سيناريو مكرر ، فشل الحوار،الذهاب الى الانتخابات المبكرة
بقلم: احسان الجمل- لبنان
2006/10/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6183


في مقال سابق كتبت تحت عنوان اذا فشل الحوار، فلنذهب الى انتخابات مبكرة، نحتكم بها الى مصدر السلطات الذي هو الشعب، هذا العملاق الذي نسهم فيه محاولات تركيعه بسياسات عقيمة، اذا كنا ندري نتائجها فتلك مؤامرة واذا كنا لا ندري فتلك خيانة. لان من نذرنا انفسنا لاجلهم، وهم من اقتنعو ابالبعض في لحظة سياسية معينة محكومة بظروف ذاتية وموضوعية. وقد وصل الحال بهذا البعض ان يستبيح الدم الطهور الذي عبد في مسيرته النضالية طريق التحرير وانجاز الاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين. الذين قد يرفض العودة اذا كانت الجنة الموعودة يحكمها بعض قاصري النظر منتهجي السياسة الحمقاء والحاقدة المبنية على الكيد السياسي والمصلحة الفصائلية دون اعتبار المصلحة الوطنية، هذه الاحداث التي جاءت في وقت كان شعبنا رغم جوعه ونتائج الحصار الجائر والظالم يتذكر الشهداء والمعتقلين في الذكرى السادسة للانتفاضة الباسلة انتفاضة الاقصى.

ان ما حدث في غزة يجب ان لايمر مرور الكرام لا بد من وقفة مسؤولة وجادة أمام ما يجري في الساحة الفلسطينية.. خاصة اننا كنا على ابواب استحقاقات نقوم بتحضيرات جدية لها ونجهد لاعادة تثبيت القضية الفلسطينية على الاجندة الدولية ومحافلها المتعددة ودفع عملية السلام الى الامام من اجل ايجاد حل ليس فقط للوضع المأزوم بل لمجمل القضية الفلسطينية وهذا بان من خلال الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس ابو مازن على الصعيدين الداخلي والخارجي لفك الحصار والعزلة ، وإعادة العمل بسياسة فلسطينية تستند الى قرارات الشرعية الدولية، وتكون مقبولة دولياً مما يمهد الطريق لحل الازمات التي تعصف بشعبنا.

وفي الوقت الذي تسرب فيه ان الرئيسين عباس وهنية توصلا الى اتفاق يشكل قوة دفع للرئيس قبل جولته الامريكية و القاء كلمته على منبر الامم المتحدة والذي أعاد فيه مقولة الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، تفاجأ ان الاتفاق قد سقط من يده، وان تجاهل هذه الجهود من قبل حركة حماس، والعمل على افشالها، من خلال وضع شروط او ملاحظات او التنصل من اتفاقية محددات حكومة الوحدة الوطنية، ووجود ضغوط من قيادة حماس في الخارج لافشال فكرة حكومة الوحدة الوطنية.وهذا يؤدي بالمحصلة الى عدم استقرار سياسي واقتصادي وتجاذبات وصراعات ومماحكات، وحالة من التيه التي يتوه فيها المواطن الفلسطيني. فيصاب بالضياع ويصبح العمل السياسي في مهب الريح عندما يفقد اسسه ونظمه واخلاقياته، مما يؤدي الى سياسة الاحتقان التي تشكل تربة جيدة للانفجار.

هذا اللااستقرار السياسي الذي عبرت عنه تصريحات حماس، وهي بتقديري لم تكن مفاجئة، لان المتتبع لسياسة حماس في ادارة الازمة يدرك انها تعتمد هذه السياسة للهروب من تحمل اي مسؤولية في مواجهة الاوضاع المتفاقمة، وفي مواجهة نبض الشارع الذي يمثل صوت الشعب ومع ازدياد نقمته يوميا نتيجة تراكم ازمته وترنحه تحتها مع تزايد الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك العديد من الاسئلة التي لا تمتلك حماس اجوبتها فتضطر الى الهروب من مواجهتها.

