لـماذا لا نغادر مفترق الطرق ؟
الموقع الأصلي:
الإسرائيليون غارقون حتى آذانهم في عملية تطهير وفصل عنصري وإخضاع لشعب كامل شعارها "ما لا يتم فرضه بالقوة يتم فرضه بمزيد من القوة". وفي كل مرة يصطدمون بمحدودية القوة تعاود الـمؤسسة الأمنية إنتاج النظرية ذاتها، وتعاود الكرّة مرة تلو الأخرى في مناخ من التأييد الشعبي الـمصنّع. هذه الـمرة يبدو أن إعادة إنتاج النظرية متعثرة وعصية، فالإسرائيليون الذين ما زالوا يشكلون غطاء لنظرية القوة، صاروا ضجرين ومتشككين ومستعدين للبحث في مفاهيم أخرى. والأميركيون أخفقوا أيما إخفاق فلـم يحصدوا غير الأشواك بعد أن علقوا في أوحال العراق الـمجبولة بدمائهم ودماء العراقيين، وبعد أن بدأت عذابات وآلام العراقيين تطاردهم في كل مكان. عندما يدخل الـمحتلون في أزمة عميقة، فمن الـمنطقي والطبيعي أن تتماثل ضحاياهم للشفاء وتخرج من أزمتها. أما عندما يعيش الضحايا والـمعتدون الأزمة العميقة عينها، فإن ثمة ما يدعو للاضطراب والقلق الشديدين. وأقل ما يمكن استنتاجه في هذه الحالة هو، تفويت فرصة سانحة للتغلب على الـمعتدي والانعتاق من قبضته ووقف نزيف الدم والـمعاناة. الحركة السياسية العراقية خلطت مقاومتها للاحتلال بحرب أهلية طائفية دموية فأدخلت الشعب العراقي في مأساة وكارثة لا حدود لها. السلطة والـمعارضة في العراق وضعتا الـمصالح الفئوية والطائفية فوق الـمصلحة الوطنية، وفوتتا فرصة الخلاص من الاحتلال التي أتاحها الـمأزق الأميركي. وكانت النتيجة: الشعب العراقي الشقيق يغرق، في الوقت الذي يغوص فيه الاحتلال الأميركي بالأوحال، ولا توجد خطوة جدية واحدة لتغيير هذه الـمعادلة. الحركة السياسية الفلسطينية بدورها تعيش أزمة مترافقة مع دخول الاحتلال في مأزق كبير، فمنذ عام تقريباً والتآكل الداخلي سيد الـموقف، وقد طغى الخلاف ومحاولات حله على مجمل الجهد الوطني الفلسطيني، وهذه لحظة مريضة وخطيرة في الحياة السياسية، لـم تكن بهذا الـمستوى الخطر منذ مدة طويلة. مضى عام ونحن نخسر ونضعف أمام احتلال مضى عليه أربعون عاماً وصار هرماً. وأكبر دليل على ذلك أننا لـم نحقق شيئاً من برامجنا التي انتخبنا على أساسها، بل عملنا باتجاه معاكس لتلك البرامج وأوشكنا على التورط في حرب أهلية قدمت بروفتها الأولى يوم الأحد الأسود. لـم نتمكن من رفع الحصار وتجاوز حالة العزلة، اختنقنا اقتصادياً وتشوش نظام التعليم والصحة والقضاء، وتخلخلت وحدتنا الوطنية ولـم نفتح ملفاً واحداً للفساد، أوقفنا الـمقاومة ولـم نفتح الانسداد أمام العملية السياسية. لقد فشلنا بامتياز حكومة ومعارضة، وما زلنا نراوح في الفشل. ما زلنا نقّطع الوقت الثمين في محاولات محمومة لكسب فئوي. ورغم حديث الوسطاء عن اتفاق هنا وتقدم هناك وموعد ما قبل الأخير وموعد نهائي، إلاّ أن الحكومة العتيدة لـم تر النور بعد، ولا يوجد ما يشيع الأمل بولادتها القيصرية. ويوما بعد يوم تزداد نسبة الناس غير الواثقين بإمكانية الخروج من الأزمة، في لحظة سياسية قدمت إشارات إقليمية ودولية لتغيير الـمواقف والعودة إلى دعم الـمطالب والأهداف الوطنية وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال. ثمة بون شاسع بين خوض معركة