ثلاث معضلات أمام حكومة الكفاءات
بقلم: رولا س.
2006/11/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6275


تبرز لدى مناقشة طرح تشكيل حكومة كفاءات فلسطينية ثلاث معضلات أساسية، الأولى ذات صلة بالبرنامج السياسي لهذه الحكومة؛ والثانية بطبيعة الشخوص الذين سيشكلونها وستسند إليهم الحقائب الوزارية؛ أما الثالثة فهي ذات صلة بعدم توضيح السلبيات التي قد تنشأ نتيجة تشكيل حكومة الكفاءات.

ففي الوقت الذي تنهال فيه الآراء والتحليلات السياسية لتدعم تارة تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولتدعم تارة أخرى تشكيل حكومة كفاءات، يبقى تفحص الإشكاليات التي قد تقف حجر عثرة أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات ذو أهمية كبيرة، خاصة في ظل الاحتقان المتزايد في الساحة الفلسطينية.

وما دامت الأنظار تتجه في الوقت الحالي نحو تشكيل حكومة الكفاءات، وما دام هذا الطرح يلقى دعماً وتأييداً لا بأس به من الأطر والفصائل الفلسطينية، وتقابله "حماس" بتردد يصب لصالح تغليب تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن التوضيح الوارد في الأسطر التالية سينصب على فكرة تشكيل حكومة الكفاءات ليناقشه من جوانب ثلاثة من الممكن أن تشكل معضلات وعقبات أساسية أمام إحراز تقدم حقيقي في هذا الاتجاه.

المعضلة الأولى: البرنامج السياسي

من المتعارف عليه في الفقه السياسي أن تحمل الحكومات التي يتم تشكيلها في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات برنامجاً محدداً وواضحاً يتضمن منطلقات أساسية مبنية على توجهات فكرية معينة قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو مزيجاً من عدة برامج مختلفة. وتسعى كل حكومة عبر ما تملكه من صلاحيات تنفيذية وسلطات إدارية إلى تطبيق هذا البرنامج، وذلك بحسب المعطيات الداخلية التي تحكم كل نظام سياسي، بحيث تنطلق كل حكومة من هذا البرنامج، وتبني على أساسه خططها الاستراتيجية العملية طيلة فترة بقائها في الحكم.

وبما أن العمل السياسي يحتل في الحالة الفلسطينية جانباً كبيراً من حيز العمل الحكومي، بل ويعتبر في كثير من الأحيان أساساً لممارسة أعمال السيادة والسلطة السياسية، فإنه يصبح غير ذي منطق نزع الصلاحيات السياسية عن الحكومة، إلاّ في حالة قبول الطرف المشكل للحكومة لهذا الأمر. وإن كان التوجه العام لدى الحكومة هو قيامها بمهام غير ذات صلة بالعمل السياسي، فتكون الحكومة حينها، وفي أحسن الأحوال، أقرب ما يكون إلى حكومة تصريف الأعمال ذات المهام الشكلية، بحيث ترتضي لنفسها بتوافق سياسي داخلي معين القيام بمهام تسيرية بحتة.

وبما أن واقع الحال الفلسطيني يشهد تباعاً دعوات مكثفة لجهة تشكيل حكومة كفاءات، تناط بها مهام سياسية وتنفيذية تنطلق من برنامج سياسي يختلف عن برنامج الحكومة الحالية تحت عنوان الخروج من أزمة الوضع الراهن، فإنه من الضرورة بمكان توضيح البرنامج السياسي الذي سيتم الاستناد إليه، وهل سيلقى دعماً من الأغلبية البرلمانية في المجلس؟ وهل سيستند إلى وثيقة الوفاق الوطني (الأسرى)؟ أم سيستند إلى برنامج منظمة التحرير؟ أم سيكون شيئاً جيداً؟ أم سنتفاجأ بأن حكومة الكفاءات هي بلا برنامج سياسي؟؟

بنقاش الأسئلة أعلاه، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار عدداً من المعطيات التي أهمها أن دعم الأغلبية البرلمانية لأية حكومة مقبلة سيكون مرتبطاً بما ستقوم به تلك الحكومة من دور سياسي، والذي يبدأ بالبرنامج الوزاري الذي ستعرضه على المجلس التشريعي لتنال الثقة على أساسه، ذلك أن تمرير الحكومة بالبرنامج الذي ستطرحه سيُحسب حتماً على الأغلبية البرلمانية التي تقودها "حماس"، وسيعني موافقتها على ذلك البرنامج، وسيعني أيضاً مباركتها له وقبولها به.

