مفترقات ما بعد الطريق المسدود
بقلم: د.احمد مجدلاني
2006/12/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6395


نعي الرئيس محمود عباس للشعب الفلسطيني نهاية مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي أصر بنفسه على الأشراف عليها وإدارتها مع رئيس الوزراء وقادة آخرون من حركة حماس ، وأفسح بالمجال لوساطات محلية وعربية متعددة نشطت خلال الأشهر السابقة وبالتحديد، منذ أن تم التوصل لاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني ،والتي نجمت أيضا عن مفاوضات ماراثونية مابين رام الله وغزة وصولا إلى التوقيع عليها تحت عليها ضغوط مختلفة .

لكن النهاية المأسوية لجهود مضنية استمرت اشهر عديدة بهدف التوصل إلى حكومة تقوم على أساس برنامج سياسي مقبول يفسح المجال أمام فك العزلة السياسية والحصار الاقتصادي عن الشعب الفلسطيني ، هذه الجهود وعلى هذه الأسس رغم الإعلانات المتكررة والمتفائلة عن الوصول لاتفاق والتراجع عنه بالاستدراكات ، او بالقرب بالتوصل لاتفاق يعلن عنه خلال أيام ويحدد اليوم والتاريخ وتبدأ بورصة الأسماء للتداول لشغل حقائب وزارية لشخصيات معروفة او غير متداولة عادة في بورصة الوزارات السابقة .

غير أن ما وصلت إليه مفاوضات تشكيل الحكومة من مصير شبه محتوم لم يكن بالمفاجئة للكثيرين والمتابعين لتجربة حركة حماس وقوى الإسلام السياسي ، رغم كل التطمينات المقصودة التي كانت تصدر عن قادة الحركة والتي تصر على إن إنجازات قد تحققت على طريق تشكيل الحكومة ، القول ليس بالمفاجئة ليس للسبب السالف الذكر، وإنما أيضا لطريقة إدارة العملية التفاوضية التي قامت على قاعدة الثنائية بين فتح وحماس ، هذه الثنائية زادت من تعقيد الموقف المعقد أصلا بحيث أظهرت الخلافات وكأنها صراع على المحاصصة بين الحركتين الكبيرتين ، على حساب القوى السياسية والكتل البرلمانية الأخرى واستبعادها من المفاوضات وصولا إلى تحديد طبيعة ومشاركة كل طرف منها، بما في ذلك الشخصيات المستقلة وامتلاك كل حركة الفيتو على أي اسم غير متفق عليه بينهما من هذه الشخصيات . وهنا كان النجاح الثاني لحركة حماس في إدارة العملية التفاوضية ، بحصرها بالطابع الثنائي من جهة ، وتجريد فتح من حلفائها من القوى الأخرى ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي بالمشاركة بالعملية التفاوضية ، ووضع الأستعصاءات التفاوضية لتظهر الخلافات على هذه الشاكلة .

بيد إن القضية المثيرة للغرابة في شان المفاوضات التي حكمت تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ، هي أن الذي يفاوض على تشكيل الحكومة الجديدة رئيس الوزراء الذي يفترض منه قانونيا ودستوريا أن يستقيل ليفسح بالمجال أمام رئيس الوزراء الجديد او المكلف بأجراء المشاورات مع الكتل النيابية والقوى السياسية وبالتشاور الوثيق مع الرئيس طبقا للنظام الأساسي باعتبار أن الحكومة تساعد الرئيس في تنفيذ مهامه . لقد بدى إن إدارة الحوار من قبل رئيس الحكومة لتشكيل حكومة جديدة تخلفه وكأن هناك وصاية مفروضة على الحكومة الجديدة ، وان الحكومة الجديدة لن تكون سوى حكومة قديمة جديدة مع بعض التعديلات التي تجرى على بعض شخوصها ورموزها وستدار والحال هكذا عن بعد من قبل رئيس الحكومة السابق، هذا إذا ما تشكلت حكومة جديدة وهو الخيار الذي كان الأقل ترجيحا لدى قيادة حركة حماس عبر إداراتها لعملية تكتيكية واسعة وكبيرة استمرت عدة اشهر استهلكت فيها قوى الرئاسة والقوى السياسية من جهة ، وراهنت على عامل الوقت لتسكين الوضع الداخلي الذي يعاني من ضغوطات الحصار والإغلاق والعزلة السياسية.

