قمة القدس تنجح بتأجيل القضايا العالقة
بقلم: د.احمد مجدلاني
2007/2/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6706


انتهت القمة الثلاثية بالقدس بأقل بكثير مما هبطت إليه سقف التوقعات التي حرصت الإدارة الأمريكية على الترويج لها في الساعات القليلة قبل عقد القمة ، في حين ان الترويج لعقد القمة والآمال العريضة التي كانت معلقة على نتائجها من انطلاقه جديدة لعملية السلام المتجمدة، بعد ان دخلت في غيبوبة عميقة خلال السنوات القليلة الماضية ، بفعل التعنت الإسرائيلي والانقلاب على كل الاتفاقات الموقعة والإصرار على إعادة فتحها والتفاوض مجدداَ عليها او فرض انتهاج سياسة الأمر الواقع التي أصبحت بديلا عن كل الاتفاقات الموقعة ، والانحياز الأمريكي وتحوله من راعي نزيه وحكم ، ووسيط مابين الأطراف المتنازعة إلى طرف منحاز لأحد أطراف الصراع ، علاوة على ان الإدارة الأمريكية تعاملت مع الأزمة في المنطقة وتفاعلاتها الإقليمية من موقع إدارتها وليس من منطق ومنطلق العمل على حلها ، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع إدارة الأزمة الناشبة في المنطقة، فإنها تعتقد ان إدامة الأزمة في المنطقة وإحداث التفاعل معها وتوجيهها، يمكنها من تعزيز هيمنتها وسيطرتها على الأطراف اللاعبة فيها وبالتالي المنطقة برمتها ، وكذلك تحولها إلى مرجع أخير مابين هذه الأطراف بنفس الوقت . التحول السريع في مضمون وهدف جولة رايس للمنطقة ، على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية ، يعكس قدرة وقوة قوى الضغط والتأثير "اليهودية الأمريكية" المرتبطة بالحكومة الإسرائيلية على قرار الرئاسة الأمريكية ، فإحداث لتوافق بين الرئيس بوش، وأولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي ، على عدم قبول نتائج الاتفاق الفلسطيني- الفلسطيني في مكة وبرعاية المملكة العربية السعودية ، هو ليس محاولة لإطلاق النار على هذا الاتفاق وإجهاض منطلقة بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ، وذلك باعتبار وما ورد بالاتفاق غير كاف سياسيا ولا يلبي الشروط الثلاث للجنة الرباعية ، بقدر ما يجهض هذا الموقف الدور السعودي الإقليمي الذي تراهن عليه واشنطن في سياق استراتيجيتها الجديدة في الخليج العربي والعراق لتشديد الحصار والعزلة على النظام الإيراني ، من خلال تقوية وتعزيز حضور معسكر الاعتدال في المنطقة .

التحول السريع في الموقف الأمريكي أربك ما كانت تطمح إليه رايس من إطلاق ديناميات لاستعادة زمام العملية السياسية على الأقل من خلال تحديد الوجهة والآليات المحددة للوصول للهدف النهائي وهو إقامة دولتين لشعبين وفق رؤية الرئيس بوش، هذه النتائج على الرغم من تواضعها فيما لو حدثت بالفعل كان من شانها إعطاء الانطباع بان الإدارة الأمريكية جادة في مسعاها لبحث الحلول لازمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وتنعش أمالاَ بان هناك إمكانية لاستعادة العملية السياسية ، مما قد يشجع أطراف الاعتدال العربي على توسيع معسكرهم ، وتشديد حصارهم للدور الإيراني في العراق ولبنان ، وكذلك الحال في فلسطين من خلال فكفكة التحالف مابين دمشق ، وطهران ، وغزة، والضاحية الجنوبية من بيروت .

وما لم تقله رايس صراحة بتحديد الموقف من حكومة الوحدة الوطنية ، وأرجائها إعلان الموقف بدبلوماسيتها المعهودة والمعروفة بتأجيل الإعلان عنه ، بعد تشكل الحكومة ،من خلال إبقاء خيط رفيع من التواصل الشكلي ، وإطلاق الوعود للقاء قريب في المنطقة يجمعها مع "شركاء السلام المفترضين" .

ان فشل لقاء قمة القدس الثلاثية اليوم في إحداث انفراجه ولو بسيطة بالجمود الذي يعتري العملية السياسية ، وترك القضايا الرئيسية معلقة ، او مؤجلة لتحقيق شروط الرباعية التي قد تحققت بالفعل من خلال الأساس السياسي الذي اقره اتفاق مكة ، يعكس هذا الموقف المشترك الأمريكي- الإسرائيلي ليس فقط عدم الرغبة عند الطرفين بالتوجه لصنع السلام في المنطقة ، وإنما ان هناك مصلحة مشتركة للطرفين في إبقاء الوضع فيها متوتراَ ، وقابل للانفجار حيث ان كلا منهم يوظف هذا التوتر لمصلحته ، سواء بالادعاء بعدم وجود شريك لصنع السلام معه ، أم باستثمار التوتر لزيادة الوجود العسكري المباشر وفرض الهيمنة بالقوة على المنطقة .

ان الموقف الأمريكي- الإسرائيلي الجديد القديم يلقي على كاهل الأطراف العربية التي رعت الاتفاق بالدرجة الاولى، والتي رحبت به ورأت فيه مخرجا من المأزق الفلسطيني الذي تهدد تفاعلاته أوضاعهم الداخلية مهمة حماية الاتفاق أولا ، وتامين مقومات تطبيقه في مواجهة الرفض الأمريكي- الإسرائيلي ثانياَ ، انطلاقا بالأساس من المصالح العربية أولا ، ومن متطلبات الدور الإقليمي الذي تتصدى له هذه الدول في المنطقة أيضا .

ومن هنا فإن حماية اتفاق مكة ليس مسؤولية فلسطينية فحسب ، بل هو مسؤولية عربية تتحمل تبعاته كافة الأطراف من خلال توفير كل ما من شانه نزع الفيتو الأمريكي عنه ، ومنع ان يؤثر هذا الموقف على دول الاتحاد الأوروبي ، ومن اجل تشكيل جبهة دولية مساندة لاتفاق مكونة من الصين وروسيا الاتحادية ، وكذلك الحال دول الاتحاد الأوروبي ، انطلاقا من ان الاستقرار في المنطقة مصلحة دولية وتهم كافة دول العالم ممن لها مصالح مباشرة وحيوية فيها .

كما ان النتائج الهزيلة التي تمخضت عنها القمة الثلاثية اتجاه القضايا الأساسية، قد كشفت وعرت من جهة أخرى زيف المواقف الأمريكية المسيئة للرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بادعاء تقديم الدعم اللفظي له وتقويته وتعزيز نفوذه ، هذه النتائج بمجملها تستدعي من كل الحريصين على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني والذي يخضع الآن للاختبار بعد النجاح بتوحيده نسبياَ في اتفاق مكة، ان تمارس الضغوط على كل اللذين تضررت مصالحهم من الاتفاق، وعدم إفساح المجال لهم لتعريضه للتقويض من الداخل ، لان في ذلك إضعاف لروح الممانعة والتمسك بالقرار الوطني المستقل الذي تمسك به الرئيس في مواجهة الضغوط المسلطة عليه لإحباط مساعية بتوحيد الموقف الفلسطيني من جهة ، ونزع ذريعة عدم وجود شريك فلسطيني من جهة أخرى، وتمسكه بأسس العملية السياسية القائمة على قاعدة تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية . - مفتاح 21/2/2007 -

http://www.miftah.org