نحو حكومة فلسطينية الكترونية
بقلم: غسان مصطفى الشامي
2006/12/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6379


نَحيا حاضرنا اليوم في عصرٍ الكتروني عجيب .. تحكمه آلات الكترونية عجيبة .. غيرت العالم والأنظمة السياسية الفريدة .. جعلت منه ثورة اتصالية مخيفة .. الإفادة منها ضرورة أكيدة .. خاصة أننا نحبو في الاتصالات الحديثة .. أمام غربٍ شرس سَيطر على المال والسيادة العتيدة .. يسابق الزمن وصولاً إلى النجومية والمكتشفات العلمية .. والعجيب أن دولنا العربية .. تحيا في عالم التخلفية .. في سكرات وسقمٍ وأمراضٍ خرافية ... وجمهورياتٍ وحكم العائلية ... أما الطاقات العربية الإبداعية .. فقد اضطهدتها العنصرية والأنظمة العربية التبعية ... وشغلتنا الغواني والرقصات الغربية .. وقصات الشعر الأجنبية .. أما الإلكترونية وثورتها العالمية فهي بعيدة عن بلدننا العربية ..

***

* اذكر هنا حوار صحفي مع عالم الاجتماع (مانويل كاستلز Manuel Castells ) من جامعة "كاليفورنيا " في " بيركلين " حول تطورات العالم ،أجرته مجلة در شبيجل الألمانية في عددها الرابع عشر ، قبل أربعة أعوام مضت ، تَحدث " كاستلز " أن العَالم اليوم يَتحول إلى مُجتمع إلكتروني جَديد ، مَن يَدخلُ شبكة المَعلومات الإلكترونية انتمى إليها ، وأما الجاهلون فمَصيرهم الانسحاق في ثقب أسود .. فيما أشار " كاستلز " في رُؤيته للتطورات العالمية أن العَالم الإلكتروني ، سيكون حكراً على المتعلمين بتفوق ..

* العالم (آندي جروف Andi Grove ) وهو من رواد شركة " انتيل للميكروشيبس " قال " إن قفزة عصر " الإنترنت " ، تُضاهي الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، وإن بُنية المجتمع سوف تَتغير كلية ، حَيث تَتراجع فيه سَطوة الدولة والمُخابرات فَيفلت من قَبضتها تَدفق المَال وتَيار المَعلومات في ضَربة موجعة ، حَيث " الانترنت " لا يُوجد مَسافات ومن كان خارجه ، كانت مَسافات لانهاية لها.

العالم " جروف " أَكد عَلى أن مَن يَقود العالم لم يَعودوا رؤساء الدول بَل رَبابنة بَحر الانترنيت وأن العَالم سيُعاني من ظَاهرة (الاستقطابPolarization ) فيما يَتحول هذا العَالم إلى بُنية مُركبة من نواة فَعالة للغاية تُمثل 30% من الجنس البَشري في يَدها العِلم والمَال والتُكنولوجيا، ومع مَطلع العام القادم (2007 ) ، فإنه سيَكون من السُعداء الفَائزين مليارين من البَشر مُتصلين بالشبكة الإلكترونية ، في ذاتِ الوقتِ الذي لا يُعرف مليار من البشر وهم( 16% ) من مَجموع الجنس البشري تهجئة كلمة (كمبيوتر).

* الحَقائق التي أوردناها تَستدعينا كعرب وكفلسطينيين الوقوف أَمامها ، وَقفة جَادة والتَفكير في ما يَحمله المُستقبل وكَيف يُفكر الآخرون ، كَما تُشكل تلك الحَقائق نَاقوس خَطر ، تَدعونا إلى تَحمل مَسؤوليتنا تجاه مُجتمعاتنا والعَمل الجَاد على إحياء مَشروع نَادى به مهندسو الحاسوب والاتصالات في عالمنا العربي وكافة أَنحاء المَعمورة ، ألا وهو مَشروع الحكومة الإلكترونية ، والذي لم يَلقى لحَتى اللحظة الدَعم المناسب له والنقاشات المُسهبة ، على الرغم من أن وطننا العربي بدأ يَخطو خُطوات ايجابية نحو الثَورة العالمية الإلكترونية وفي امتلاكه الفضائيات والأجهزة الاتصالية ..

* أما وطننا المُحتل فلسطين ، فهو يُعتبر من البُلدان المُتقدمة إلكترونيا ، بالنسبة لعَدد السكان وامتلاكهم أجهزة الحَاسوب والاتصالات ، بحكم الاحتلال الإسرائيلي ، حيث أن " الدولة العبرية " متقدمة إلكترونيا فهي إحدى الولايات الأمريكية القابضة ، فما يَحدث في أمريكا من تطور ومخترعات في عالم الاتصالات والإلكترونيات يتنقل مباشرة إلى إسرائيل للموافقة عليه واستخدامه من ثم إلى أمريكا وكافة بلدان المعمورة ...