لقد راهنت قيادة حركة حماس على عامل الوقت ليس فقط لتسكين الوضع الداخلي فحسب، وإنما لإفساح المجال أمام الوسطاء "والأصدقاء" من الذين دأبوا على فتح مسالك وقنوات اتصال وحوار مع الأطراف الدولية والإسرائيلية في محاولة لفك الحصار عن الحركة وحكومتها ، ومن هنا وفي الوقت الذي كانت الحركة ورئيس حكومتها تجري المفاوضات في غزة ، كانت الحركة ترفض الربط بين تشكيل الحكومة والملفات الأخرى التي من شانها إلى جانب تشكيل الحكومة وبرنامجها السياسي المساعدة على فك العزلة والحصار ، وبالتحديد رفض الحركة معالجة الملف الأمني والمتمثل بالتهدئة ووقف إطلاق القذائف على البلدات داخل الخط الأخضر ، وعملية المبادلة بالأسير المحتجز لديها بأسرى فلسطينيين .

لقد ناورت حركة حماس بالملف الأمني لإدراكها للأهمية الاستثنائية للأمن لدى الجانب الإسرائيلي ، وكذلك الأمريكي وخاصة إن الولايات المتحدة في هذه اللحظة السياسية تركز على معالجة الشأن العراقي وتسعى لتبريد بؤر التوتر الإقليمية الأخرى ، وبالتالي فالموافقة الإسرائيلية السريعة وغير المسبوقة على التهدئة في إطار تبادلي ومتزامن ، وكذلك تسريب معلومات عن قرب التوصل لاتفاق لتبادل أسرى على نفس الأسس السابقة ، تشي بنجاح الوساطات الإقليمية وبالتالي دخول حماس في اختبار ضمان الأمن ، والالتزامات المتقابلة والمتزامنة .

لقد عززت هذه التطورات علاوة على قرار وزراء خارجية الدولة العربية والدول الإسلامية والذي لم يجد ترجمة عملية له بعد، بفك الحصار المالي عن السلطة الفلسطيني من القناعة لدى قيادة حركة ان العزلة والحصار عن الحركة وحكومتها في طريقها للتفكك والانهيار ، وانه إذا ما كان ثمة ثمن سياسي ما يتوجب على حماس دفعه لفك هذه العزلة فلما تدفعه لوحدها وتقبل بمشاركة الغير لها بالحكم ،وما دامت ستدفعه هي ومن حسابها فماذا تكون مضطرة لمشاركة الآخرين لها .

ومن هنا فإن الرهان على استمرار الأوهام على ما يمكن أن يسمى استئناف الحوار لتشكيل حكومة وحدة وطنية ليس الهدف منه سوى منح حركة حماس وحكومتها الوقت الإضافي والكافي لاستكمال خطواتها في استكمال أوراق اعتمادها إقليميا ودوليا بدون غطاء من أي طرف بما في ذلك الرئاسة وحركة فتح والقوى الأخرى . وحتى تصوب هذه العملية وتتوقف حالة التضليل الداخلي والخارجي نرى اتخاذ الخطوات التالية :

- وقف المفاوضات لما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية . - إعلان الرئيس محمود عباس عن الأسباب الحقيقية لفشل تشكيل حكومة الوحدة ، وبأنه ليس خلافا على توزيع الحقائب بل على برنامج الحكومة السياسي.

- إفساح المجال لحركة حماس وحكومتها بتحمل مسؤولياتها كاملة أمام الشعب الفلسطيني والمؤسسات التشريعية والدستورية . - التحرك النشط لتأسيس معارضة جادة من القوى الوطنية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي ذات بعد شعبي فاعل بالشارع الفلسطيني.

- تفعيل المعارضة البرلمانية بكافة أبعادها من المسألة والمحاسبة لحكومة حماس. - العمل بجدية لتفعيل مؤسسات م.ت.ف الفلسطينية ، باعتبارها المرجعية العليا للسلطة الفلسطينية ، وعدم ربط هذا التفعيل بالتوصل لاتفاق حول تشكيل الحكومة .

إن جملة هذه المقترحات وفي ظل ما سمي بالطريق المسدود لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية أن تفتح أفقا أوسع بكثير من الرهان الواهم، كالحمل الكاذب على ولادة حكومة لن تولد أبدا. - مفتاح 4/12/2006 -

http://www.miftah.org