من حقي أن أحكي قصتي: مركزية القصة في التعلّم والفن والحياة
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي
2006/12/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6382


في مدينة عمان، وفي لقاء إقليمي، أقامه مسرح البلد والملتقى التربوي العربي، بالتعاون مع المركز العربي للتدريب المسرحي، لمدة يومين، من 18-19 تشرين الثاني 2006؛ بعنوان: "حكايا: مركزية القصة في التعلم والفن والحياة"، وبدعم من مكتب "اليونيسكو" في عمان، تم التعرف على الفعاليات والأفكار والتوجهات المختلفة حول موضوع الحكاية، ومناقشة إمكانية التأسيس لمشروع عربي مشترك، يركّز على الحكاية ودورها المركزي، الذي تلعبه في التعلم، والحوار، والتعبير الفني ما بين الأفراد والجماعات:

"لم يعد من مكان للعمل بانفصال ما بين الفن والبحث والحياة، ولا بدّ من إعادة ربط هذه الخيوط لتكوين نسيج مجتمعي حيوي جديد".

عرض المشاركون في اللقاء (من فلسطين، والأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر)، تجاربهم المتنوعة التي تستخدم الحكاية. تحدث "حسن الجريتلي"، مدير فرقة "الورشة" المسرحية المصرية، عن تجربة الفرقة، حيث استخدام الحكاية في المسرح، منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، من خلال جمع مئات الحكايات من أفواه الناس. وتحدث عن مشروع الفرقة الحالي: النساء والحرب، الذي يعتمد على تسجيل التاريخ الشفوي للحروب، بالتركيز على النساء. وتحدثت كاتبة القصة المصرية "أمل عمر"، عن تجربتها مع فرقة الورشة المسرحية، حيث شاركت لأول مرة معهم، بتجربة فنية جماعية؛ الأمر الذي يطرح للنقاش، كيفية الاستفادة من الحكاية المكتوبة، في الفنون التي تعتمد على العمل الجماعي، كالمسرح والسينما.

وبالنسبة لاستخدام الحكاية في السينما؛ عرضت ميسون شرقاوي، من مؤسسة سينما المرأة "شاشات"، فيلماً من إخراج "هالة منصور" بعنوان: "النهارده حصان"، يمزج بين الحكاية والخيال بشكل فني جميل.

تحدثت الدكتورة "حنان قصاب حسن" (الأستاذة في جامعة دمشق، وعميدة معهد المسرح)، عن أهمية القصة، وإمكانية الاستفادة منها في المسرح، حيث يمكن ربط الحكاية بالمشهد المسرحي، ملاحظة أن القصة تفقد قوتها مع الزمن، ودعت إلى "العودة إلى الأصول دون أصولية". وطرحت في نهاية حديثها تساؤلاً جديراً بالتفكير: "إلى أيّ حدّ يمكن للحكواتي أن يشكّل مهنة!". أما الفنان السوري الحكواتي "كفاح الخوص"، فهو من القلائل الذين امتهنوا الحكي. استمعنا إلى حكاياته الممتعة، التي يستخدم فيها المزج بين حكايات الشعوب، بأداء مسرحي راق. واعتبر "كفاح" أن الحكاية يمكن أن تكون "بوابة لتأصيل المسرح العربي".

أكدت كاتبة قصص الأطفال الفلسطينية، والتي تسكن حيفا: "دنيس أسعد"، على أهمية حكايات النساء، مبينة أهمية الحكاية في تعزيز ثقة المرأة بنفسها، وجسر الهوة بين المرأة ومحيطها. وأسمعت المشاركين حكاية فلسطينية عن قرية "إقرت"، قدمتها بأداء ممتع، شدّت من خلاله أنظار المشاركين.

أما علاقة التنمية بالحكاية؛ فقد أكد عليها بعض العاملين في هذا الحقل. تحدث "حسام كاسب"، من مؤسسة إنقاذ الطفل، عن التنمية عن طريق الحكاية. تحدث عن علاقته الخاصة بالحكي منذ الطفولة، وعن تجربته في مناطق متعددة في العالم، تستخدم الحكاية منهجاً للتعلم، مثل تجربة أمريكا اللاتينية. وتساءل كرجل تنمية، عن الوسيلة لخلق تواصل بين من يعمل في الفن ومن يعمل في التنمية: "أعترف، أعلِّم الأولاد كيف يكونون منظمين؟ أسهم في تخريب الأولاد؛ لأنهم يعطونني الإجابات التي أرب في سماعها، لا إجاباتهم الحقيقية".

