أبو عمار الرئيس الراحل والمؤسسة الباقية
بقلم: د.احمد مجدلاني
2006/11/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6282


بعد أيام قليلة تحل الذكرى الثانية لرحيل قائد الشعب الفلسطيني ورمز نضاله ومؤسس ومطلق هويته الوطنية المعاصرة ، ومنذ غيابه المبكر طرح على المجتمع والحياة السياسية الفلسطينية جملة من الأسئلة والتحديات التي لم يكن من المكن نقاشها في حياته ، نظرا للشخصية الكاريزمية التي يمتلكها وللدور التاريخي الذي لعبه في تفجير الثورة الفلسطينية المعاصرة ، ولخط الاعتدال والواقعية السياسية الذي قاده في إطار منظمة التحرير الفلسطينية طيلة سنوات قيادته والتي حقق عبر هذا الخط ومن خلال الالتفاف السياسي الذي توحد خلفه من القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية الحية والفاعلة، العديد من الإنجازات السياسية الهامة والتي أحدثت نقلة نوعية في مستوى التعاطي مع القضية الفلسطينية بدءا من الاعتراف العربي والعالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وانتهاء بالمفاوضات المباشرة مع حكومة الاحتلال والتي قادت إلى قيام أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية في التاريخ المعاصر .

هذه الشخصية الكاريزمية والمؤثرة والتي طغت بدورها على المؤسسة السياسية الفلسطينية رغم التنوع والتعدد التي تميزت بها ، إلا أن هذه الشخصية أيضا وبما امتلكته من إمكانيات خاصة استطاعت من أن تشكل أداة موحدة وقاسما مشتركا أعظم ما بين الجميع ، وعندما كان يتفجر الصراع الخلافي على أية قضية فإنه كان بمنأى أن يجري الصراع عليه، بل أن يكون معه وعلى الموقف والمسائل المحددة بالخلاف .

ولكن ورغم ذلك فقد جرت في سياق هذا الصراع المرير والطويل الذي خاضته الحركة الوطنية الفلسطينية لتثبيت الحقوق الوطنية الفلسطينية ومن ثم انتزاع مكاسب جديدة والمراكمة عليها أن طرحت وفي كل المنعطفات التي واجهتها، قضية الإصلاح الديمقراطي داخل اطر منظمة التحرير الفلسطينية ،وفيما بعد في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية ، وقد خيضت معارك طويلة وقاسية مع الرجل في حياته من اجل دمقرطة المؤسسة وإبعادها عن تفرد الفرد وهيمنة التنظيم الواحد ، ولم يخل الصراع في فترات تاريخية معينة تميزه في أحيانا كثيرة بطابعه الديمقراطي والسلمي ، وأحيانا أخرى بطابعه العنفي والذي كان يطلق عليه الرئيس الراحل وعلى سبيل المفاخرة والمباهاة بديمقراطية البنادق ، لكن ورغم كل هذا وذاك لم يكن الخيار الانقلابي العسكري طريقا معترفا به ومقرا في الوسط السياسي الفلسطيني ليس لمعالجة الشأن الداخلي فحسب ،وإنما وهو الأهم كمخرج وطريق لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني رغم كل تعقيداته ومشاكله . لقد رحل الرجل عنا وبكل ما حملته مرحلته وقيادته من إنجازات تسجل له وأهمها انبعاث الهوية الوطنية الفلسطينية التي كانت مهددة بالاندثار والتعثر والمصادرة ، إلى تأسيس كبانية وطنية على الأرض الفلسطينية . لقد رحل الرجل عنا ورغم أيضا ما حملته مرحلته من انتقادات بالهيمنة والتفرد وسوء الأداء أحيانا أخرى ، إلا انه ورغم كل هذا وذاك قد ترك وراءه مؤسسة سياسية تمتلك مخزونا هائلا من الأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة السياسية الفلسطينية وسمحت لانتقالا سلميا وسلسا للسلطة فيها سواء في إطار منظمة التحرير الفلسطينية أم في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية ، وهذه الأنظمة والقوانين وبصرف النظر عن حالة المؤسسة التي خلفها الرئيس الراحل من جهة فاعليتها ودورها وكفاءتها، إلا أنها ضمنت انتقالا سلسا وسلميا للسلطات من بعده في إطار المنظمة والسلطة ووجهت أكثر من رسالة في آن واحد ، الأولى: للمجتمع الفلسطيني وهي رسالة طمأنة من التخوفات التي دأبت بعض الأوساط على الترويج لها بان حربا أهلية ستقع بعد رحيله وصراعا متفجرا على السلطة سوف ينشب وحالة ما ستتولد شبيهة بالحالة التي عاشها الصومال من ستة عشر عاما وللآن . هذه الرسالة التي أكدت سلامة المؤسسة في المنظمة والسلطة وبالقدر الذي أعطت الاطمئنان للشعب لكنها من جهة أخرى أشارت إلى طابع الاستمرار والتواصل والمراكمة على ما تم إنجازه .

