وانعقد مجلس الأمن!!
بقلم: محمود الهباش
2006/11/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6294


عشرة أيام مرت تقريباً على العملية العسكرية "غيوم الخريف" التي أطلقتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولـمرت ضد قطاع غزة، وتحديداً منطقة شمال غزة، وأكثر من 4 أشهر مرت على "أمطار الصيف" تلك العملية التي وقعت بعد أَسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت في الخامس والعشرين من حزيران الـماضي، ودون أن تحقق البوصلة الإسرائيلية ما تريده، سوى حصد الـمزيد من الكراهية والخيبات. عملية "غيوم الخريف" التي زحفت نحو شمال قطاع غزة، سجلت انتهاكاً إسرائيلياً فاضحاً بحق الفلسطينيين، وأضافت نقطة سوداء في سجل إسرائيل القاتم، ذلك أنها خلّفت أكثر من 80 شهيداً وما لا يقل عن 350 جريحاً، في حين ضرب بلدة بيت حانون التي وقعت فريسة لتلك العملية العسكرية، زلزال على مقياس "مليون ريختر"، ما حدا بكل من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية لاعتبار بيت حانون منطقة منكوبة، وضخ مبلغ 2 مليون دولار من مؤسستي الرئاسة والحكومة لهذه البلدة. ولعل هذه العملية جاءت في وقت يعاني فيه الائتلاف الحكومي الإسرائيلي من حمّى الانهيار، ما جعل أولـمرت يستنجد بالفاشي والعنصري رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، لتقوية ائتلافه وزيادة رصيده من التطرف، عبر كسب 11 مقعداً تضاف إلى 67 من أصل حوالي 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي.

العملية العسكرية "غيوم الخريف" تبدو متدحرجة ومفتوحة زمانياً، في حين أنها تعيد إلى الأذهان ما كان صرّح به رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون قبل إطلاق سراح عملية السور الواقي التي وقعت أواخر آذار 2002، بأن تلك العملية تأتي ضمن جملة من الـمراحل والعمليات الـمتدحرجة، وأن الهدف منها هو منع ووقف العمليات الاستشهادية التي تحدث داخل الخط الأخضر. ثمة مقاربة شديدة بين عملية السور الواقي، التي التهمت الضفة الغربية، عبر اجتياحها وتقطيع أوصالها وفرض الإقامة الجبرية عليها وإعادة احتلالها، وبين عملية "غيوم الخريف"، خصوصاً أن أولـمرت يكمل نفس سياسة ومشوار الـمحتضر شارون. هذا الأخير تذرع بالعمليات الاستشهادية طعماً لفتح شهيته ضد الضفة الغربية، وحتى يرسم جدار الفصل العنصري ويثبته هناك على الأرض، والذي بالفعل بدئ ببنائه بعد انتهاء السور الواقي بأسابيع قليلة، فضلاً عن قطع الطريق أمام مبادرة السلام العربية التي أخرجتها القمة البيروتية خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية، وتصدير عمليات جاءت لتنسف جهود الرباعية الدولية وخارطة الطريق وكل ما يتصل بتسوية سياسية سلـمية. إضافةً إلى ذلك، قام شارون بتوسيع حكومته الائتلافية وضخ عناصر يمينية متطرفة فيها أمثال كتلة الـمفدال وغيشر، لتمرير مخططاته أحادية الجانب.

على أنغام تلك السمفونية نفسها فعل أولـمرت، حيث تذرع هو الآخر بوجود الصواريخ التي تقصف البلدات الإسرائيلية الواقعة جنوباً، وهو لا يريد من ذلك سوى أن يكون "دراكولا"، بحيث يسعى إلى رفع رصيده السياسي عبر إراقة الدم الفلسطيني وقطع الطريق أمام أي توافق فلسطيني داخلي وأمام أية حكومة مرتقبة قد ترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وتؤدي إلى إعادة إطلاق العملية السياسية. فضلاً عن ذلك، ولكي يعزز من قوته وصموده أمام منافسيه ومعاديه، سعى أولـمرت بفكرة توسيع ائتلافه الحكومي، حتى يكون أكثر يمينيةً وتطرفاً ومنسجماً مع طبيعة النزعة الإسرائيلية العدائية للسلام.

ورغم عملية "غيوم الخريف" وارتفاع كلفتها في شمال قطاع غزة، إلا أنها أثبتت فشلها بشهادة الجيش الإسرائيلي، الذي أكد أن هذه العملية لـم توقف الصواريخ الفلسطينية على البلدات الإسرائيلية. وكعادتها لا تستطيع إسرائيل أن تنتقم لنفسها ولفشلها وأن تمارس سياسة ضبط الهزيمة سوى بارتكاب الـمزيد من الـمجازر والحماقات وتصدير الأزمة إلى الـمواطنين الـمدنيين وبشكل صاخب. فما حدث في بيت حانون مجزرة مروّعة وجريمة لا تحتاج فقط إلى خطاب التنديد والإدانة وإنما إلى التحرك على كافة الـمستويات لـمحاسبة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة ضد الحالة الفلسطينية.

فقط في يوم الأربعاء الأسود الـماضي، استشهد ما لا يقل عن 27 مواطناً وعشرات الجرحى، منهم 20 مواطناً قضوا في قصف صاروخي استهدف عدداً من الـمنازل في بلدة بيت حانون، وحدها عائلة العثامنة قدمت 13 شهيداً، أغلبهم من النساء والأطفال. وإذا كان هذا العدد الكبير من الشهداء يحدث بعد مرور أكثر من عام على ما يسمى "خطة فك الارتباط" التي ترجمت على أرض الواقع في الثاني عشر من أيلول 2005، فإن عدد الشهداء قد بلغ منذ أكذوبة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وحتى الثامن من الشهر الجاري، حوالي 778 شهيداً، ما يعني ويؤكد بشكل قاطع أن إسرائيل لـم تنهِ احتلال القطاع وإنما طبقت سياسة زيادة الارتباط هناك، ولكن بطريقة القتل والاحتلال بالريموت كنترول، وبلعبة الكر والفر وإحالة القطاع إلى سجن كبير.

على الـمستوى الفلسطيني، لـمسنا حالة احتقان وغليان في الشارع تندد بالـمجزرة الإسرائيلية وبكل سياسات أولـمرت الهمجية، وشاهدنا تحركات سياسية رسمية من قبل كافة الأطراف تُصّعد وتسّخن وتتحلف تارةً بالوعيد وتارةً بلفظ الاحتلال وإزالته وإزالة كل مشتقاته. وسمعنا أيضاً عن تعليق للحوار بصدد ولادة حكومة الكفاءات، في وقت نحن أحوج فيه لأية حكومة تنقذنا وتنقذ مصالحنا الـمشتركة. وإذا كان واقع الحال يقتضي الإدانة الشديدة لـما جرى في مجزرة بيت حانون والعدوان الـمستمر الـمتصاعد، فإن الـمجابهة والصمود يستوجبان التعجّل في الوصول إلى اتفاق بين الفرقاء لتشكيل حكومة "الترييح".

وعلى هذا ينبغي التأكيد على أن أكبر هدية تقدم لدماء الشهداء الزكية وكل مواطن فلسطيني يحلـم بالحرية، تكمن في التوحد الوطني وتشكيل قيادة جماعية موحدة، إما أن يكون عنوانها حكومة الوحدة الوطنية أو أية حكومة تضمن سلامة الـمشروع الوطني الفلسطيني، ومعه سلامة الشعب، ونحو مواجهة رحلة الصيف والخريف الإسرائيلية0

الحياة الجديدة (11/11/2006).

http://www.miftah.org