سياسية كبيرة لإنهاء الاحتلال وبين الـمستوى العاثر الذي نحن فيه وهو تحقيق الوحدة الوطنية أولاً وفك الحصار ثانياً. قد نصل ولا نصل للوحدة وفك الحصار بهذا الإيقاع البطيء والـمثلوم والـمتخبط، وذلك بعد أن تحول فك الحصار إلى شرط فلسطيني لإقامة حكومة وحدة، وأصبح التزام حكومة الوحدة ببرنامج حماس الانتخابي شرطاً لإقامتها، وهكذا تتواصل هذه الـمتوالية التي ربما لا تتوقف قبل أن تضيع فرصة سانحة لخوض معركة مشتركة هدفها إنهاء الاحتلال. وربما يتم تجزئة عناصر القضية فيتم إبرام هدنة لتخفيف الضغوط على الحكومة الحمساوية من جهة وما يقابلها من حاجة إدارة بوش للتهدئة كي تلتقط أنفاسها في العراق، وحاجة حكومة أولـمرت للـملـمة أوراقها الـمبعثرة "من اجل البقاء في الحكم". لـماذا لا يتم طرح الـمواقف صراحة؟ والصراحة تقتضي القول: إن حماس لا يمكن في شروط الوضع العربي والدولي وموازين القوى أن تقلع في حكومة وفي قيادة الـمنظمة دون أن تكون مقبولة عربياً ودولياً. هكذا كان حال الـمنظمة في صعودها وهبوطها. وكان سر نجاح الـمنظمة وتحقيقها لإنجازات سياسية مهمة وحضورها على الخريطة السياسية هو: قدرتها البارعة على الجمع بين التمسك بالأهداف الوطنية للشعب، وبين التكيف مع الـمتغيرات العربية والدولية. لن تجترح حماس معجزة تحقيق الأهداف الوطنية في مواجهة النظام العربي والدولي. وقد جربت بنفسها التعارض مع النظامين ولـم تحصد غير الفشل الذريع. من حق حماس أن تبقى في الحكومة إلى أن يقول الناخب الفلسطيني لا. أي أن تواصل حماس منطق التجريب وتغرق الشعب الفلسطيني في أزمات إضافية وفي معاناة أشد. ويبدو أن الاتجاه الأقوى في حماس ما زال يتبنى هذا الـموقف. وهذا الـموقف قد يكون ناجماً عن انفصال حركة الاخوان الـمسلـمين عن تجربة الـمقاومة والثورة منذ العام 1967 وحتى تأسيس حماس العام 1987، ذلك الانقطاع الذي حرم الحركة فرصة التعلـم من التجربة الغنية بعناصر القوة الناجمة عن الانفتاح على حركات التحرر وقوى الثورة العالـمية والتي أفضت الى تطور في الفكر السياسي الفلسطيني، والتعلـم أيضاً من أخطائها وإخفاقاتها التي دفع الشعب الفلسطيني ثمنها. إن تردد حماس نابع أيضاً من مفهومها للحكم والذي يبدو انه ينتمي للبديل عوضاً عن الشراكة. والبديل هنا يعني سيطرة الحزب الحاكم الذي يرى في الشراكة تبعية الـمشاركين لسيطرته مقابل فتات. ويجد هذا الفهم في الأيديولوجيا التي ترفض التعدد سنداً كبيراً له. في حالة انحياز حماس لخيار التجريب والاستفراد فإن شراكة الآخرين لها تصبح غير ممكنة أو عقيمة، وهذا يجعلنا جميعاً نراوح في مفترق الطرق، ويتناقض في الوقت نفسه مع وجود الجميع في طور حركة تحرر وطني لـم تحقق هدفها الـمركزي بعد. ويصبح بقاء حماس على رأس الحكومة أمراً واقعاً بانتظار صناديق الاقتراع وانتخابات جديدة في موعدها وربما في موعد مبكر، هذا يعتمد على الرأي العام الفلسطيني، ويعتمد أيضاً على ضمان التعاطي بطريقة ديمقراطية وليس بطريقة يوم الأحد الدامي والتسليم الجدي بتبادل السلطة سلـمياً. ما لـم يتم حسم هذه القضية سنبقى نراوح في الـمكان والزمان. Mohanned_t@yahoo.com - الأيام 28/11/2006 - http://www.miftah.org |