كيف نقرأ العدوان على بيت حانون؟
بقلم: عمر حلمي الغول
2006/11/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6268


لعلها الصدفة المحضة، التي ربطت بين بعض الاحداث التاريخية، والتطورات السياسية داخل دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلي وما يجري الآن على الارض الفلسطينية من جرائم ومجازر جديدة وخاصة اعادة احتلال بلدة بيت حانون منذ ثلاثة ايام وسقوط اكثر من خمسة وعشرين شهيدا واصابة ما يقرب من مائة وعشرين مواطنا فلسطينيا برصاص وقذائف وصواريخ قوات الاحتلال والعدوان الاسرائيلية.

والاحداث التاريخية هي الذكرى التاسعة والثمانون لاصدار وعد بلفور البريطاني باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والذكرى الخمسون لمجزرة كفرقاسم، واما التطورات السياسية داخل اسرائيل، فتتمثل في انعكاس هزيمة الدولة العبرية في الحرب السادسة امام حزب الله في لبنان في شهرا آب الماضي، وتشكيل لجنة التحقيق لتحديد مسؤوليات كل مستوى قيادي سياسي او عسكري في هذه الهزيمة، انضمام افيغدور ليبرمان، رئيس حزب اسرائيل بيتنا الى الائتلاف الحكومي، مع ما يحمله الوافد الجديد من دلالات فكرية عنصرية وسياسية يمينية متطرفة، وتراجع اخلاقي وقيمي داخل المجتمع الاسرائيلي، الذي ادعى ويدعي دوما انه مجتمع "ديمقراطي" ويحارب النزعات اللاسامية في العالم؟! وقبل ذلك اسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت من قبل الاذرع العسكرية لحركة حماس والوية الناصر صلاح الدين وجيش الاسلام، الذي بات الافراج عنه قاب قوسين او ادنى في ضوء المؤشرات الراشحة عن المعنيين بالتفاوض حول هذا الملف.

وبالتأكيد جرت في نهر التطورات السياسية مياه كثيرة داخل الدولة الاسرائيلية والساحة الفلسطينية ودول الاقليم والعالم، ما يملي على المراقب السياسي الافتراض ان لا يسقط عملية الربط بين الصدفة ومجموع الاحداث والتطورات السياسية، لا بل قد يجزم بأنها الصدفة الضرورة.

ومع ذلك فإن القراءة للعقلية السياسية الاسرائيلية تبدو سطحية وفيها شيء من التبسيط لسبب رئيسي، يعود لمحاولة الكثير من المراقبين ان يحصر العدوانية الاسرائيلية بردود فعل على احداث وتطورات جرت هنا او هناك تمس هذه الحكومة او تلك. فما لا شك فيه، ان لكل قيادي اسرائيلي رؤيته واجندته الخاصة وطريقته واسلوبه الذي يميزه عن اي قيادي آخر، وهذا له صلة عميقة بدور الفرد القائد في صناعة الاحداث، ولكن الفرد ومهما عظم دوره لا يمكن ان يكون فوق المؤسسة، والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بصرف النظر عن تلاوينها ومكوناتها الحزبية والسياسية تعمل وتنفذ سياساتها، انطلاقا من الربط العميق بين الاهداف الاستراتيجية للحركة الصهيونية واداتها الدولة الاسرائيلية والعمليات السياسية التكتيكية، بهدف استثمار التطورات السياسية كشماعات تعلق عليها تطبيق جرائمها المتواصلة ضد الشعب العربي الفلسطيني وكل شعوب الامة العربية والشعوب والدول الاسلامية، والهدف الاستراتيجي للدولة الاسرائيلية في تبديد وتصفية القضية والمقاومة والهوية الوطنية الفلسطينية، ووأد اي عملية نهوض قومية عربية، وخنق اي توجهات اسلامية معادية للدولة الاسرائيلية.

في هذا السياق تندرج عملية اعادة احتلال بلدة بيت حانون، فرغم اهمية التطورات السياسية، التي ورد ذكرها وتعتبر مؤشرات في قراءة السياسة الاسرائيلية لكن المؤشر الاساسي يكمن في الهدف الاستراتيجي، ومن يعود للخلف قليلا منذ اقامة السلطة الوطنية في العام 1994 سيجد ان اسرائيل نفذت العديد من اشكال العدوان، التي لم تكن جميعها عدوانا عسكرية، لا بل ان العديد منها كان حصارا امنيا وسياسيا وديمغرافيا واقتصاديا، وعدم تنفيذ الاستحقاقات التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الفلسطيني، ومصادرة وتهويد الاراضي والقدس وبناء جدار الفصل والضم العنصري والاعتقال للمناضلين قيادات سياسية ومواطنين عاديين.. الخ.

اذاً العدوان الاسرائيلي الاجرامي على بلدة بيت حانون يندرج في هذا المسار، وهذا يدلل مجددا على ان اسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الاميركية لا ترغب في استمرار العملية السياسية التسووية، وتعمل بكل الوسائل والسبل على ابقائها في حالة موت كلينيكي، فهي موجودة في غرفة العناية المركزية دون حراك ودون ان تعلن اسرائيل تخليها عنها، ولكنها على الارض ويوميا تمارس جرائمها العدوانية والعنصرية ضد كل ابناء الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق ما اعلنه ديوان رئيس الحكومة الاسرائيلية قبل اسبوعين، وهو موت القضية الفلسطينية!

استنادا لما تقدم، يفرض الواجب على المراقب السياسي، ان يقرأ السياسة الاسرائيلية انطلاقا من المحددات الاستراتيجية دون نفي دور التطورات السياسية، التي يستخدمها كذرائع وحجج لتنفيذ المخططات العدوانية وفق سياسة ممنهجة تحكم كل القيادات والاحزاب والحكومات يمينية او يسارية او ايا كانت صفتها.

http://www.miftah.org