القرار الوطني الفلسطيني المستقل
بقلم: د.احمد مجدلاني
2006/10/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6202


إثارة مثل هذا الموضوع في المرحلة الراهنة قد يواجه بأسئلة كثيرة مستهجنة ذات طابع استنكاري من اتجاهات مختلفة يرى بعضها أن بحث هذه القضية مجددا في ظل ظروف دولية تتسم بأحادية القطبية والتدخل في شؤون الدول الأخرى بأشكال مختلفة، بما فيها الغطاء الشرعي الذي اقر من الأمم المتحدة تحت ما سمي التدخل الدولي الإنساني، أو تحت مسميات أخرى مثل التعاون أو الاعتماد المتبادل الذي يأخذ صور وأشكال من الوجود العسكري المباشر أو التشاور الدائم في قضايا السياسة الخارجية ، كأحد السمات المميزة للعصر الراهن وبالتالي يصبح الحديث عن قرار وطني مستقل وخاصة بالنسبة للدول والشعوب الصغيرة مسالة ليست نسبية فقط وإنما خارجه عن نطاق المفهوم العملي والواقعي إلا من الناحية الشكلية ، فكيف الحال إذا كان الأمر والحال يمس الوضع الفلسطيني وبما يمثله من كيانية وطنية ناشئة ارتبط نشؤها باتفاقات والتزامات دولية وإقليمية حددت مسارها السياسي بإطار التسوية السياسية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية والعربية ، لكنها لم تلغ بنفس الوقت حرية حركتها وصلاتها وتحالفاتها كحركة تحرر وطني عبر م.ت.ف.ت التي تكتسب الصفة الشرعية التمثيلية للشعب الفلسطيني أينما تواجد .

هذا التساؤل حول القرار الوطني الفلسطيني إثارته مجددا له صلة مباشرة بأمرين ارتبطا أخيرا بحالة الانقسام السياسي الذي اتخذ الطابع العامودي في الحركة السياسية الفلسطينية بشكل غير مسبوق في العصر الحديث ، باستثناء فترة الثلاثينات من القرن الماضي والتي أدت فيما أدت إليه إجهاض نتائج وتضحيات ثورة عام 1936 . ورؤية احد قطبي هذا الانقسام ولأسباب إيديولوجية أولا مرتبطة بالفهم الديني لموضوع الوطنية والبعد الإسلامي أن لا مكان لقرار وطني فلسطيني مستقل انطلاقا من إسلامية القضية الفلسطينية باعتبار أن الأراضي الفلسطينية هي ارض وقف على المسلمين من جهة ، كما إن طبيعة التحالفات التي الإقليمية والعربية تضع هذا التيار في خيار دمج المصالح الوطنية في سياق المصالح المشتركة إن لم يكن تغليبها او/و تقديمها على المصلحة الوطنية من جهة أخرى.

في حين يرى التيار الوطني الفلسطيني منشىء ومؤسس الوطنية الفلسطينية الحديثة ، واستنادا إلى تجربة طويلة ومريرة ونضالات وتضحيات جسيمة عبر معارك طويلة خاضها ، إن انتزاع تمثيلية م.ت.ف. كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، لم تعد للشعب الفلسطيني هويته السياسية التي افتقدها منذ النكبة فحسب ،بل أعادت له قراره الوطني ليضع قضيته الوطنية في سياق أجندته الوطنية الخاصة وبشكل مستقل نسبيا على الأقل عن الأجندات العربية الأخرى ، والتي استخدمت فيها القضية الفلسطينية ولسنوات خلت قبل ذلك كقضية استخدامية وظفت في الصراعات الداخلية في كل بلد او بين بعضها .

لقد مكن امتلاك ناصية القرار الوطني الفلسطيني المستقل في أواسط السبعينات من القرن الماضي أن تحقق الكثير من الإنجازات والتي قد يكون في مقدمتها تحويل قضية الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية من قضية إغاثية إنسانية إلى قضية شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال وبناء دولته الوطنية المستقلة ، وتعزز هذا التحول بالعشرات من القرارات الدولية سواء من الأمم المتحدة او المنظمات الدولية والإقليمية المختلفة .

قد تبدو خطورة ما يحيق بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل في المرحلة الراهنة ليس إعلان احد قيادي حركة حماس وهي قوة سياسية لها وزنها وتأثيرها الكبيرين في أوساط الشعب الفلسطيني ، بالتخلي او بعدم أهمية التمسك باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، انطلاقا من خلفيات إيديولوجية أشير إليها، او حسابات سياسية أنية ترتبط بتحالفات عربية او إقليمية ، وإنما في حالة التجاذب والاستقطاب في الوضع الرسمي العربي الذي سيبدو فيه أن الحركة الوطنية الفلسطينية بات قرارها لا يبحث ولا يؤخذ كمحصلة لتداول وطني داخلي على المائدة الفلسطينية ، وإنما كمحصلة وتداول إقليمي وعربي كما كان قبل التحول الكبير والتاريخي الذي أحدثته الثورة الفلسطينية المعاصرة بمنظمة التحرير الفلسطينية أواخر عام 1968 / وأوائل 1969 وبداية نشوء نظام سياسي فلسطيني حديث ذات طابع تعددي ويحمل برنامج وطني تحرري خالص .

إن الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في ظل الأزمة الطاحنة التي تعصف بالوضع السياسي الفلسطيني الداخلي في المرحلة الراهن وإخضاع كل ما هو ذاتي من مصالح تنظيمية ضيقة وحسابات وتحالفات إقليمية ضيقة لصالح الشأن الوطني العام قد يوفر مناخا ملائما لمعالجة صحيحة للوضع الداخلي الفلسطيني ويسهل طرق الخروج من الأزمة لأنه يغلب المصلحة الوطنية على أية مصالح وارتباطات أخرى، ويخضع التناقضات الداخلية باعتبارها تناقضات ثانوية لمصلحة التناقض الأساس المتمثل بالاحتلال ومشاريعه لفرض حل سياسي أحادي الجانب يرسم ومن جانب واحد بموجبه حدود وآفاق الحل السياسي في المنطقة بما فيها طابع وحدود الكيان الفلسطيني القادم . - مفتاح 18/10/2006 -

http://www.miftah.org