مأزقان في غزة
الموقع الأصلي:
ففي الكيان الصهيوني، وكما كتب جدعون ليفي في (هآرتس-20/11)، يتنافس السياسيون “الإسرائيليون” في الأفكار الوحشية. وزير الأمن يتحدث عن اغتيالات، ووزير الزراعة يقترح عمليات أشد ضراوة، وهناك من يدعو إلى محو بيت حانون، ومن يقترح تهشيم بيت لاهيا! وكان نائب وزير الدفاع، فرايم سنيه هدد القطاع بمصير بنت جبيل، أي بالتدمير الشامل، بينما دعا النائب يوفال شتانتس عن حزب (الليكود) إلى عملية (سور واقي-2) في قطاع غزة وإعادة السيطرة على الحدود الفلسطينية-المصرية لمنع تهريب الأسلحة. وفي المحصلة يعترفون جميعا بأنه ليس في الإمكان منع سقوط الصواريخ على المستوطنات الصهيونية، وهذا هو المأزق الذي لا يجدون له حلا بالقوة العسكرية، ولأنه ليس لديهم غير هذه القوة خصوصا وهم مصرون على تحقيق نصر عجزوا عن تحقيقه في لبنان فأخذهم إلى أزمة لم يستطيعوا الخروج منها حتى الآن، فإن الحل غير ممكن. لذلك ارتأى رئيس (الشاباك) يوفال ديسكين، يوم 14/11 أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن الخيارات المطروحة أمام حكومة أولمرت إزاء الوضع في قطاع غزة محصورة في خيارين: “إما شن حملة عسكرية برية واسعة... أو محاولة تعزيز قوة أبو مازن”! بمعنى آخر، إما أن يقوم الجيش “الإسرائيلي” بالمهمة، أو يقوم أبو مازن بها! بديل غريب حقا ولكنه لم يأت من فراغ في ظل ما جرى ويجري بين أبو مازن وحركة (فتح) من جهة وبين حركة (حماس) من جهة أخرى في الشهور العشرة الماضية وحتى اللحظة. ذلك يعني أن المأزق “الإسرائيلي” مستمر. على الجانب المقابل وعن المأزق الفلسطيني، يمكن القول إن مفاوضات تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” تدفع مجرياتها إلى الاعتقاد أن الحس بالمسؤولية الوطنية لدى المتفاوضين قد وصل حده الأدنى. فبعد آخر جولات التفاوض التي انتهت يوم 20/11 أعلن أن الإعلان عن تشكيل الحكومة المنشودة “تعثر في آخر لحظة” بسبب يتصل بحقيقة وزارة الداخلية. لكن ما جاء على لساني خالد مشعل وإسماعيل هنية يشير إلى سبب آخر على الأقل يتصل بالموقف من الحصار المالي المفروض على الشعب الفلسطيني، حيث ربط مشعل وهنية تشكيل الحكومة بضمان رفع هذا الحصار. ومع أن لحركة (حماس) ما يمكن أن يعتبر مبررات للتمسك بحقيبة الداخلية وبرفع الحصار، إلا أن التمعن في الموقف كله يظهر جزئيته وتجاهله القضايا الأهم في الوضع الفلسطيني الراهن. فتمسك (حماس) بوزارة الداخلية يجد تبريره في ما قاله ديسكين (أعلاه) عن (المهمة) التي يريدون في تل أبيب إيكالها لأبو مازن، وكذلك في الأنباء التي تحدثت عن قرب دخول (قوات بدر) الموجودة في الأردن إلى قطاع غزة لفرض الأمن، على لسان السفير الفلسطيني في عمان عطا الله خيري. كذلك فإنه معروف لدى الجميع أن الحصار المالي والاقتصادي المفروض على حكومة هنية كان السبب في عجز هذه الحكومة عن القيام بأي من مهامها كما كان وراء مفاوضات تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” على أمل أن يرفع هذا الحصار مع إعلان تشكيلها. وعليه يمكن فهم ما قاله هنية للصحافيين يوم (20/11) وعلاقته بإنهاء المفاوضات بنجاح: “نريد توثيقا ونريد اطمئنانا أكبر. نريد أن نشعر بأنهم سيلتزمون برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني أمام هذه الخطوة الكبيرة”. لكن ذلك يجعل من “هذه الخطوة الكبيرة” مجرد أداة أو وسيلة لرفع الحصار. ومع التأكيد على أهمية رفع الحصار، إلا أن تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” يفترض فيها أنها مسألة اكبر بكثير من مجرد رفع الحصار، إنها خطوة سياسية من أجل تحقيق أهداف سياسية، وقصر أهدافها على رفع الحصار يلغي أهميتها تماما في المدى القصير جدا خصوصا أن هنية يضيف: “نحن بهذه الخطوة نؤسس لوحدة وطنية حقيقية ولشراكة سياسية حقيقية”. وإذا كان هذا مبررا للتأخير، فإنه لا يبرر ربط الوحدة الوطنية وحكومتها برفع الحصار مهما كانت أهمية هذا الهدف. ويأتي قول خالد مشعل، مضافا للخلافات على معالجة الوضع الأمني وعلى الحقائب الوزارية، لصحيفة الأهرام (20/11) بأن (حماس) لن تعترف ب “إسرائيل” حتى لو أقيمت الدولة الفلسطينية، ليجعل شروط الاعتراف بالحكومة الجديدة غير متوفرة، ويجعل أبو مازن وحركة (فتح) غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق، وهو ما يعني أن المأزق الفلسطيني مستمر. والسؤال هو كيف سيكون الوضع في غزة مع استمرار المأزقين؟ http://www.miftah.org |