وبما أن "حماس" قد أعلنت محدداتها لأية حكومة مقبلة منطلقة من ضرورة اعتماد وثيقة الوفاق الوطني كأساس برنامجي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا ما كانت هنالك إمكانية لاعتماد وثيقة الوفاق كأساس لبرنامج سياسي لحكومة كفاءات، فلماذا لا يتم اعتماده كأساس لبرنامج لحكومة وحدة وطنية؟! والذي يبدو من خلال المعطيات السياسية الحالية، ومن المؤشرات الصادرة عن حركة "فتح" أن برنامج الوفاق الوطني قد تم تجاوزه فعلاً. ما يعني سد الآفاق، وتقليل الخيارات، وتضيق حيز المناورة أمام "حماس"، الأمر الذي يدفع بالنتيجة باتجاه طرح برنامج منظمة التحرير الفلسطينية بديلاً عن تطبيق برنامج "حماس"، تلك النتيجة التي لم ولن ترضَ بها "حماس"، على الأقل في المدى القريب، فالاختلاف الأساسي بين "حماس" و"فتح" هو اختلاف برامجي قبل أي شيء، واختلاف على طريقة إدارة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وأية حكومة ستلتزم ببرنامج المنظمة، لن تنال الثقة من المجلس التشريعي، خاصة وأنه تتوفر لـ "حماس" الذرائع كافة لتحجب الثقة عن حكومة مماثلة، فما الذي سيدفع "حماس" إلى قبول برنامج المنظمة وهي غير ممثلة فيها وغير منضوية في إطارها، والصراع القديم بين "حماس" والمنظمة لا يزال ماثلاً في الأذهان؟! ناهيك عن أن "حماس" تطالب قبل كل شيء بإصلاح المنظمة وتفعيلها. فضلاً عن أن حماس كانت قد أعلنت مراراً أنها تقبل بإحالة الملف السياسي للرئيس محمود عباس بصفتيه الاعتباريتين كرئيس للمنظمة ورئيس للسلطة الفلسطينية.

إن مشكلة البرنامج السياسي هي مشكلة عقائدية بالنسبة لحركة "حماس"، ونتائجها ستكون وخيمة وسلبية على الحركة، ففي أحسن الأحوال، وإذا ما قبلت "حماس" ببرنامج المنظمة، فهذا يعني شق الحركة وضربها في جذورها العقائدية والفكرية التي تقوم عليها، وهذا ما تخشاه "حماس".

وبالنتيجة، فإن شكل وطبيعة البرنامج السياسي لحكومة الكفاءات يشكل بلا أدنى شك عقبة جدية أمام تشكيل هذه الحكومة، وإذا ما تم تجاوزها، فإن ذلك يعني فتح المجال مجدداً أمام التفاوض بشأن حكومة وحدة وطنية، وعندها تنتفي الحاجة إلى تشكيل حكومة كفاءات.

المعضلة الثانية: شخوص حكومة الكفاءات

يعني تشكيل حكومة كفاءات، تولي طبقة من المهنيين والفنيين والخبراء والأكاديميين والمتخصصين من ذوي التوجهات المستقلة مهام وزارية، يشكلون مجتمعين ما تعرف بحكومة الكفاءات الفلسطينية. ما يعني أن تشكيل حكومة الكفاءات يستوجب توفر شرطين أساسيين، الأول توفر الخبرة المهنية في مجال التخصص الوزاري، والثاني الاستقلالية السياسية.

وبما أن الشعب الفلسطيني يعج بالكفاءات وبذوي المهارات العلمية العالية، فلن يشكل العثور على مثل هذه الكفاءات معضلة، فيتحقق بذلك الشرط الأول. غير أن المشكلة الأساسية تكمن في الشرط الثاني الذي يستوجب على كل كفاءة من الكفاءات الوزارية استقلالية وحيادية سياسية تامة وهو ما قد يكون من الصعب تحققه. فالشعب الفلسطيني، وكما هو معرف عنه، يضم بين فئاته أكبر نسبة من المتعلمين والخبراء، بالإضافة إلى أنه من أكثر الشعوب تسييساً وارتباطاً بالسياسة، ومن الصعوبة بمكان أن يُجزم بتوجهاته السياسية الفصائلية. فحتى وإن كان "رجل الكفاءات" غير منتمٍ حزبياً، فسيكون متعاطفاً سياسياً مع حزب دون الآخر.

