ماذا بعد وقف إطلاق النار؟
بقلم: عوني صادق
2006/12/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6483


من الصعب الاعتقاد أن الاتفاق الذي وافقت عليه حركتا (فتح) و(حماس)، والذي توصلت إليه وأعلنته “لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية”، سوف يصمد وينجح في إبعاد شبح الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني، حيث وصفه المراقبون بالهشاشة. وجاء انفجار الوضع بعد أن تدهور بشكل سريع بعد آخر لقاءات الرئيس محمود عباس مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في أريحا الشهر الماضي، ومباشرة بعد خطابه الذي دعا فيه إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة. وكانت الاتهامات المتبادلة بين حركتي (فتح) و (حماس) قد وصلت حدا أقصى جعل الانفجارأمرا حتميا.

المراقب الموضوعي، حتى لو كان محايدا، كان قد بدأ يرى أن (حماس) أصبحت في موقع الدفاع عن النفس، حيث تجاوزت (فتح) في الأسابيع الأخيرة ذلك الموقف الذي اتخذته لحظة ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني الماضي، على أهميته وانطوائه على كل التطورات السلبية التي تلته. إن محاولات الاغتيال التي وقعت في شهر واحد، والتي تعرض لها ثلاثة من كبار القياديين في (حماس) وهم رئيس الحكومة إسماعيل هنية، وقبله وزير داخليته سعيد صيام، وبعده وزير خارجيته محمود الزهار الذي قد لا يكون الأخير في السلسلة، دليل أكيد على أن الأوضاع أضحت أخطر من السجالات بل والاشتباكات التي سبقتها، وتشير إلى ما هو أبعد من مجرد رغبة في إبعاد حركة (حماس) عن الحكومة أو إفشال حكومة شكلتها (حماس).

كثيرون، وأنا منهم، قالوا في وقت من الأوقات، بعد انتخابات يناير/ كانون الثاني 2006 إنه من الأفضل لحركة (حماس) أن تتنحى بعيدا وتترك لحركة (فتح) أن تشكل حكومة جديدة بعدما أصبحت مهمة الحكومة لا تتعدى “رفع الحصار” المفروض على الشعب الفلسطيني، هذه المهمة التي قالوا إنها لن تتحقق إلا من خلال حكومة تلتزم بشروط اللجنة الرباعية. لكن حركة (حماس) رفضت ذلك، وكانت تعطي في الغرف المغلقة سببا يجبرها على عدم التخلي عن الحكومة لكل من يطلب منها التخلي عنها، وهو أنها ستذبح إن فعلت ذلك. كان البعض يذهب لدى سماعه السبب إلى القول إن (حماس) تحاول أن تعطي مبررا لتمسكها بجزء من السلطة، لكنني اليوم، ودون أن أسأل (حماس)، أستطيع أن أقول في ضوء التطورات الأخيرة

إن ما كانت تقوله وتتخوف منه لم يكن تبريرا، والأهم أن المسألة عند (فتح) هي أبعد من مجرد ذبح (حماس). ماذا يعنى هذا؟

نعرف جميعا أنه كان لأرييل شارون شرط لقبول التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ولم يكن هذا الشرط يختصر ب”نبذ الإرهاب” بل هو ينص في الأصل على “محاربة الإرهاب وتدمير البنى التحتية للمنظمات الإرهابية”. وما زال القادة الصهاينة يعودون إلى هذا النص في كل تصريحاتهم الرسمية المهمة، ويؤكدون أنه من دون ذلك لا معنى لنبذ الإرهاب.

لقد اعتقد شارون أن وصول جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض هو فرصة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، ثم جاء غزو العراق واحتلال الأمريكيين له ليؤكدا وجود هذه الفرصة، فعمل على استغلالها ليدفع الفلسطينيين إلى الاقتتال لأنه كان يعرف أن القلعة الفلسطينية لن تسقط إلا من الداخل. لكن صمود الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، والقدر العادل الذي أخذ شارون إلى الغيبوبة وأخذ بوش إلى الفشل الذريع جعلا الفرصة وكأنها تتلاشى. المفارقة أن الفشل الذي واجهه جيش بوش في العراق، والهزيمة التي واجهها جيش أولمرت في لبنان، لم يخرجا تلك الفكرة من رؤوس خلفاء شارون ومستشاري بوش، بل ربما جعلهم يصبحون أكثر قناعة وحاجة لمتابعة الفكرة لعلها تغطي بعض ما واجهوه من فشل. وهكذا استمر الحصار على الحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، كما استمر تحريك بعض القوى الفلسطينية لتوتير الأجواء لتوفير ظروف الدخول في جو “الفوضى الخلاقة” الأمريكية، فكانت زيارات واتصالات رايس مع الرئاسة وقيادات (فتح) تتم كلما بدا وكأن الحوار حول “حكومة الوحدة الوطنية” يقترب من نهايته الناجحة، وفجأة تظهر نهاية الطريق المسدود.

إن ما هو مخطط له لا يتوقف هدفه عند عودة قيادة (فتح) إلى الاستئثار بالسلطة أو عند إبعاد (حماس) عنها، بل هدفه الحقيقي أبعد وأهم من الحركتين معا، إنه يهدف لإيصال الشعب الفلسطيني إلى حالة من الفوضى يظهر فيها غير جدير بالتحرر أو التحرير أو الاستقلال أو السيادة. وفي هذه الحالة يصبح من السهل جدا وكما يعتقدون- بعد أن تقضي الفصائل الفلسطينية بعضها على بعض وعلى نفسها- أن تتم تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني.

إن ممارسات بعض قيادات (فتح) تقف وراء التصعيد الحاصل، والاتفاق الأخير لم يضع نهاية لعناصر التفجير، بل جمدها مؤقتا وأعاد الوضع إلى ما كان قبل الانفجار الأخير، ما دامت الدعوة إلى الانتخابات قائمة، وستبقى موضوعيا، بوعي أو من دونه، في خدمة الهدف الصهيوني الثابت. إنه في اللحظة الراهنة، لا تدافع (حماس) عن نفسها وحسب، بل تدافع عن القضية الوطنية، سواء اتفقنا مع رؤيتها السياسية الكاملة أو لم نتفق، والفلسطيني لا يستطيع إلا أن يعتبر ما يجري مؤامرة عليه وعلى مستقبل قضيته، يدينها بشدة ويطالب بإفشالها قبل أن تقع الكارثة. - الخليج الاماراتية 25/12/2006 -

http://www.miftah.org