ما وراء الجدل حول حل السلطة الفلسطينية
بقلم: جورج جقمان
2006/10/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6225


بخلاف ما قد يظن البعض، ان الجدل والنقاش حول حل السلطة الفلسطينية ليس بجديد. ويثار الموضوع من قبل اكثر من طرف ولأغراض عدة متنوعة يجب التمييز بينها. وفي غمرة التراشق الاعلامي يضيع احياناً السؤال البسيط والمباشر والجوهري: ما هو تبرير وجود السلطة الفلسطينية وتحت اي ظرف يكون مبرراً استمرارها؟.

وأميز هنا بين مستويين من النقاش: المبدئي، اي وجود او عدم وجود سبب لاستمرار بقاء السلطة الفلسطينية من منظور محدد اشير اليه لاحقاً، والعملي - النفعي - السياسي، اي وجود مصالح فردية او جماعية او مصالح دول تتطلب بقاء السلطة الفلسطينية، حتى لو لم يوجد مبرر لبقائها من ناحية المبدأ. وسأقصر ملاحظاتي على الجانب الاول، لأن المستوى الثاني من النقاش لا يتضمن "مشروعا" يمكن الدفاع عنه، سوى مصالح افراد او دول، وليس مصلحة شعب بالضرورة.

وأميز ايضاً بين نطاقين فيهما فيه هذا النقاش. الاول، بين سياسيين، اساساً من حركتي فتح وحماس، وهو جديد نسبياً، برز بشكل متقطع بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ببضعة شهور. هذا النقاش يدخل في اطار ما يمكن ان يسمى المناكفة السياسية، ويتسم باللحظية ويخلو من اي تحليل عام لموقع وموضع السلطة الفلسطينية ودورها في هذا الظرف التاريخي، وينطلق من مصلحة حزبية في الأساس. مثلاً، في سياق التجاذب الحاصل بين فتح و حماس طالب احد ممثلي فتح في المجلس التشريعي قبل حوالي ثلاثة شهور بحل السلطة الفلسطينية بسبب "الطريق المسدود" الذي وصلت اليه الحكومة الجديدة سياسياً واقتصادياً على حد قوله. وكان رد فعل ممثلي حماس في المجلس التشريعي وخارجه سلبياً، ونظر الى هذا الاقتراح على انه يطعن في شرعية الانتخابات والحكومة المشكّلة بموجب نتائجها.

لكن مع استمرار الحصار السياسي والاقتصادي على الحكومة الفلسطينية وتفاقم الازمة الاقتصادية الناجمة جزئياً عن توقف دفع رواتب موظفي القطاع العام، بدأ بعض ممثلي حماس انفسهم بالتلويح "بحل السلطة"، حتى ان رئيس الوزراء نفسه السيد اسماعيل هنية اعلن قبل حوالي شهرين انها فكرة جديرة بالفحص. هذا النقاش متقطع وغير مستمر ولا يمكن ان يؤخذ بجدية لانه يعبر عن مصالح، مهما بدت مشروعة من منظور الاحزاب والحركات، كونها لا تتناول الجانب الاساسي والجوهري الذي يمكن ان يثار فيه مثل هذ التساؤل حول جدوى استمرار السلطة الفلسطينية.

اما النطاق الثاني المثار فيه هذا الموضوع، فهو في الغالب بين محللين جلهم من المستقلين. وهو نقاش ليس بجديد. ففي نهاية العام 3002، بعد اجتياح الضفة الغربية من قبل الجيش الاسرائيلي في آذار 3002، لم يبدُ واضحاً ما هو دور السلطة الفلسطينية في حينه: سلطة تحت الاحتلال، عاجزة في الغالب عن القيام بمهامها العادية، لا تشارك رسمياً في المقاومة او الدفاع عن المواطنين في وجه القوات الغازية. وبان ايضاً ان الاجتياح يعني من ناحية فعلية انهيار مسار اوسلو ومن ثم "مسيرة السلام" كما سمتها الولايات المتحدة. ورأى معظم الذين كتبوا حول الموضوع في حينه في الصحف المحلية، او في الندوات المفتوحة، ان الاحتلال المباشر بغياب السلطة اقل سوءاً من بقاء السلطة "كغطاء" للاحتلال.

