ملفات ومسائل مفصلية لمستقبل القضية الفلسطينية
بقلم: الدكتور يوسف كامل إبراهيم
2007/3/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6763


تعتبر المرحلة المقبلة من أخطر المراحل بالنسبة للقضية الفلسطينية ،ففلسطين جزء من منطقة الشرق الأوسط التي تشهد الكثير من الملفات الصعبة والمعقدة كالملف العراقي والإيراني والملف اللبناني وملف الصراع العربي الإسرائيلي ،يضاف إلى هذه الملفات هناك الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية والقمة العربية وجميعها تعتبر ملفات على علاقة بالقضية الفلسطينية ، وبالتالي فمستقبل القضية الفلسطينية سيعتمد على مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية أهمها مستقبل المقاومة في العراق وقدرة الأمريكان في البقاء على الساحة العراقية وطبيعة تطور الأزمة النووية مع إيران والتي يعتقد أنها ستصل إلى مسألة الحسم العسكري في الشهور القادمة، وكذلك حسم الموقف اللبناني على المستوى الداخلي ، والإدارة الأمريكية التي ستفرزها الانتخابات الأمريكية القادمة وموقفها ورؤيتها للملف الفلسطيني،وكذلك الانتخابات الإسرائيلية والنتائج التي ستفرزها هل سيكون لهذه القيادة رؤية لحل القضية الفلسطينية، فالعوامل تتداخل وتعتمد على بعضها البعض وكل موقف سيؤثر على مواقف الآخرين. وبالنسبة للفلسطينيين فحكومة الوحدة الوطنية تحديدا سوف يتحدد مستقبلها بناء على المواقف والتحديات الداخلية إضافة إلى ما تقدم من عوامل وملفات إقليمية ومن هذه التحديات:-

الملف السياسي:

فالسؤال المطروح أمام حكومة الوحدة الوطنية ،كيف يمكن لها أن تحافظ على المشروع الوطني الفلسطيني بثوابته دون التنازع عن أي من هذه الثوابت ومنها حق الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية في حدها الأدنى في حدود الرابع من حزيران 1967 ، وسيكون أمام حكومة الوحدة ملف المسجد الأقصى والاستيطان والأسرى واللاجئين وكيفية التعامل مع هذه القضايا ، وسيكون أمام هذه الحكومة تحدى رفع الحصار السياسي عن الشعب الفلسطيني وحكومته

الملف الأمني:

سيكون الملف الأمني ملفا شائكا ومعقد أمام حكومة الوحدة الوطنية من حيث المؤسسة الأمنية وهياكلها ومن حيث الواقع الأمني ،فإعادة هيكلة المنظومة الأمنية بناء على المتغيرات السياسة والحزبية على الساحة الفلسطينية ،وكذلك إعادة الاعتبار للمنظومة الأمنية في ظل انتشار المجموعات المسلحة المختلفة منا المنضبط ومنها غير المنضبط ،وهذا يتطلب إعادة بناء المؤسسة الأمنية بناء على المتغيرات على الساحة السياسية بما يكفل مشاركة الجميع في المؤسسة الأمنية حتى يوضع الجميع أمام المسئولية الوطنية وأن لا يكون أحد خارج المنظومة الرسمية حتى يتم التغلب على ظاهرة الفلتان الأمني وعسكرة الشارع الفلسطيني والعائلي

الملف الاقتصادي:

سيكون الملف الاقتصادي من التحديات الكبيرة أمام حكومة الوحدة الوطنية فارتفاع نسب البطالة والفقر وتدني مستويات المعيشة وتدهور الواقع الاقتصادي من التحديات التي تنتظر حكومة الوحدة الوطنية والتي يتأمل المجتمع الفلسطيني من هذه الحكومة أن تعمل كسر الحصار الاقتصادي ووقف التدهور في النظام الاقتصادي الفلسطيني من الناحية الهيكلية والاجتماعية.

ملف الإصلاحات الإدارية:

تعيش الوزارات والمؤسسات والهيئات الفلسطينية حالة من الترهل الإداري فالتضخم في قطاع الموظفين العام وعدم التطابق بين الوصف الوظيفي وبين العمل الذي يقوم فيه الفرد وعدم انضباط البعض من الموظفين في عمله، وضرورة إعادة النظر في الكثير من القوانين والرتب الوظيفية بما يضمن رفع جودة الأداء الوظيفي سيكون أيضا تحدى أخر أمام الحكومة الفلسطينية لأن ذلك كله ينعكس على الموازنه العامة والميزانيات المخصصة للوزارات

ملف إدارة الصراع:

سيكون ملف إدارة الصراع مع العدو الصهيوني من أهم الملفات التي ستكون أمام حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية فالمقاومة والجهاد ضد المحتل لا يختلف عليها اثنان في الساحة الفلسطينية ولكن كيف ومتى وشكل المقاومة والجهاد أصبح محل اجتهاد وتقدير من كل فصيل وحزب على الرغم من أن تبعات ونتائج أي عمل تعود على الشعب الفلسطيني عامة وليس على الفصيل نفسه وبالتالي حتى لا يكون هناك حالة من الاختلاف حول تفسير مفهوم المقاومة والجهاد لا بد وأن يكون هناك إجماع وطني على إدارة الصراع مع العدو الصهيوني وأن يكون ذلك من خلال اتفاق مشترك على الموقف والرؤية والآليات للمقاومة وادارة الصراع مع العدو الصهيوني

