البعد العربي في الفشل الفلسطيني
الموقع الأصلي:
الملك عبدالله بن عبدالعزيز وصف الوضع بأنه “مخز”، وكان على حق، ودعا حركتي (فتح) و(حماس) لعقد حوار بينهما في مكة المكرمة، ورحبت الحركتان بالدعوة من دون أن تختفي المواقف أصل المشكلة في تصريحات الناطقين المرحبين بالمبادرة. والسؤال: هل يكون مصير “حوار مكة” أفضل من الحوارات السابقة؟ وهل المشكلة في مكان عقد هذا الحوار؟ لقد فشلت حوارات سابقة بين الحركتين، وبين كل الفصائل الفلسطينية أيضا، في غزة وفي القاهرة وفي دمشق، بالرغم من الاتفاقات التي كانت تعلن بعد كل حوار. أما في عمان فقد فشل الحوار فيها قبل أن ينعقد اللقاء، رغم الترحيب الذي صدر عن الحركتين، عندما وجهت الحكومة الأردنية دعوتها لعباس وهنية. ويحتار المراقب أحيانا وهو يسمع تصريحات المسؤولين الفلسطينيين ولا يعرف -أو لا يسمع شيئا عن- السبب الحقيقي الذي أفشل كل الحوارات ومرشح لأن يفشل الحوار الجديد في مكة إن تم، خصوصا وأن أولئك المسؤولين يظهرون متفقين على ما يسمونه “الثوابت الوطنية”.. أم أن الشياطين تظل في التفاصيل؟ الحقيقة أن لفشل الحوارات الفلسطينية سببين لا ثالث لهما: الأول فلسطيني، والثاني عربي. بالنسبة للسبب الفلسطيني، قلناه منذ وصلت (حماس) إلى الحكومة بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وبدأ الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو أنه ليس في الإمكان الاتفاق على أي شيء وخصوصا ما يخص تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، فهذا غير ممكن بين فصيلين نقيضين حتى لو قالا غير ذلك، وحتى لو تم الجمع بينهما فالحصيلة لن تكون حكومة وحدة وطنية. لماذا؟ مثلا، لو قبلنا وقلنا إن (فتح) و(حماس) متفقتان على إقامة دولة فلسطينية في حدود 4 يونيو/ حزيران 1967 يظل الخلاف قائما وبقوة حول كيفية الوصول إلى ذلك. الرئيس محمود عباس يرى أن المفاوضات وحدها هي السبيل الوحيد الممكن، بينما (فتح) تلعب على هذا الموضوع وتقول إنها لا تلغي المقاومة “إن فشلت المفاوضات”. والحقيقة أن (فتح) لم يعد لديها أي تفكير في المقاومة المسلحة ضد “إسرائيل”، و”كتائب شهداء الأقصى” موجودة لمواجهة “كتائب القسام” أو “سرايا القدس”، أو بمعنى آخر لحماية “سلطة فتح” وقياداتها! فالمفاوضات فشلت منذ سنوات طويلة، وقبول مبدأ المفاوضات الآن يعني قبولها نهائيا، والأخطر في المسألة يعني إخضاع عملية المفاوضات لموازين القوى القائم بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، ثم قبول واشنطن قاضيا وحكما، وبالتالي قبول ما تراه واشنطن وتل أبيب من “تسوية” أو تصفية للقضية الفلسطينية، حيث القواعد نفسها ستخضع لها كل “قضايا الوضع النهائي”، قضايا الحدود والقدس واللاجئين. فكيف يمكن للطرفين أن يتفقا؟ في مؤتمر دافوس الأخير، التقى عباس مع وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” تسيبي ليفني التي قالت له: “إن الحوار مع حماس لن يؤدي إلى نتيجة”، وكانت تقصد أن تقول: لا تتحاور مع (حماس). من جانبه، قال عباس: “إن لم توافق حماس على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل” سنذهب للانتخابات المبكرة”! قصد أن يقول: إما أن توافق (حماس) على ما نريد أو نذهب للانتخابات المبكرة! الفلسطينيون لن يتفقوا ما دام فيهم طرف رئيسي يضع بيضه في السلة الأمريكية - “الإسرائيلية” مهما كثرت الحوارات الفاشلة. أما البعد العربي فهو لا يختلف جوهريا، بل هو خاضع للمعطيات نفسها، وليست المشكلة في المكان الذي تعقد فيه الحوارات الفلسطينية بل في مواقف الدول العربية صاحبة هذه الأمكنة. فمعظم الأنظمة العربية شاركت في حصار هذه الحكومة وحصار الشعب الفلسطيني حتى لا تزعج أو تثير ضدها الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك فإن معظم هذه الدول أعضاء في “حلف المعتدلين العرب” الذي هو حلف أمريكي - “إسرائيلي” - عربي ضد من تعتبرهم واشنطن “المتشددين العرب”، وضمن المتشددين حركة (حماس). الموقف العربي “الأفضل” اليوم هو ذاك الذي يردد “نوافق على ما يتفق عليه الفلسطينيون”! والفلسطينيون لا يتفقون، فما هي قيمة مثل هذا الموقف؟ أما المواقف الأخرى فهي مع محمود عباس حليفهم في “حلف المعتدلين العرب”، ففي مصلحة من تصب هذه المواقف فعلا؟ وما دامت هذه هي المواقف العربية، فكم ترى من مسؤولية “الخزي الفلسطيني” تتحمل الدول العربية الشقيقة، وإلى أي مدى تساهم مواقفها في الشرخ الفلسطيني الحاصل اليوم؟ بالمناسبة أنا لا أعتبر ما تفعله حكومات الكيان الصهيوني، وما تتخذه حكومات الولايات المتحدة من سياسات ومواقف من القضية الفلسطينية سببا من أسباب ما يجري في الساحة الفلسطينية، لأنني لا أتوقع شيئا غير ما تفعله وتقدم عليه تلك الحكومات، فهم الأعداء كما أفترض! ولا يجوز أن يضحك بعضنا على بعضنا بعد اليوم، فقد وصلت الروح الى الحلقوم. وعلينا جميعا ممن لسنا سلطويين، فلسطينيين وعربا،أن نعلن للجميع أن المواقف الفلسطينية والسياسات العربية هي سبب فشل الحوارات الفلسطينية، ولا دخل ولا ميزة للأمكنة التي تعقد فيها هذه الحوارات إلا بقدر ما تتصل بالمواقف والسياسات. - الخليج الاماراتية 1/2/2007 http://www.miftah.org |