الرد الفلسطيني على مجزرة بيت حانون
الموقع الأصلي:
الادانة والشجب، ومطالبة الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب بالاجتماع، لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، فالقرار العربي مشلول الى اشعار آخر، ولا جدوى من مطالبة ميت بالتحرك. والمطالبة بانعقاد مجلس الأمن على اهميتها لا تجدي، فالفيتو الاميركي مرفوع فوق رؤوس الاعضاء الدائمين لمجلس الامن، ما يجعل أي اجتماع او قرار يأتي في أحسن الاحوال اقل من الحد الادنى المطلوب، ولا يصل اطلاقاً الى حد معاقبة اسرائيل على جرائمها المستمرة ضد الانسانية. لقد تباينت الآراء الفلسطينية حول الرد المطلوب على مجزرة بيت حانون. الرئيس ادان اسرائيل والمذبحة بعبارات قوية، لم يسبق وأن استخدمها من قبل، وطالب برد فلسطيني موحد، وانتقد الصواريخ العبثية، ولكنه لم يوضح طبيعة الرد المطلوب. فهو لم يتطرق الى المقاومة. والسبب على الأرجح يرجع الى أن الرئيس لا يزال مقتنعا بأن استئناف المفاوضات وعملية السلام رغم كل اضرارها، هو اسلم طريق امام الفلسطينيين لانه يمكن ان يقسم اسرائيل ويلجم قوتها ويضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته. أما فتح التي ينتمي اليها الرئيس، فقد تباينت ردود فعلها على المجزرة، بين من طالب بضبط النفس وعدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي، وبين من دعا الى الرد بكل الوسائل، وفي كل مكان، بما في ذلك ضرب المصالح الاسرائيلية في اسرائيل وعلى امتداد العالم. خالد مشعل قال بعد المجزرة، إن يد المقاومة حرة، وحماس لن تكتفي بالادانة وإنها سترد بدون توضيح طبيعة الرد ومكانه. أما عدد من الناطقين باسم حماس فأكدوا ان الرد سيكون مفتوحاً ويشمل كل شيء، ونزار ريان احد قادة حماس طالب باستئناف العمليات الاستشهادية داخل اسرائيل، أما احمد يوسف مستشار رئيس الوزراء، فرغم تأكيده على ضرورة الرد إلا أنه استبعد ان تقوم حماس باستئناف العمليات داخل اسرائيل. والتباين الذي شاهدناه في ردود فتح وحماس، نجد مثيلا له في كل الفصائل وعلى امتداد تواجد الشعب الفلسطيني بقواه الحية ومجتمعه المدني وفعالياته الوطنية. وعندما لا يوجد رد استراتيجي فلسطيني موحد، يكون في القلب من مشروع مقاومة مجدية وقادرة على انهاء الاحتلال، سوف يكون الرد منقسما على نفسه، بين من يدعو لاحياء عملية السلام، وحاله كمن ينفخ بقربة مقطوعة، فضلا على أن احياء عملية السلام ليس قراراً فلسطينياً أساساً وانما هو قرار اميركي-اسرائيلي. وبين من يدعو ويمارس مقاومة غير مجدية ولا واقعية تتصور ان اطلاق صواريخ القسام او العودة لاستئناف العمليات الاستشهادية هو الرد الوحيد الممكن، والذي يمكن ان يزلزل الارض تحت اقدام اسرائيل. ومن بين اصحاب هذه الدعوة من يصل الى ضرورة حل السلطة واعتبار هذه الخطوة مثل القنبلة النووية الفلسطينية، التي سيؤدي الاقدام عليها الى اعادة الامور دفعة واحدة الى المربع الاول، مربع المقاومة، مربع الصراع في طبيعته الاصلية بوصفه صراعا ما بين الشعب والاحتلال. ولا اعرف منبع الثقة في حصول هذه