الأزمة الراهنة وخياراتنا الاستراتيجية
الموقع الأصلي:
في الوقت الذي قد نختلف في تفسير وتحليل الأزمة وأسبابها، ومدى الحكمة السياسية التي توفرت لدى قادة المجتمع الفلسطيني من مختلف الفصائل في قراءة المتغيرات المختلفة على الساحة الداخلية والخارجية، ومدى ارتباط الأزمة بأسباب داخلية أم ضغوط خارجية وأجندات إقليمية، ومدى المخاطرة في أخذ الشعب الفلسطيني رهينة لهذه الأزمة وأحقية أي حركة سياسية في ذلك. وبينما يجادل فريق منا فيما إذا كان التفويض الانتخابي للإصلاح أم للإفقار، لمحاربة الفساد أم لمحاربة المعارضين والأطر الشرعية الفلسطينية، نجد بالمقابل من يجادل بأهمية احترام خيار الشعب الفلسطيني وضرورة أن تنعكس نتائج العملية الديمقراطية في الواقع الفلسطيني من خلال تغيير السياسات والقيادات التنفيذية والتشريعية، إذ لا يعقل أن يحدث انقلاب انتخابي ولا يكون له أي أثر في الواقع. ولكن وفي خضم هذا الجدل هناك ثلاث قضايا لا خلاف عليها: الأولى شرعية ونزاهة العملية الديمقراطية، والثانية عدم العدالة في فرض الحصار الدولي كردة فعل لنتائج الخيار الديمقراطي، وازداد الشعور بظلم هذا الحصار بعدما رأى الشعب الفلسطيني كيف رحب المجتمع الدولي والعربي بانضمام متطرفين يمينيين أمثال لبيرمان للحكومة الإسرائيلية بعد حرب لبنان، والثالثة أن الحصار الدولي لا يفرق بين أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف المشارب والتوجهات الدينية والسياسية والاجتماعية. فالجميع تحت المطرقة. ربما بقليل من الحكمة نجعل الاتفاق على القضايا الثلاث المذكورة عاملاً جامعاً ومحفزاً لبعض المفكرين والاقتصاديين والمنظرين الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم للعمل بشكل موحد لدراسة الأزمة الراهنة ومحاولة إيجاد أجوبة للتساؤلات الأساسية التالية: الأول يتعلق بإمكانية الانعتاق الاقتصادي من المساعدات الدولية، كسبيل لعدم العودة لمثل هذه الأزمة، والثاني يتعلق بطرق الانعتاق الاقتصادي حتى لا تكون شعارات انتخابية فقط لا تتعدى استوديوهات الفضائيات، والثالث بلورة ملامح الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني بشأن موضوع الحرية والديمقراطية. إن تجربتنا الراهنة تشير إلى أننا مارسنا الديمقراطية قبل أن نتحرر ودفعنا ثمن خيارنا الديمقراطي غالياً، حيث شمل هذا الثمن أرزاقنا واقتصادنا وتعليم أبنائنا وانهيار مؤسساتنا وتراجع كل ما هو إيجابي في حياتنا وتنامي كل ما هو سلبي يمكن أن يهدد سلمنا الأهلي والاجتماعي والاقتصادي، فهل الديمقراطية للأحرار فقط؟. إننا في الواقع لم نستطع حماية خيارنا الديمقراطي، فهل الحرية يجب أن تسبق الديمقراطية؟ وهل تشكيل السلطة يأتي بعد تحرير الأرض التي ستفرض عليها سيادتها؟ لقد بدأنا بحصار خارجي سرعان ما ارتد إلى جدل داخلي ظهر في بادئ الأمر وكأنه صراع على الرؤى السياسية والخيارات الاستراتيجية، ولكن سرعان ما تكشفت الأمور وتبين أنه تنازع على السلطة وعلى طريقة تقاسم كعكة الحكومة والمواقع الوزارية والقيادية والمكتسبات الفئوية. إذا كان لهذه الأزمة من أوجه غير سلبية فهي أعادتنا إلى رشدنا ووضعت الأمور في نصابها الصحيح، فعرفنا كم نحن عزيزون على الأمة العربية وعلى المجتمع الدولي، وأن كل النفاق السياسي الذي يمارسه المجتمع الدولي لا يجب أن يخفي الحقيقة. لذلك لا بد لبعض عقلائنا ومفكرينا ومراكز أبحاثنا أن تبدأ العمل بهدوء على تقييم هذه الأزمة وأسبابها ومظاهرها وآثارها على الفئات المجتمعية المختلفة وتبعاتها الاقتصادية على القطاعات الاقتصادية على المستوى الكلي وعلى المستوى التفصيلي. كما لا بد من تقييم حجم الضرر الذي لحق بكل قطاع اقتصادي وكل فئة مجتمعية. إنني هنا أدعو جميع المفكرين باختلاف توجهاتهم السياسية ومراكز الأبحاث والجامعات أن يتولوا زمام المبادرة لإطلاق حوار وطني – مهني - حر - هادئ – علمي حول هذه القضايا، فهي تمثل قضايا جوهرية وخيارات ملحة، وتمثل حاجة للقيادة السياسية الفلسطينية كل القيادة باختلاف مسمياتها وتوجهاتها. - مفتاح 5/12/2006 - http://www.miftah.org |