* فكرة الحكومة الإلكترونية هي فكرة جادة ومهمة ، نادى بها نائب الرئيس الأمريكي السابق (آل جور) ، ضمن تَصور له حَول آلية ربط المواطن الأمريكي بمختلفِ أجهزةِ ودوائر الحكومة الأمريكية ومؤسسات صنع القرار بهدف الحصول على الخدمات الحكومية بكافةِ أنواعها وأشكالها بطريقة آلية الكترونية سهلة ، فيما تُنجز الحكومة الإلكترونية كافة أنشطتها وأعمالها اليومية باعتماد شبكات ووسائل الاتصال المعلوماتية ، بهدف خفض الكلف والنفقات والعمل على تحسين الأداء وسرعة الإنجاز وفعالية التنفيذ .

* كما تُناقش الشَركات الإلكترونية العالمية ، الدور الريادي الهام للحكومة الإلكترونية ، خاصة الجزء المتعلق بعمليات الشراء والتزويد ، حيث تظهر فيه الفائدة الحقيقة لاستخدام " الانترنت " في عمليات الشراء من حيث زيادة كفاءة وفعالية عمل الحكومات في بلدان العالم إضافة إلى تحسين علاقة العمل بين المؤسسات الحكومية المختلفة والأفراد الذين يعملون ضمن هذا المجتمع ويستفيدون من الخدمة الحكومية ، حيث بدأت فكرة الحكومة الإلكترونية تلقى رواجا عربياً في عدد من الدول ، حيث أطلقت فكرتها ثلاث دول هي الأردن ومصر والامارت من خلال تنفيذ مشاريع هامة بهدف إنشاء الحكومة الالكترونية ..

* أما في وطننا المحتل فلسطين والذي يَعج بمشاكلِ كثيرة وتناقضات عقيمة ، سببها المحتل الهمجي ، فيما تنهمك الساحة السياسية ، في مشاورات تَجمع الكل الفلسطيني بهدف تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستَضم ـ لأول مرة في تاريخ فلسطيني السياسي ـ بين جنباتها كافة أطياف اللون الفلسطيني السياسي ،ليتوحد في جوقة واحدة ، فإنه يتوجب علينا كفلسطينيين العمل جاهدين على تكرار تجربة الوحدة الوطنية والتفكير الجاد في إحياء مشاورات اتصالية إلكترونية تهدف إلى تشكيل حكومة الوحدة الإلكترونية الفلسطينية ..

* وعلى الرغم من الحصار المفروض خارجيا وداخليا والضغوطات التي تحياها الحكومة الفلسطينية المنتخبة من قبل شعبها ، إلا أن وزارة الاتصالات الفلسطينية برئاسة وزيرها المهندس جمال ناجي الخضري ـ رئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية ، التي استطاعت أن تَنجح في تَسير أعمالها وشئونها من خلال عبر شبكات اتصالية إلكترونية ـ تَسعى هذه الوزارة الفتية جاهدة ، من اجل كسر الحصار الإلكتروني ودخول الثورة العالمية الاتصالية ، وبناء أول حكومة عربية إلكترونية فلسطينية ، ليكون لدولة فلسطين السَبق في هذا الإنجاز الإلكتروني العربي ، كما كان لفلسطين ولأبنائها السبق في كثير من مجالات البناء والعطاء والتضحية .

* فالحكومة الإلكترونية الفلسطينية ستكون وسيلة قوية في بناء دعائم وركائز الاقتصاد الفلسطيني الذي دمره الاحتلال وأقعده جسد مريضَ ، كما ستَنجح الحكومة الفلسطينية الإلكترونية في التَغلب على الكثير من المشكلات التي يواجهها أبناء شعبنا الفلسطيني في شتى مناحي الأرض ، وستكون صلة الوصل مع لاجئي هذا الشعب ، وستكون وسيلة فعالة تُقدم خدمة اجتماعية تساهم في بناء مجتمع قوي ، ووسيلة فعالة بأداء أعلى وكلف اقل ، كما تمثل الحكومة الإلكترونية وسيلة لاجتياز كافة مظاهر التأخر والبطء والترهل في عمل الجهاز الحكومي الفلسطيني ، فيما ستعمل على الارتقاء بمكانته عالمياً ليصبح في مصاف الأجهزة الحكومية المتقدمة في هذا المجال ، كما تُعد هذه الحكومة وسيلة هامة وفعالة لمراقبة أنشطة وأعمال الحكومة و الوقوف على فعاليات المجتمع الفلسطيني ، الذي سيُظهر للعالم كله انه شَعب يَستحق الحياة ، و يُستحق دولة فلسطينية من بحرها إلى نهرها ..

* إنني أدعو جميع دولنا العربية والعالم الديمقراطي الحر أن يكافئ الشعب الفلسطيني على ديمقراطيته النزيهة ، وألا يعاقبه ويفرض عليها الشروط والضمانات ، وان يعمل على تقديم الدعم الكبير لهذا المشروع الوطني الفلسطيني الذي يهدف الى التضامن مع هذا الشعب المحتل ودعم صموده في مواجهة التتار اليهودي ، وجعله يواكب الثورة الالكترونية ، بعقول أبنائه وإبداعات أجياله ... - مفتاح 2/12/2006 -

http://www.miftah.org