واستمر هذا النقاش وان كان بشكل متقطع بين اعوام 3002 و 6002، ليعود مرة اخرى للبروز في الصحف المحلية الفلسطينية خلال الشهور الخمسة الاخيرة.

الموضوع الجوهري هنا هو التالي: اذا كان الفلسطينيون يأملون ان يؤدي مسار اوسلو الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن هذا المسار قد توقف، واذا كان الحل السياسي متعذراً بسبب رفض اسرائيل للمبادرة العربية التي اقرت في بيروت في العام 2002، وفي غياب اي مسار سياسي يؤدي الى حل الدولتين بالفهم الفلسطيني له خلال الاعوام الستة الماضية، ومنذ انهيار محادثات "كامب ديفيد" في صيف 0002، ينشأ التساؤل عن مبرر استمرار وجود السلطة الفلسطينية.

فلم يكن الهدف من انشاء السلطة الفلسطينية هو ان تعمل كبلدية كبرى لإدارة شؤون السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا ما تحولت اليه فعلاً في غياب مسار سياسي جدي ومقنع خلال الاعوام الستة الماضية. واستمرار هذا الوضع يرسخ المصالح الفردية او الجماعية الضيقة التي ترى في استمرار السلطة رزمة من المنافع والمكاسب، على حساب ما يسميه البعض "المشروع الوطني"، اي حل الدولتين بالفهم العربي والفلسطيني له.

وبالرغم من التأييد الواسع لدى الجمهور الفلسطيني في الضفة والقطاع لمكافحة الفساد، كما يظهر بوتيرة منتظمة في استطلاعات الرأي عبر السنوات، الامر الذي بدوره يفسر ولو جزئياً فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الاخيرة، هذا لا يبرر ان يصبح مشروع حماس هو اصلاح السلطة لتصبح "بلدية كبرى" نظيفة، واغفال مآل "المشروع الوطني". ولم يتصور احد يوماً ان هذا المشروع هو فقط اصلاح السلطة الفلسطينية.

ان المأزق الاستراتيجي الفلسطيني الحالي بعد انهيار مفاوضات "كامب ديفيد" يكمن في ان جميع الكتل النيابية الممثلة في المجلس التشريعي وجميع الاحزاب والفصائل خارجه، لا اجابة لديها حول الآليات والطرق والاساليب الفعالة لتحقيق برامجها السياسية سواء حل الدولتين كحل نهائي، او كمرحلة تتبعها "هدنة" طويلة الامد لا تستلزم الاعتراف باسرائيل. قد يقال ان المقاومة هي الخيار الوحيد الممكن في غياب خيار سياسي ذي مصداقية، لكن المقاومة كما تبدت في الانتفاضة الثانية لا تتساوق مع وجود سلطة كما بان بوضوح خلال الاعوام الستة الماضية. هل السلطة مشاركة في المقاومة او على اقل تقدير مؤيدة ومساندة لها؟ ان كان هذا، ستصبح هي هدفاً مستهدفاً من قبل اسرائيل.

هل في امكانها ان تقف على الحياد؟ هذا الخيار ايضاً غير ممكن لانها ستبان انها متواطئة موضوعياً مع المقاومة، او فاقدة للسلطة والسيطرة في مناطقها. هذا تماماً هو معنى قرار اجتياح الضفة الغربية من قبل الحكومة الاسرائيلية في العام 2002، اي تحميل المسؤولية من جهة، وتبيان "العجز" من جهة اخرى.

ان مأزق حماس يتمثل في انها قررت ان تكون في السلطة وتشكل حكومة، وبالتالي، تخلت موضوعياً عن المقاومة ولو مؤقتاً. ومأزق فتح يكمن في انها في حال عودتها للسلطة، اكثر ما في امكانها توفيره هو دفع رواتب موظفي القطاع العام. اما "المشروع الوطني" فهو مازال ينتظر ايجاد الآليات المناسبة لتحقيقه. في هذا السياق والمضمون، تصبح السلطة هي الهدف، وهذا بالضبط ما يدعو البعض الى حل السلطة. - الأيام 21/10/2006 -

http://www.miftah.org