل عزم ومسؤولية حتى آخر يوم في هذه الولاية" . وبكلام أوضح فقد سعى وما زال يسعى وراء إنجاز كبير لم يحققه ، وعلى الأرجح أنه لن يحققه ، لمليون اعتبار واعتبار !! فمن أين له أن تستجيب الرياح لما تشتهيه سفنه وهي التي لم تستجب لها سابقاً ؟

لا شك أن صورة كوفي أنان تأثرت منذ عام وبعض العام بشكل كبير وخطير بفضيحة برنامج "النفط مقابل الغذاء” الذي فرضته الأمم المتحدة على حكومة بغداد بعد العدوان الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991 بذريعة احتلاله الكويت ، وبالكشف عن حالات فساد في إدارة المنظمة . إلا أنه تمكن من الاحتفاظ بمنصبه بعد أن تحمل نصيبه من المسؤولية في المخالفات الإدارية التي كشفتها لجنة تحقيق مستقلة حول برنامج "النفط مقابل الغذاء" رغم دعوات المحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج بوش المتكررة لإقالته . وإضافة إلى المخالفات الداخلية في المنظمة كان على أنان أيضا أن يدفع فاتورة معارضته العلنية للحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على العراق بالتعاون مع بريطانيا والتي وصفها في أكثر من مكان وزمان بأنها "فاقدة الشرعية ، لأنها تقررت ونُفذت خارج إطار الأمم المتحدة" ، مما جعل صقور الإدارة الأميركية يحقدون عليه ويطلقون الحملة تلو الحملة ضده وضد وجوده في المنظمة الدولية . لكن مؤازرة بعض الدول النافذة من أمثال فرنسا وألمانيا وروسيا والصين له أفشلت كل الحملات الأميركية ضده . وكان أنان قد انتخب أميناً عاماً للأمم المتحدة للمرة الأولى في عام 1996 ثم أعيد انتخابه بيسر وسهولة وبرضى الإدارة الأميركية ودعمها في عام 2001 . وأذكر أن المندوب الأمريكي في المنظمة الدولية آنذاك ريتشارد هولبروك امتدحه قائلاً : "إنه أفضل أمين عام في تاريخ منظمة الأمم المتحدة بلا استثناء" . وبعد أسابيع قليلة من إعادة انتخابه وتحديداً في شهر تشرين الأول من ذلك العام حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع المنظمة الدولية . وعزا البعض ذلك إلى تمكنه من إعادة بعض المصداقية للأمم المتحدة من خلال حملته على مرض فقدان المناعة "الإيدز" واعترافه الشجاع بإخفاقات المنظمة في العديد من أماكن التوتر في العالم وبالأخص في رواندا والبوسنة ودارفور .

المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة مارك دو لاسابليير يرى في كوفي أنان " رجل سلام يتماهى بشكل رائع مع مبادىء الأمم المتحدة ، ورجل قمة الألفية الثالثة واللحظة العظيمة في تاريخ المنظمة الدولية والرجل الذي نجح في وضع المنظمة على طريق الإصلاحات الحقيقية" . وقد أتاحت "قمة الألفية" قطع تعهدات جماعية للتنمية من اجل خفض الفقر في العالم وبالأخص في الدول الفقيرة مع حلول عام 2015 .

أما مستشار أنان الأميركي روبرت أور فيرى فيه " الأمين العام الأكثر نشاطاً منذ ولاية الأمين العام الأسبق السويدي داج همرشولد الذي رأس المنظمة بين عامي 1953 و 1961 . ويُذكر أنه قتل في حادث طائرة غامض في الكونغو في 18 أيلول 1961 ، أي قبل عامين من إتمام ولايته الثانية . ويرى أور أيضاً أن الأمم المتحدة شهدت في ظل رئاسته لها "نمواً وازدهاراً في العمل على صُعد الحفاظ على السلام والعمل الإنساني والمساعدة في تنظيم انتخابات ديموقراطية في العالم" . ويعتبر كذلك أن عملية إصلاح المنظمة التي شُرع في إنجازها قبل عام "تظهر أن القيادة النشطة للأمين العام كائناً من كان يمكن أن تساعد الدول الأعضاء على فض الخلافات في ما بينها".

ومما لا شك فيه أن غالبية الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بما فيها الدول العربية طبعاً تتفق على التقدير الإيجابي لعمل كوفي أنان . وهي في الوقت الذي تتفق فيه على تقديرها لعمله ، فإنها تجانب تحميله شخصياً وزر الفشل في معالجة هذه القضايا والمشكلات ، وإن كان يتحمل قدراً من ذلك الوزر لمجرد قبوله الاستمرار على رأس المنظمة في وضعها المترهل .

فالأمم المتحدة تحولت بفعل ممارسات إدارة جورج بوش التي يهيمن عليها صهاينة تيار المحافظين الجدد إلى رهينة للسياسة الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة ، مما أضعفها وأفقدها مصداقيتها وقدرتها على القيام بدورها وفق ما رسمه لها ميثاقها الذي اعتبرها الخط الأخير للدفاع عن الحضارة الإنسانية والأمن والسلم الدوليين .

ونتيجة لهذا الدور الأميركي السلبي ، فإن معالم التخبط والضياع وعدم القدرة على اتخاذ المواقف الحاسمة إزاء القضايا والمشكلات الدولية العالقة تبدو واضحة على أداء المنظمة الدولية التي قال عنها جين تسيجلر المنسق الخاص للأمم المتحدة لحق الحصول على الغذاء "إنها منظمة تحتضر وتعاني الشلل" . وذهاب الأمين العام القديم كوفي أنان ومجيء الأمين العام الجديد بان كي مون لن يغير في أمر المنظمة شيئاً بعدما باتت تراوح مكانها عند مفترق طرق وعر ومظلم . وما لم تبادر الإدارة الأميركية المستأثرة بالنظام العالمي الجديد على عجل إلى رفع وصايتها عنها والتخلي عن سياسة الهيمنة على العالم بذرائع ومسوغات واهية ، فإن من البديهي أن يكون الموت هو النهاية الطبيعية و"السعيدة" لمنظمة تحتضر وتعاني من الشلل !! - مفتاح 9/10/2006 -

http://www.miftah.org