كما ان الحياة الحكومية تعيش حالة من الشلل الناتج عن اضراب الموظفين واحجامهم عن العودة الى الدوام دون استلامهم اجوبة على اسئلتهم تؤدي الى استلام رواتبهم. وهذا يضاف الى الاداء الحكومي الضعيف وحالة الحصار المالي والسياسي وبغض النظر عن رفضنا للحصار وظلمه، إلا انه يجب دراسة الاسباب والعمل على نفيها، من اجل ان تتمكن الحكومة من تقديم خدماتها للمواطنين لان استمرار الوضع الحالي يوصل الى تداعيات لا يمكن السيطرة عليها لاحقاً.

حماس تدافع عن نفسها، وهذا من حقها‘ فتدعي ان ما تتعرض له هو ضريبة تمسكها بالثوابت، ولكن اين هي هذه الثوابت التي تخنق الشعب الذي من اجله نتمسك بالثوابت، هل عرض الهدنة الطويلة الابد، وهي استبدال لشعار حرب طويلة الامد،ام بهذا الفلتان الامني الذي بلغ ذروته فيما سمي بالاحد الاسود الذي سقطت في الخطوط الحمر لتصبح وجوهنا سوداء خجلاً من شعبنا وشوارعنا حمراء مصبوغة من دم شعبنا،ونضيف الى جوعه الانساني والاجتماعي جوع الامن والامان، وهذا الفلتان ليس في اطار الاحداث الفردية، بل بقرار واضح من وزير حكومة حماس سعيد صيام وتنفيذ التنفيذية القوة التي شكلت خارج اطار القانون لتحارب قوة حماية القانون. والتي ارتكبت حالات اغتيال لعقول وقادة فتحاويين، دون ان يأخذ وزير داخلية حماس اجراءات من موقع مسؤوليته بالبحث عن المنفذين رغم ان الجميع يعرفهم.

كل هذا يأتي وسط ضغوط محلية وعربية ودولية تمارس على الرئيس ابو مازن والشعب الفلسطيني من اجل تشكيل حكومة تكون مقبولة دولياً وتلتزم بما وافقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية والمبادرة العربية، من اجل الخروج من العزلة السياسية التي نعيشها وحتى نلتقي مع الجميع في منتصف الطريق ليتعاملوا معنا كأصحاب قضية، وليس مجرد حالةامنية، او جياع نحتاج الى مساعدات انسانية بشروط لا تقبلها الاوساط الانسانية.

ان الكلام عن حكومة الوحدة الوطنية اصبح اسطوانة تحمل معزوفة قديمة ملَّت الناس سماعها لانها فقدت المصداقية بسبب تمسك حماس بسياسة اللامبالاة والتمترس خلف حقوق وهمية عن عمر مديد للحكومة، وعدم جواز او وجود نصوص تحلل التغيير وتقود الى الاصلاح، ان هذه السياسة ادت عملانياً الى افشال هذه الوحدة الحكومية المنشودة، لان الهدف ليس بناء حكومة وحدة وطنية تفتقد الى اسس الشراكة السياسية ، وايجاد الخطاب السياسي الموحد والموجه الى الاخر لفتح افاق التعامل معنا على قاعدة العقلية المنفتحة تجاه الاخرين. لكن هذا التخندق خلف شعارات لا تتلاءم والواقع المعاش هو اصرار على اغلاق كافة الابواب والنوافذ امام التوصل الى برنامج الاجماع الوطني الذي يشكل اساس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وبالتالي يفتح امامنا الابواب ويكسر الحصار ويفك العزلة.

لا اعتقد ان هناك رجلا فلسطينياً يملك مرونة الرئيس ابو مازن وصبره، حتى نكاد نقول ان الصبر قد مل منه، وله من الصلابة ما يجعلنا نلتف حول برنامجه المتمسك بالثوابت الوطنية، وهو حريص بالتأكيد عليها ويناضل من اجلها، ورغم كل ذلك إلا انه عجز عن الوصول الى تفاهم ثابت مع حماس، التي تتوزع الادوار وتخلق الذرائع والحجج وتقود حملة اعلامية تحريضية حتى ضد من يجهدوا ليشكلوا لها شبكة الامان. وهو الان اكثر من يعاني من سياسة حماس، وتنصلها منها، كون التفاهمات تتم معظمها معه مباشرة، ورغم ذلك يصر على ابقاء الحوار مدخلا للعلاقة.