ورجال الكفاءات المستقلون، إن وجدوا فهم قلة، هذا فضلاً عن أنهم وعلى فرض استقلاليتهم، سيكونون عرضة لاستقطاب حاد من قبل أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية، ما قد يعيق عملهم بصورة حقيقية، خاصة في ظل غياب امتداد قاعدي وثقل شعبي لهم على الأرض.

علاوة على أن مهام الوزراء في هذه الحالة هي مهام ووظائف تنظيمية ومؤسسية، محورها تنظيم وتنسيق الأعمال والأدوار الوظيفية على المستوى الداخلي. وبموجب هذا الطرح لا يشمل دور الوزير أي دور سياسي، فالوزير النموذجي، هو القادر على أن يبلغ الحد الأقصى من الفاعلية المؤسسية البنيوية، وهو القادر على إيجاد التواصل اللازم لتسويه التوترات التي تنشأ من الحاجة إلى تنسيق الأعمال والأدوار الوظيفية داخل وزارته لا أكثر. وهو ما يتنافى مع مسألة مهمة ترى في المنصب الوزاري منصباً سياسياً أكثر منه تنظيمياً. فالوزير هو أكثر من منسق تنظيمي، ورغم أن القيادة التنظيمية الإدارية تؤثر اليوم تأثيراً عميقاً في القيادة السياسية إلاّ أنها مع ذلك لا تحل محلها.

المعضلة الثالثة: سلبية تشكيل حكومة الكفاءات

رغم ما لحكومة الكفاءات من إيجابيات، ورغم مناقبها العديدة، فإن ما يسمى بـ " شبكة الأمان " التي ستحظى بها هذه الحكومة سيكون لها بعض السلبيات التي ينبغي الالتفات إليها، لما لها من تداعيات جدية على الساحة الفلسطينية. ومن أبرز هذه السلبيات؛ تهميش دور المجلس التشريعي في مواجهة الحكومة، وتعطيل مهامه الرقابية القائمة على المساءلة والمحاسبة، بحيث تباشر الحكومة المهام والصلاحيات التنفيذية دون أيّ رقيب أو حسيب. الأمر الذي من شأنه أن يفتح المجال أمام الحكومة لانتهاج سياسات، واتخاذ قرارات حاسمة، وأخرى خطيرة قد تطال بنية النظام السياسي الفلسطيني برمته.

هذا فضلاً عن إخراج " حماس" من معادلة التأثير في السلطة السياسية، لا بل وإخراجها من المشهد السياسي برمته عبر إقناعها بالتخلي عن الحكومة، وشل عملها في المجلس التشريعي، تحت مسمى شبكة الأمان.

ومن غير المتوقع أنه فيما لو انتهى "عام الأمان"، أن تنجح مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنية، إذ ستتعزز مراكز القوى الرافضة لها أكثر خلال ذلك العام، وسيكون من غير المقبول أن تطالب "حماس" حينها برفع شبكة الأمان عن الحكومة بعد انتهاء المدة الممنوحة لها، بحيث ستكال لـ"حماس" حينها اتهامات بتعطيل عمل الحكومة ومحاولة إفشالها والعودة بالوضع إلى ما كان عليه وإلى ما قبل تشكيل حكومة الكفاءات، وستعود حالة من الاحتقان لتسود الأجواء من جديد. وبالنتيجة، سيجد المجلس التشريعي نفسه وقد فقد دوره الرقابي تماماً، طيلة ولايته البرلمانية، تحت سيف حكومة الكفاءات، وأنه قد وقع تحت طائلة التهديد بالعودة إلى حالة ومرحلة الحصار السياسي والاقتصادي.

وعليه، فإن خيار حكومة الوحدة الوطنية، كان وسيبقى، أهم الحلول المطروحة والجديرة بالبحث وتكثيف الجهود حولها للخروج من عنق الزجاجة، دون تبديد الجهود وتشتيتها في مبادرات تتجاوز وثيقة الوفاق الوطني محل الإجماع الفلسطيني. خاصة وأن حكومة وحدة وطنية ينضوي في إطارها وزراء من الحركتين الكبريين، " فتح" و"حماس"، سيخلق أجواء من الثقة والتنافس الإيجابي في عمليات الإصلاح والبناء بما يخدم المصلحة الفلسطينية أولاً وأخيراً. - مفتاح 6/11/2006 -

http://www.miftah.org