"شريعة الغاب" الصهيونية ـ الأميركية
الموقع الأصلي:
أسئلة وأسئلة إذا ما تمت الإجابة عليها "تطابقاًً" أو "تصادماً" مع القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة ، في ظل "التآخي والعناق القائمين بين المدن والقرى الفلسطينية والعراقية المحتلة" لا يمكن إيجاز هذه الإجابة إلا في دائرة واحدة مفادها "أن الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية تتعاملان مع الفلسطينيين والعراقيين وفق نهج سياسي يتطابق تماماً مع شريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات الاستعمارية التوسعية التي سادت العالم ما بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر". ففي إطار تلك الشريعة وتلك السياسات ، كان يحق لسلطة الاحتلال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضيها أو بيعها أو تأجيرها أو التنازل عنها لدولةٍ أخرى. ومع انعقاد مؤتمر بروكسيل عام 1874م وتمخضه عن اتفاقية خاصة بالطبيعة القانونية للاحتلال الحربي ، أُسقط هذا الحق عن دولة الاحتلال. وفي عام 1913م أوضح "الوجينر الفرنسي للقانون الدولي" ذلك في نصٍ واضحٍ جاء فيه "أن الاحتلال لا ينقل أي حقٍ من حقوق السيادة إلى القائم به ، لكنه ينقل بعض مظاهر ممارسة هذه السيادة فقط ، مع ضرورة الحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المحتلة من قِبل سلطة الاحتلال إلى حين زوال الاحتلال". وبمعنى آخر تتمتع سلطة الاحتلال – مثل الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية - بسلطةٍ مؤقتةٍ ومحدودةٍ ترتبط بشرط الضرورة لحماية الأمن والنظام فقط لا السيادة الشرعية. ومهما يطول الاحتلال "لا يجوز بحال من الأحوال ضم الأراضي المحتلة إلى أراضي سلطة الاحتلال أو إقامة حكمٍ مدني فيها". وَتَمَ تأكيد ذلك في المادة "47" من اتفاقية جنيف الرابعة في نصها القائل "أن الاحتلال الحربي حالة مؤقتة تنتهي مع إيجاد تسويةٍ سلمية بما يترتب على ذلك حتى التبعات القانونية". كما وأضافت المادتان الأولى والثانية من البروتوكول الإضافي لعام 1977 الملحق بالاتفاقية مزيداً من التأكيد في القول "أن السكان المدنيين والمحاربين يبقون تحت حماية ومفعول حياد القانون الدولي - لا القانون الإسرائيلي أو الأميركي - ويُطبق ذلك في حالة النزاع المسلح حين يناضل الشعب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال المعادي والأنظمة العنصرية ومن أجل حقه في تقرير مصيره" ، وهي أمور تم تثبيتها في ميثاق الأمم المتحدة وضمانها من قبل القانون الدولي. هذا في إطار الطبيعة القانونية للاحتلال الحربي ، أما بخصوص العدوان فإن "المعنى في قلب الشاعر" كما يُقال إذ أن كلمة العدوان تُعرف نفسها بنفسها. "فالعدوان عبارة عن اجتياح الأراضي من قبل دولة أو قوات أجنبية كغزو الأراضي بالطرق البرية أو الجوية أو البحرية أو اجتياحها أو قصفها أو محاصرة شواطئها ، وهذا ما ينطبق تماماً على الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية. وهذا التعريف ورد في معاهدة "بريان - كيلوغ" التي صدرت قبل أكثر من ثمانية عقود ، وأكده ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي تمَ توقيعه عام 1945 على خلفية الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وفيما يتصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين والعدوان الأميركي على العراقيين وفيما تتصاعد المطالبة بمحاكمة أشرار تل أبيب وواشنطن أمام محكمة دولية ، نستذكر ما جاء في المادة السادسة "أ" من الميثاق في تعريف نظام المحكمة الدولية للعدوان " إنه جريمة ضد السلام. أما جوهر العدوان فيتلخص في ضم أو اغتصاب أرض الغير ونهب واستعباد الشعوب الأخرى وإبادة السكان المدنيين بالجملة وإبعادهم وتهجيرهم". ووفقاً لأحكام القانون الدولي المعاصر تعتبر "أرض الدولة حُرمة لا تُمس ويجب أن لا تكون عرضة للاحتلال الحربي المؤقت أو للضم وبسط سلطة دولة أخرى عليها: وتُضيف أحكام هذا القانون "أن الشعب هو مالك أرضه وصاحب الحق الأعلى في التصرف بها". ونبقى في إطار العدوان فنضيف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عَرَّفت الفعل العدواني في ثماني موادٍ واضحة عام 1974 ننتخب منها فقرةً واحدةً فقط تنص على "أن التخطيط والتجهيز والإعداد لشن حرب عدوانية من قبل