النتيجة، لأن هناك احتمالا ان يؤدي حل السلطة اذا تم بشكل عفوي الى مزيد من حالة الفوضى والفلتان الامني والانقسام. ان الصواريخ العبثية فعلاً، تكون هي الرد الوحيد، عندما لا يكون عند الرئيس او فتح القوى الحية الاخرى رد عملي او مقنع أو عقلاني وقادر على إنهاء الاحتلال. اما الاكتفاء بالدعوة لاحياء عملية السلام التي سبق وأن نعاها الامين العام للجامعة العربية، فلن يقنع احدا وإنما يدل على العجز خصوصا عندما تتجه اسرائيل نحو المزيد من التطرف والعدوانية والعنصرية، كما يظهر من خلال ضم حزب >اسرائيل بيتنا< الى الحكومة الاسرائيلية، وبعد ان اصبح رئيسه العنصري ليبرمان نائب رئيس الوزراء، في الوقت نفسه الذي استمر يطالب فيه بسياسات الطرد والتطهير العنصري وتصعيد العدوان الاسرائيلي والسعي لخلق قيادة بديلة فلسطينية تكون عميلة لاسرائيل. الرد الفلسطيني، يجب ان يكون موحداً واستراتيجياً، وبعيدا عن ردود الافعال الفردية او الثأرية والانتقامية، ويراعي خصائص الصراع وموازين القوى والمتغيرات المحلية والعربية والدولية التي حدثت، والمتوقعة خلال الفترة القادمة خصوصا بعد الهزيمة المؤكدة للاحتلال الاميركي للعراق. المقاومة المسلحة متعذرة كأسلوب وحيد أو رئيسي للمقاومة، بسبب فقدان الدعم المالي والتسليحي والعمق البشري والجغرافي والاستراتيجي العربي والدولي، خصوصا في البلدان المحيطة بفلسطين، حيث يرتبط الاردن ومصر بمعاهدات سلام مع اسرائيل، وتلتزمان بمنع تزويد الفلسطينيين بالسلاح والذخيرة، وتقديم الدعم للمقاومة، ما يجعل استنساخ تجربة حزب الله امراً مستحيلا، والتفكير فيه واللجوء اليه، يمثل نوعا من الانتحار الجماعي، ولكن المقاومة التي تستهدف قوات الاحتلال، وتنفذ ضد الدبابات والحواجز والمواقع العسكرية والمستوطنين المسلحين، تبقى مشروعة وممكنة ومجدية. ولقد شهدت الانتفاضة الحالية، عشرات العمليات البطولية النوعية الجريئة التي ألحقت خسائر ملموسة في الاحتلال وكانت محل اعجاب ليس الفلسطينيين والعرب والمسلمين والاحرار في العالم بأسره فقط، وانما بعض الاسرائيليين الذين اشادوا بها واعتبروها اعمال مقاومة وليست اعمالاً ارهابية. الرد الاستراتيجي المطلوب، يفرض وضع سياسة لما بعد عملية السلام، تهدف الى اطلاق عملية سلام حقيقية جادة قادرة على إنهاء الاحتلال، وليس الى اعادة إنتاج اتفاق اوسلو أو حتى خارطة الطريق. اي عملية سلام جديدة يجب ان تكون نتيجتها النهائية محددة منذ البداية، بحيث يكون معروفاً سلفا انها ستصل الى اقامة دولة فلسطينية على اساس حدود 7691 بما فيها القدس. وعلى أي عملية سلام ان تحدد جدولا زمنياً قصيرا للانتهاء من التفاوض بحيث لا يكون مفتوحاً الى الابد، ولمنع الغرق في مفاوضات حول قضايا جزئية أو انتقالية أو مرحلية، وحتى يكون ذلك، لا بد من الحرص على حضور فاعل للدور الدولي عبر الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الأمن، حتى تتوفر الضمانات للوصول الى حلول تنسجم مع القرارات الدولية، والى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. اما العودة الى خارطة