مواصفاتهم تحتلهم
بقلم: حسن البطل
2006/11/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6293


نعرف ماذا ينتظر الإسرائيليون من الفلسطينيين، بعد عرفات: قيادة جديدة تنطبق عليها مواصفاتهم لقيادة "مقبولة ومسؤولة". نعرف، مسبقاً، أننا سنخيّب آمالهم، مرة أخرى، سلباً أو إيجاباً. سنفاجئهم مرة أخرى، مفاجأة مُرّة أو مفاجأة حلوة. للإسرائيليين مواصفاتهم للشتات (الدياسبورا)، للمذبحة (بوغروم)، للإبادة (هولوكوست وجينوسايد).. وحتى للوعد الإلهي، للميثولوجيا والايديولوجيا.. للشعب، للدولة.. وبالطبع، للديمقراطية، وللفوضى كذلك. الفلسطينيون خارج مواصفاتهم. مشكلتهم مع ياسر عرفات لا تتعدى كونه خرج عن مواصفاتهم للزعامة (البنغوريونية، البيغينية) ومشكلتهم مع الكفاح الفلسطيني أنه خارج مواصفاتهم للحركات السرية اليهودية. ومشكلتهم مع الدولة الفلسطينية أن لها منهاجها الآخر لموقع المرحلي من الاستراتيجي. التسوية من السلام.

ما هي مشكلتهم مع الشعب الفلسطيني؟ (وهي مشكلة مشاكلهم). هل انه يموت بحساب حيث يتوقعون أن يموت جزافاً، أو يموت جزافاً حيث يتوقعون أن يموت بحساب؟ أو يتناسى ولا ينسى؟ أنه يقبل حيث يفترضون أن يرفض، ويرفض حيث يتوقعون أن يقبل؟ إنه يتجلد حيث يتوقعون أن ينفجر، وينفجر حيث يتوقعون أن يرضى؟! لا توجد علّة في مواصفات الشعب الفلسطيني، بل مكمن العلّة مواصفاتهم له: التاريخية لعروبته الزائدة حيناً، ولوطنيته الزائدة حيناً، لانتشاره القسري (وتعامله مع الانتشار) ولتمركزه الاختياري (وتعامله مع هذا التمركز).. والآن، لتعلقه الزائد بكفاحه "الانتحاري"، ومن قبل انتفاضته الحجرية الغريبة، ومن قبل كفاحه الفدائي الفريد.

لو أن الشعب الفلسطيني، وحركته الوطنية، وقيادته لم تخيب مواصفاتهم منذ اللجوء الكبير النكبوي، الى العودة المحدودة، لما صار الفلسطينيون هم عدوهم المركزي، ولما صار السلام معهم هو السلام المركزي مع هذه المنطقة العربية وشعوبها. هم، في المقابل، لم يفاجئونا بشيء. لا بشروط حروبهم ولا بشروط سلامهم، ولا بتمسكهم بمواصفاتهم لما ينبغي علينا أن نكونه حتى نصير شعباً، وبما يجب علينا أن نكونه ليستحق هذا الشعب دولة، وبما يجب أن يتوفر في القيادة حتى تكون شريكاً: مقبولاً، معقولاً.. ومسؤولاً جديراً بمواصفات القيادة، الجديرة ببناء مواصفات الكيانية الفلسطينية، الملائمة لمواصفات السلام.. أو حتى جديراً بمواصفات حقوق الميت في قبره.

كانت أوسلو بداية مغامرة إسرائيلية في ولوج مواصفات أخرى والبحث عن توافرها لدى الفلسطينيين، أي شروط "الشراكة" حسب مواصفاتهم بالطبع (ثلاث مراحل تنتهي الى سؤال الوضع النهائي). عندما وصلنا معهم عتبات المرحلة الثالثة، اكتشفوا ان شروط "الشراكة" ليست وفقاً لمواصفاتهم. مغامرة "القفزة الكبيرة" في كامب ديفيد كانت بداية بحثهم عن مواصفات "المساواة". كيف يجب أن تكون فلسطين وفقاً لمواصفات إسرائيل. هذه كانت المرحلة الأصعب، لأن الولايات المتحدة ما لبثت، بعد "مفاجأة" الانتفاضة الثانية، ان صارت لها مواصفاتها للخير والشر، للديمقراطية والديكتاتورية، للأكذوبة والحقيقة، للفساد والنقاء.. ومن ثم للقيادة المسؤولة التي تنطبق عليها شروط الشراكة ومواصفاتها.. وإلاّ فهي "غير ذات صلة". حصار الرئيس في "المقاطعة" ثلاث سنوات فشل في جعله "خارج الموضوع". لا أعرف هل كان يبتسم، خارجاً من المقاطعة، لأنه يعرف كيف ستكون مشكلتهم، في غيابه، مع "الموضوع"، وان مواصفاتهم "لما بعد عرفات" لن تتحقق بدورها، كما لم يحقق لهم الفلسطينيون مواصفات "العدو" و"الشريك".. لا مواصفات "الفوضى" ولا مواصفات "الحرب الأهلية".. ولا مواصفات "صراع الورثة". قد يعتقد البعض أن شارون اختار مواصفاته الملائمة لـ"فك الارتباط" نظراً لغياب مواصفات الشريك "المسؤول"، أو تملصاً من تبلور مواصفات "خارطة الطريق" الى مواصفات "وثيقة جنيف". ربما هذا الاعتقاد غير صحيح، منذ تكشف له، في حرب لبنان، ان مواصفات نتيجة الحرب الساحقة ضد الفلسطينيين لم تنطبق عليهم، وان الانتفاضة الأولى كانت أخطر على إسرائيل من الكفاح المسلح، والمفاوضات مع "الشريك" الفلسطيني كانت أصعب عليها من الانتفاضة.

كل ما في الأمر ان الشعب الفلسطيني ليس خارج المواصفات لأي شعب حي، وليس خارج القانون الصحيح للشعب الحي، الذي هو قانون "الاستجابة والتحدي". يقولون: مات رابين، فتعثرت التسوية. مات عرفات فانفتحت أبواب التسوية. هذه مواصفاتهم.. أيضاً.

الأيام (11/11/2006).

http://www.miftah.org