دولة على دولة أخرى جريمة ضد السلام تتنافى مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية" تماماً كما "أن جرائم القتل والإبادة الجماعية والتعذيب والتهجير والإبعاد والإرهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية تندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية" ، وهذا ما ينطبق على الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية في كل من فلسطين والعراق. وقد أرَّخَت "محكمة نورمبرغ" التي أنشئت بموجب اتفاقية لندن عام 1945 لمثل هذه الجرائم في القرن الماضي وفي مقدمها جرائم الحرب التي ارتكزت على انتهاك قوانين الحرب ، بانتظار أن يُصارَ إلى تشكيل محكمةٍ مماثلةٍ لتؤرخ للجرائم الصهيونية والأميركية في كل من فلسطين والعراق. نُذَكّر بأن نورمبرغ كانت العاصمة الروحية للرايخ الثالث. ولا يفوتنا أن نؤشر إلى أن كل ما يرتكبه جيشا الاحتلال الصهيوني والأميركي في البلدين العربيين يتنافى تماماً مع معاهدة فرساي 1919 واتفاقية لندن 1945 واتفاقيات جنيف 1949 والاتفاقية الخاصة بمنع وقوع جرائم الإبادة والمعاقبة عليها التي أقرت عام 1948 وأُدخلت حيز التطبيق عام 1951. فالاتفاقية الأخيرة تقول في مادتها الأولى بأن "الإبادة الجماعية بغض النظر عن ارتكابها في زمن السلم أو زمن الحرب تُعتبر جريمة تخرق قواعد القانون الدولي ، وتلتزم الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوعها ومعاقبة مرتكبيها في حال حصولها". من المعروف أن الدولة العبرية تحظى بسمعة طيبة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب عامة والولايات المتحدة الأميركية خاصة ، باعتبار "أنها جزء من هذا الغرب وامتداد حضاري له". وفي هذا الإطار يمكن الإقرار بأن مظاهر الديمقراطية وحقوق الإنسان تبدو في هذه الدولة اللقيطة واضحة في مجال محاسبة ومساءلة وإدانة الصهاينة رؤساء ومرؤسين عندما يتعلق الأمر بالفساد المالي والأخلاقي. ومسلسل المحاسبة والمساءلة والإدانة لكبار الموظفين والوزراء ورؤساء الحكومات والذي كان أبرز حلقاته مساءلة رئيس الوزراء السابق آرئيل شارون ونجليه يدلل على صحة ذلك. لكن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين تُركنُ الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها جانباً ، ويستعاض عنها بجميع الأدوات والآليات التي تكرّس العدوان وتخدم استراتيجية التوسع الاستعماري الاستيطاني. وما يُقال عن الدولة العبرية ينسحب تماماً على الولايات المتحدة الأميركية عندما يتعلق الأمر بالمسلمين عامةً والعرب خاصةً . ولعل ما حصل في أفغانستان وما هو حاصل الآن في العراق خير دليلٍ على ذلك!! فعندما يتوفر "التطابق" بين السياسات والاستراتيجيات الصهيونية والأميركية والقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة تُظهر الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية حرصاً بالغاً على هذه مجتمعةً أو منفردة. أما في حالة وقوع "التصادم" فتتجاهل الدولتان هذه مجتمعة أو ما يتصادم منها مع سياساتهما واستراتيجياتهما. وقد يصل الأمر حد التجاوز والتحدي السافر كما هو حال الدولة العبرية مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة الخاصة بقضية الصراع العربي ـ الصهيوني ، وكم هو حال الولايات المتحدة الأميركية مع المجلس والمنظمة أيضاً بخصوص عدوانها السافر والمستمر على العراق. ومما لا شك فيه أن القراءة المبسطة للمقتطفات المجتزأة من القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية والشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة التي تَمَ التعرض إليها سابقاً ومحاولة فهم كيفية تعاطي الدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية معها يُظهران لنا بكل يسر وسهولة مدى عمق"التصادم" الواقع وَحِدَتِهِ ، الأمر الذي يؤكد أنهما في تعاملهما مع الفلسطينيين والعراقيين تنطلقان من نهج شريعة الغاب وسياسات الإمبراطوريات التي سادت العالم بين القرون الوسطى ونهايات القرن التاسع عشر . فرئيس الحكومة الصهيونية أيهود أولمرت والرئيس الأميركي جورج بوش الابن وجهان "لعملة" هذه الشريعة وهذه السياسات التي تجاوزها الزمن وأصبحت من مخلفات العصور الغابرة. kawashmahmoud@yahoo.co.uk - مفتاح 2/11/2006 - http://www.miftah.org |