وتحدث "عماد ثروت"، من مؤسسة سلامة موسى للتنمية الاجتماعية، عن حالة الخصومة والحبّ للحكاية، موضحاً رغبته في الفرز بين ما هو مفيد وغير مفيد، مؤكداً على أهمية الحكاية في العملية التربوية. كما عرضت "كلاريس شبلي" من "جمعية السبيل" في لبنان، لتجربة الجمعية في تنظيم دورات تدريبية لشباب وصبايا، حول إمكانية استخدام الحكاية، للعلاج النفسي والاجتماعي، من خلال تمثيل مسرحيّ، يشارك فيه الأهل وأولادهم معاً.

وفي مساء اليوم الأول، قدم لنا مسرح البلد تجربة عملية، وظفت فيها أصوات الناس العاديين، من خلال قراءة مسرحية، تعتمد على تداخل الصوت والصورة والأغنية؛ تضامناً مع لبنان وفلسطين، بعنوان: "أصوات يومية تحت القصف": "تبلور النص لاستكشاف الصوت الإنساني، والوجود اليومي، تحت العدوان الإسرائيلي، أثناء الحرب على لبنان، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين".

*****

هل تستطيع الحكايا الانتظار؟ يؤكد المحامي "فواز سلامة"، الذي يجمع الحكايا، ضمن مشروع التاريخ الشفوي للنكبة الفلسطينية، أن هناك حكايات لا تستطيع الانتظار: "إذا لم تلتقطها اليوم، يلتقطها الموت. يقولون إن أجمل الحكايا تلك التي لم نسمعها بعد، وأنا اقول إن أجمل الحكايا تلك التي لم نلتقطها بعد. إذاً هو سباق مع الموت. من يحصد الحكاية أولاً يفوز". ويستطرد فواز سلامة متسائلاً: "نمتلك من هذه الحكايات حتى هذه اللحظة مئتين وثلاثين (230) حكاية. ماذا نفعل بهذا الكنز؟ أتخيل نفسي مخرجاً لفيلم وثائقي، وأحياناً مؤرّخاً، وفي بعض الليالي يعجبني أن أكون كاتب قصة قصيرة، وأحياناً أجد نفسي مخرجاً مسرحياً، وفي بعض الأماسي أتخيل نفسي محامياً فذاً. أصحو من النوم. لا أجد نفسي، لا مخرجاً، ولا كاتباً، ولا محامياً، ولا ما يحزنون. أستجمع قواي وأسابق الموت. أينا يجمع الحكايا قبل الآخر".

*****

لا تستطيع الحكايات أن تنتظر. أوافق "فواز سلامة"، علينا أن نحكي، وأن نلتقط حكايات الناس، قبل أن تموت بموت الرواة وموتنا. ولكن هل يضيرنا ان نجمع الحكايات دون أن نستخدمها؟ يجيب النقاش الحيوي الذي دار في اللقاء، على السؤال المطروح، حيث الإمكانيات اللامحدودة لتوظيف الحكايات، في الفن والتعلم والحياة. وأعتقد أن جمع الروايات عمل جبار ومضن بحدّ ذاته، حيث يوفّر أرشيفا غنيّاً، تفيد منه جميع حقول المعرفة. وهنا يأتي دور المؤرخين، والمسرحيين، والسينمائيين، والتنمويين، والتربويين، والأدباء، في التقاط الحكايات والبناء عليها؛ كلّ في مجال اختصاصه. أما المحامي، "فواز سلامة"، الذي سجّل الساعات الطوال من حياة الشعب الفلسطيني، فيمكنه بالفعل، مسلّحاً بالقانون الدولي (أن يلملم كل ما وقع تحت يديه من وثائق وشهادات، لتقديمها أمام محكمة الجزاء الدولية ليحاكم أمامها مجرمو الحرب).

*****

نعم، من حقّي أن أحكي قصتي، ومن حقّي أن يسمعها العالم. هلاّ يستخرج كل منا الحكواتي في داخله؛ لنتبادل الحكايات، ونساهم في صناعة تاريخنا بشكل جماعي؟!

faihaab@gmail.com - مفتاح 4/12/2006 -

http://www.miftah.org