مؤتمر نساء الشرق للدفاع عن فلسطين: علامة مضيئة في تاريخ نضال المرأة العربية
الموقع الأصلي:
"النار في فلسطين. فالحذر الحذر. والبدار البدار. قبل أن تتسع هذه النار، وتأكل باقي الأقطار" ريا القاسم في الحادي عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2006، وفي لقاء دعا إليه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية؛ ناقشت النساء الأحداث السياسية شديدة التعقيد على الصعيد الفلسطيني، ومعاناة النساء والأطفال والشعب الفلسطيني كافة، وتنادت أصوات نسوية بضرورة عقد مؤتمر نسوي عربي، ينتصر للقضية الفلسطينية، ويعلي دور المرأة الوحدوي، ويفعِّل دور المرأة الفلسطينية، الذي تراجع بعد "انتفاضة الأقصى". أعادني النقاش إلى ظروف انعقاد أول مؤتمر نسوي شرقي، في القاهرة، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1938م؛ حين تلقت السيدة هدى شعراوي، رئيسة الاتحاد النسائي المصري، في أوائل شهر حزيران العام 1936م، خطاباً مؤثراً من لجنة السيدات العربيات بالقدس، يشرح فيه الحالة المؤلمة التي تجتازها فلسطين، مناشدة نساء مصر أن يأخذن بناصرها. وفي أوائل العام 1937م، وردت برقية تاريخية، من لجنة سيدات عكا، بتوقيع "أنيسة الخضراء"، تستصرخ فيها ضمير المصريين، وتدعو إلى يقظة الأمة من رقادها: "يا جيرة الأرض المقدسة! ألم تأتكم أنباء ما حلّ بإخوانكم فيها فاجعة كالطوفان، توشك أن تحل بجانبكم، ستبدل معالم أمة وتمحو من الوجود أقدس بقاع الإسلام. أتتركوننا وحدنا وفيكم لسان يتكلم، وقلب ينبض؟!". لبى الاتحاد النسائي المصري النداء، وأرسلت الجمعيات النسائية في الأقطار العربية تفويضاً رسمياً للسيدة "هدى شعراوي" للدفاع باسمها عن قضية فلسطين لدى الهيئات الدولية؛ ما حدا بالسيدة "هدى شعراوي" إلى توجيه النداء التالي إلى نساء الشرق: "براً بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا نحن نساء الشرق، ووفاء بالعهد الذي ارتبطنا به مع أخواتنا الغربيات، في المؤتمرات الدولية المتعددة، وهو أن نعمل متضامنات على نشر الوئام بين الشعوب، كلّ في بلادها، وان نسعى بكل الوسائل المشروعة على منع الحرب، ومساعدة جمعية الأمم في توطيد أركان السلام العالمي، وحسم أسباب النزاع بين الدول بالتسوية السلمية؛ قرّرنا عقد مؤتمر نسائي شرقيّ للنظر في الحالة المؤلمة التي تعانيها فلسطين منذ سنين عدة، تلبية لصوت ضمائرنا، ولاستغاثة الإنسانية المعذبة في تلك البقاع المقدسة. إن ما يعانيه أهل فلسطين الشقيقة ليزداد خطره يوماً بعد يوم؛ فباسم العدالة والإنسانية، أهيب بكل الجمعيات النسائية وغيرها أن تناصرنا وتمد إلينا يد المساعدة، مساهمة في أداء هذا الواجب الإنساني الجليل، بإيفاد مندوباتها للاشتراك معنا في هذا المؤتمر الذي قررنا عقده بالقاهرة ابتداء من 15 أكتوبر القادم سنة 1938م، وسنبحث به مشتركات "مشكلة فلسطين" وطرق معالجتها". كما وجهت نداء إلى سيدات مصر؛ تطالبهن فيه بالتكاتف والتعاون لإنجاح أعمال المؤتمر: "فباسم الإنسانية والدين والجوار؛ أناشد كل مصرية أن تعمل في دائرتها بكل ما تستطيع من حول للأخذ بناصر الحق، وإنّي لعلى يقين بأني سأفخر في الغد بما ستبذله بنات النيل لضيفاتهن الكريمات من المعاونة وحسن الضيافة والإكرام". ولم يكد النداء يذاع، حتى تدفقت طلبات الانضمام ورسائل التشجيع، من مختلف الأقطار العربية، ولبت النداء خمس وستون سيدة من الأقطار العربية، من العراق وسوريا ولبنان، منهن ثلاث وعشرون سيدة من فلسطين. ***** حين تحدثت "ساذج نصار"، في مقر "الاتحاد النسائي المصري"، في الخامس عشر من تشرين الأول 1938م، عن أسباب الحاجة إلى عقد مؤتمر نسائي، يناقش سبل دعم القضية الفلسطينية؛ أحسست أنها تحدثت بلسان بعض النساء الفلسطينيات، في مقر الاتحاد "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، في الحادي عشر من تشرين الأول 2006م: "لا أعتقد أننا كنا في زمن من الأزمان أحوج منا اليوم إلى عقد مؤتمر نسائي كهذا المؤتمر. فموقفنا شديد الحرج. فما أحرانا بالاجتماع والتداول والتفكير في اتباع خير الطرق، واختيار أنجع الوسائل لدفع هذا الخطر المحدق". يلتبس الزمان والمكان، وتختلط الأوراق بشكل فاجع، ونحن نقرأ كلمات السيدة "ماري رشيد كرم"، الموجهة إلى "مؤتمر نساء الشرق": "هل سمعت أيتها الأخت العزيزة أفظع من أن يقال لك: أخرجي أنت وأطفالك عراة حفاة جياعاً خارج البلد في العراءُ، ولك مهلة نصف ساعة! حتى ننسف بيتك وندكه دكاً من أساساته. وهو البيت الذي ولدت فيه وترعرعت في حجراته وورثته عن آبائك وأجدادك؟!" عن أيّ البلدان العربية تتحدث السيدة ماري؟! عن لبنان، أو العراق أو فلسطين؟! وإذا كانت تتحدث عن فلسطين؛ فأيّ الأعوام تقصد؟! عام الاجتياح الإسرائيلي لمناطق السلطة الفلسطينية 2002م، أم هذا العام 2006م، أم أنها تتحدث عما كان يحدث من فظائع منذ سبعين سنة ونيف؟! faihaab@p-ol.com http://www.miftah.org |