الطريق، كما هي بدون تعديلها، وبدون الزام اسرائيل بالموافقة عليها، ما هي، الا مضيعة للوقت، وذر للرماد في العيون، وستستخدم للتغطية على سياسة فرض الحقائق التي تمضي اسرائيل فيها، سواء اذا كان هناك عملية سلام او مجابهة. الرد الاستراتيجي المطلوب يفرض اعتماد المقاومة الشعبية التي تراهن على الانسان الفلسطيني ويعتمد عليه باعتبارها الشرط الرئيس للصمود والوحدة وللحفاظ على الوجود البشري والسياسي الفلسطيني، مثلما هي شرط لتحقيق الانتصار. وحتى تنطلق عملية سلام جادة يجب تعميق الصمود وإفشال المشاريع الاسرائيلية، ولا بد من المقاومة وتعميقها فبدون الاستعداد للحرب لا يمكن صنع السلام. كما يفرض الرد الاستراتيجي تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية في كل المستويات والابعاد وليس على صعيد تشكيل حكومة وحدة وطنية فقط. فالرد لا بد وأن يشمل اصلاح وتفعيل م.ت.ف، وضم الفصائل التي لا تزال خارجها، وبناءها على أسس جديدة تضمن إحياءها بعد حالة الشلل التي عاشتها منذ توقيع اتفاق اوسلو حتى الآن. كما يجب أن يتضمن الرد الاسترايتجي اعادة النظر بالسلطة وتغيير وظائفها وعلاقتها بالمنظمة ووضعها في سياق خدمة استراتيجية التحرر الوطني على اعتبار ان السلطة مرحلة على طريق التحرير والاستقلال وليست غاية في حد ذاتها، وهذا ان تحقق تصبح السلطة أداة من ادوات تحقيق المشروع الوطني، وأداة في خدمة المقاومة وليست عبئاً عليها. كما يجب اخذ واقع وجود السلطة بالاعتبار عند تحديد اشكال المقاومة ذات الجدوى. استئناف العمليات الاستشهادية داخل اسرائيل من قبل حماس يعني مغامرة يمكن ان تؤدي الى خسارتها للحكم، لذلك أستبعد اللجوء اليها. وهذا يطرح على الفلسطينيين ضرورة الاختيار ما بين السلطة والمقاومة المسلحة، خصوصا العمليات الاستشهادية، فلا يمكن الجمع بينهما. وهذا الخيار سبق وان جربه الزعيم الراحل ياسر عرفات، وحوصر واغتيل بسببه. ولا يجب تجريبه مرة أخرى، على الفلسطينيين الاختيار إما المقاومة المسلحة أو السلطة. وبامكانهم اختيار الجمع ما بين السلطة والمقاومة الشعبية التي يمكن ان تعتمد المقاومة المسلحة بشكل ثانوي وكطريق للدفاع عن النفس وللرد على الجرائم الاسرائيلية. استناداً الى ما تقدم، يجب الاسراع في المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج وطني واقعي، مقاوم لا يرفع الراية البيضاء، وتذليل كل العقبات التي لا تزال امامها، وليس تعليق هذه المشاورات. فالدم الفلسطيني المراق بغزارة في بيت حانون وغزة، وفي كل فلسطين يقدم رسالة مدوية للفلسطينيين جميعاً بأن ما في جعبة اسرائيل لهم ليس سوى الموت والدمار والتهجير، وان عليهم التوحد من أجل البقاء حتى يقوموا بمسؤولياتهم في مواجهة التحديات التي تقف امامهم. والسرعة بالرد الاستراتيجي الموحد مطلوبة، لأن المجازر الاسرائيلية مستمرة، والرد الفلسطيني المنفرد قادم لا محالة، فالاحتلال يولد المقاومة، والجرائم لا يمكن ان تبقى دون رد لفترة طويلة. فهل نجرؤ على تقديم رد استراتيجي يتضمن مقاومة ذات جدوى؟ الأيام (11/11/2006). http://www.miftah.org |