والرسالة الثانية : التي أبرزتها وهي موجهة للمجتمع الدولي والعالم العربي بان المؤسسة السياسية الفلسطينية من خلال تمسكها بالقوانين المنظمة لعملها سوف تكون وفية وقادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية والإقليمية والعربية ، وهي قادرة وتطالب المجتمع الدولي والأشقاء العرب على مواصلة جهودهم لدعم لمواصلة جهود إعادة البناء والأعمار من جهة ودحر الاحتلال من جهة أخرى .

لكن الرسالة الأهم من كل هذا وذاك هو التأكيد على أن لا خيار في هذه العملية التي فتحت بعد غياب الرئيس سوى طريق الديمقراطية ، وطريق الانتخابات ليقرر الشعب الفلسطيني ووفق خياراته الحرة قيادته ، وهو الطريق الأسلم والأقصر الذي ينبغي أن يقود نحو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني برمته ليتيح المجال لإشراك ومشاركة قوى حية وجديدة في المجتمع الفلسطيني في صنع وصياغة القرار السياسي والوطني فيه ، وتتحول إلى لاعب ايجابي من داخله بدلا من تصير لاعب سلبي من خارجه.

لقد كان إجراء الانتخابات الرئاسية في التاسع من شهر كانون الأول من العام 2005 ووفقا للقانون الأساسي هي خطوة حاسمة ومهمة على طريق تأكيد الخيار الديمقراطي ولقد تعزز هذا الخيار أيضا بإجراء الانتخابات التشريعية الثانية في الخامس والعشرين من كانون الأول من العام الجاري ، ورغم نتائجها المفاجئة فإن عملية انتقال وتداول السلطة التي جرت بشكل سلس وديمقراطي في مؤسسات الحكومة لم تقدم مؤشرات هامة فقط وإنما برهنت بالملموس كمنهج وطريق عمل أن المؤسسة باقية ولا يمكن أن تحل محلها مكانة الرئيس مهما بلغت شخصيته الكاريزمية ودوره التاريخي .

إن الحرص والمسؤولية التي تحلت بها الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادة حركة فتح لغاية الآن في تامين هذا الانتقال السلمي والهادىء للسلطة والذي أضاف رصيدا قويا لهذه القيادة من الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي يجب أن يتواصل ، أولا بتجاوز حركة فتح لخلافاتها وصراعاتها الداخلية وصولا لعقد مؤتمرها العام التاسع ، وثانيا في مواصلة طريق الديمقراطية لإعادة بناء وتطوير النظام السياسي الفلسطيني .

كما أن هناك مسؤولية كبيرة أمام التيار الديمقراطي الفلسطيني العريض بمختلف تلا وينه واتجاهاته وتشكيلاته التنظيمية ، هذه المسؤولية للإعلان عن نفسه أولا كتيار مستقل له برنامجه الخاص، وليأخذ مكانته في الحياة السياسية الفلسطينية في مواجهة الاستقطاب الجاري مابين حركة فتح من جهة وتيار الإسلام السياسي أيضا بمختلف تعبيراته وتكوينا ته التنظيمية من جهة أخرى . إن هذا التعبير له ضرورته الاستراتيجية ليس من قبيل الوقوف على مسافة متساوية من كلا القطبين وإنما أيضا من خلال بناء القوا سم المشتركة في إطار م.ت.ف لتحقيق أهداف شعبنا وحماية وتعزيز المكاسب والمنجزات التي راكمها بنضاله وتضحياته ، ولضمان الممارسة الديمقراطية في الحياة السياسية والمجتمعية الفلسطينية ، وليشكل احد الضمانات الأساسية لمواصلة مسيرة الإصلاح والتغيير وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من موقع المسؤولية والمشاركة.

إن مستقبل القضية الفلسطينية وضمان تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة لا يتم إلا بإتباع نهج الديمقراطية كبديل أكيد وحيوي للنظام السياسي الذي أسسه الرئيس الراحل والذي لا يمكن لأي احد كان مهما علت قيمته وكبر وزنه أن يرث هذا النظام منه أو يعيد إنتاجه - مفتاح 8/11/2006 -

http://www.miftah.org