"الشريك الفلسطيني".. هل عاد إلى الوجود؟!
الموقع الأصلي:
إنَّ المنطق ليس إلا يَحْملني على الاعتقاد بأنَّ اللقاء الثلاثي ما كان ليُعْقَد لو لم يُحَضَّر له جيدا على "المستوى الفكري"، فثمة أفكار ومقترحات جديدة (لم تتسرب إلى الصحافة ووسائل الإعلام) قد بُحِثَت من قبل، وسوف ينتهي هذا اللقاء إلى نقلها إلى اجتماعات جديدة تُعْقَد بين إسرائيل والفلسطينيين، أي بين حكومة اولمرت والرئاسة الفلسطينية، التي اتُّفِق في "اتفاق مكة"، ضمنا، على أن تتولى هي حصرا أمر التفاوض السياسي مع إسرائيل، فهذا اللقاء إنَّما تكمن أهميته السياسية العملية في تدشينه هذا التفاوض. وأرى خير توضيح لأهداف اللقاء الثلاثي في التصريح الصحافي الذي أدلى به رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات والذي قال فيه إنَّ هدف اللقاء هو "فتح قناة هادئة (كان قد دعا إلى فتحها غير مرة الرئيس عباس) لاستكشاف كيفية الوصول إلى هدف قيام دولة فلسطينية". إذا انتهى اللقاء الثلاثي إلى افتتاح تلك القناة التفاوضية الجديدة التي لا يُسلَّط عليها من الضوء الإعلامي إلا بما يفي بغرض المتفاوضين فإنَّ الفلسطينيين يستطيعون عندئذٍ تسجيل نجاحهم في دفع إسرائيل إلى التخلي عن فكرة ـ ذريعة أن لا وجود لشريك فلسطيني لها في مفاوضات السلام. لقد دعا الرئيس عباس غير مرة إلى فتح قناة تفاوضية كتلك، فهل من معنى سياسي عملي لدعوته؟ إنَّ القناة التفاوضية في حدِّ ذاتها ليست بعصا موسى التي تشق البحر، فأزمة التفاوض السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين لا يمكن تفسيرها على أنها أزمة غُرَف أو طاولات للتفاوض، فهي، في المقام الأول، أزمة منشؤها أنَّ حاجة الدولة اليهودية إلى سلام مع الفلسطينيين يلبي شروطهم ومطالبهم التي تحظى بقدر كبير من الشرعية الدولية هي من الضآلة بمكان، فالمفاوض الإسرائيلي لا يملك من حجم ونوعية "التنازل" إلا ما يجعل الفلسطينيين أشد ميلا إلى اليأس من حل تفاوضي لمشكلتهم القومية. ما أعتقده هو أنَّ الرئيس عباس يعتقد أنَّ لديه من المرونة التفاوضية الآن ما قد يجعل لـ "القناة التفاوضية الهادئة" أهمية عصا موسى. رايس "تسامحت" مع الفلسطينيين (لأسباب عراقية في المقام الأول) فقالت إنها ستقفز عن "الأوَّلي" من "خريطة الطريق"، لتُركِّز البحث في "الجوهري" منها، وهو التأسيس لدولة فلسطينية؛ لكنها لم تقل إنها ستلبي مطلب عباس "نبذ فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة"، فهل هذا يدعونا إلى تعليل النفس بوهم أنَّ التفاوض عبر تلك القناة سينتهي إلى اتفاق على قيام دولة فلسطينية ذات حدود دائمة؟ كلا، لا يدعونا إلى ذلك، فالدولة الفلسطينية التي يمكن أن تقوم لن تختلف في محتواها الجغرافي والديمغرافي والسيادي عن "الدولة ذات الحدود المؤقتة"؛ ولكنها ستختلف لجهة كونها بلا حدود دائمة أو مؤقتة من الوجهة الرسمية، أي أنَّ "الاتفاق" سيُمَهِّد لـ "تفاوض أخير" في شأن تعيين الحدود النهائية والدائمة لتلك الدولة، ولإسرائيل، بالتالي، في ناحيتها الشرقية. اولمرت، وبدعم من حزب العمل، له مصلحة في التوصُّل إلى اتفاق كهذا، فبفضله يمكنه تحويل ضعفه إلى قوة. والرئيس عباس يتوقَّع اتفاقا من النمط الذي يسمح بتغيير عميق في ميزان القوى الانتخابي والسياسي الداخلي. وإلى أن يتحقق ذلك يمكن أن يُعَدَّل "الحصار الدولي" بما يجعله أقل ضررا بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، فبقاء الحكومة الفلسطينية الائتلافية الجديدة غير مستوفية لشروط "اللجنة الرباعية" لرفع الحصار يمكن أن يشجِّع على تحويل بعضٍ من المساعدات المالية الخارجية إلى الرئاسة الفلسطينية، فتتلقى "الحكومة" من "الرئاسة" مباشرة ما يلبي حاجات عملها من تلك المساعدات، فحلٌّ كهذا هو ما يمكن أن يفضي إليه التزام "الحكومة الجديدة" أن "تحترم من غير أن تلتزم" اتفاقات السلام المؤقتة بين إسرائيل والفلسطينيين، و"القرارات العربية والدولية". - مفتاح 19/2/2007 - http://www.miftah.org |