نحن لسنا ضد الحوار، ولكن الحوار يجب ان يكون على اشكال متعددة وخطوط متوازية، ولا ادعو الى ممارسة سياسة العصا والجزرة، بل العمل على ابقاء كل النوافذ مفتوحة، حتى لا نحشر في نافذة واحدة اختبرنا المرور منها، فأصبنا بالحشر ولم نستطع الخروج. وهنا اتوجه الى كل العقلاء والحكماء داخل حماس الذين لديهم حب الوطن، والذي شارك قسم منهم في صياغة وثيقة الاسرى، ان يستمروا في دورهم ويوسعوا من دائرته في داخل حركة حماس لنتقدم كلنا نحو الوطن ونلتقي في منتصف الطريق، حيث ساحة الشهداء الذين استشهدوا من اجلنا ونحن ندعي اننا نكمل نهجهم وننفذ وصيتهم. ادعوكم ايها العقلاء والحكماء قبل فوات الاوان.

لان كل ما جرى وضعنا امام مقولة اخر الدواء الكي، وهو العودة الى مصدر السلطات، الى الشعب، الذي نفتخر جميعا انه هو من اوصلنا الى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع.

وبما ان الشعب هو من يمارس النهج الديمقراطي والذي كرسته فتح في عملية الانتخابات السابقة رغم معرفتها بكل الظروف وتوقعها للنتائج، إلا ان ذلك تكرس اسلوبا في حياتنا السياسية الفلسطينية.

وبما اننا نتفق جميعا على ان لا نتفق، وكل جولة حوار محكوم عليها بالفشل المسبق، وسرعان ما نتبادل الاتهامات ونتقاذف بتحميل المسؤوليات الى حد ان البعض وصل به الامر ان يقذف. اذا ما المانع ان نذهب الى حوار الشعب لايجاد حل يخرجنا من الاوضاع الخانقة والوضع المأزوم الذي نعيش.

ولماذا الخوف من اجراء الانتخابات المبكرة، وهو اجراء تستعين به كل الشعوب، وتمارسه كل الديمقراطيات، لانه اجراء قانوني وديمقراطي ، ان تذهب الى الانتخبات المبكرة او الاستفتاء الشعبي عندما تكون المجتمعات تمر في منعطفات حادة ويصعب التفاهم والتوافق بين قوى المجتمع.

اننا نعيش منعطفاً حادا، وانقساما يصعب جسره، فالرئيس ابو مازن الذي خاطب العالم بمنطق غصن الزيتون، يحتاج الى دعم شعبي، والتفاف القوى السياسة الى جانبه، والى حكومة تساعده في تنفيذ برنامجه حسب طبيعة مهامها، لا ان يصطدم معه ويكون لها برنامجها الخاص واجندتها اللاوطنية، فالشرعية الفلسطينية اكدت على مر الزمان انها لاتتساوق إلا مع اجندة الشعب الفلسطيني ، صحيح انها تفاوض وتحاور، وتقبل بمبدأ الحوار حول كل المبادرات ، لكنها تبقي لنفسها حق خياراتها السياسية المبنية على اساس مصلحة الوطن فوق الجميع، ولنا في ذلك تجارب كثيرة، ولا يظن احد او يسارع باتهام الشرعية الفلسطينية بانها ممكن ان تقبل بشرق اوسط جديد لاتكون فيه القضية المركزية هي الاساس، والبواقي يتفرعن منها، ولا حل عادل وشامل إلا وفق ثوابتها، وإلا فلا شرق اوسط جديد من دون فلسطين، ولكن نتمنى على الاخرين ان يبقوا فلسطين هي اساس وجوهر تحركهم لا ان تكون هامشاً في محاور الاخرين الذين يسعون الى ثوابتهم ولو على حساب الاخرين. فلنردد جميعا مع الرئيس ابو مازن عبارة الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، فلا تدعونا نقول ان الغصن سقط بيد فلسطينية، وان الدم سال برصاص فلسطيني وان الظهر طعن بخنجر تموه بلباس فلسطيني. - مفتاح 14/10/2006 -

http://www.miftah.org