ملف العلاقات الخارجية:

من المعتقد أن يكون ملف العلاقات الخارجية ملف معقد وشائك بسبب المواقف ألمعلنه من بعض الأطراف الإقليمية والدولية باتجاه حكومة الوحدة ، وهذه المواقف ستحدد علاقة الأطراف المختلفة بمكونات حكومة الوحدة الوطنية ،فبعض الأطراف صرحت بأنها ستقيم علاقات مع وزراء فتح دون وزراء حماس والبعض صرح سيقيم علاقات مع شخصيات مستقلة دون وزراء حماس وفتح والبعض الآخر صرح بأن العلاقة ستكون مع الرئاسة دون الحكومة ،ويعتبر هذا تحدى أخر أمام الحكومة في قدرتها على صناعة آليات تضمن تمثيلها للشعب الفلسطيني وليس لفصيل أو لشخص معين ، وأن على الحكومة أن تأخذ موقف جماعي يضمن عدم تصرف أي من الوزراء بعيدا عن الموقف المشترك في صالح القضية الفلسطينية وأن تكون حركة الوزراء وعلاقاتهم مقامة بناء على برنامج ورؤية الحكومة وليس بناء على الرؤية الشخصية أو الحزبية

ملف الشراكة السياسية:

فالشراكة السياسية من أرقى أوجهه العلاقات السياسية بين الفصائل والأحزاب المختلفة في الببرامج والرؤى السياسية ولكن هذه الشراكة يجب أن تكون بشكل صادق ومبنية على أسس سليمة تضمن للجميع المشاركة في صياغة وبناء النظام السياسي الفلسطيني، وأن لا تكون هذه الشراكة للترويج الإعلامي فالشراكة السياسية تعني الشراكة بشكل متساوي وعادل في بناء وهيكل وصياغة النظام الفلسطيني والذي تفردت به حركة فتح طوال السنوات الماضية، أن يكون هناك تطبيق فعلي على الأرض وداخل المؤسسات والهيئات الفلسطينية المختلفة لمفهوم الشراكة وإلا سنكون أمام نظام سياسي فلسطيني متعدد الرؤؤس (حكومة ورئاسة) (رئيس وزراء ونائبه) ( سلطة وطنية ومنظمة التحرير) (أجهزة ووزارات منقسمة على نفسها) وينطبق مفهوم الشراكة هذا أيضا على منظمة التحرير الفلسطينية كوعاء حاضن لجميع الفصائل الفلسطينية وعدم بقاء المنظمة بهذه الحالة المشلولة والغير ممثلة لجميع شرائح الشعب الفلسطيني

ملف الفساد:

الفساد ظاهرة تنتشر في معظم دول العالم ولكن ما نختلف فيه عن العالم داخل الساحة الفلسطينية أن الفساد ينتشر ويتزايد وتتضخم ملفاته دون حساب لأي من المفسدين أو الفاسدين ، فالجميع سمع عن تقرير الرقابة العامة فى أواخر التسعينات (1997-1998) والنتائج التي خرج بها وكذلك ما صرح به النائب العام تكرارا ومرارا ، ورغم ذلك نسمع كل يوم عن قصص وأحاديث كثيرة عن الفساد المستشري داخل مؤسسات وأجهزة وهيئات السلطة الفلسطينية سواء كان فساد إداري أو مالي أو فساد التعدي على القانون وغير ذلك من أشكال الفساد فهل سيكون بمقدور حكومة الوحدة الوطنية الذي سيجتمع فيها معظم أطياف الشعب الفلسطيني أن تقف على ملف الفساد بجديه وأن يكون بمقدورها محاسبة ومسائلة أي شخص مهما كانت رتبته الوظيفية أو انتمائه التنظيمي أو العائلي؟؟؟؟ وهل سيكون بمقدور هذه الحكومة أن تقدم جميع المفسدين للعدالة والمحاسبة العلنية حتى لا يتجرأ أي فرد مهما كان على مقدرات الشعب الفلسطيني

ملف المفاوضات السياسية:

من الواضح أن وثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة قد أعطى الفرصة والهامش الكبير للسيد رئيس السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية لإدارة ملف المفاوضات ، وهذا أمر جيد في تبادل الأدوار على الساحة الفلسطينية ولكن قد يمثل ملف التفاوض قنبلة موقوتة وكبيرة تفجر الصراع داخل النظام السياسي الفلسطيني ،فمن يضمن أن لا تبدأ مفاوضات سياسية قبل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بما يكفل إطلاع جميع الأطراف على تفاصيل هذه المفاوضات ، من سيضمن أن تكون تفاصيل التفاوض جميعها ستكون تحت متناول جميع الأطراف أم ستكون هناك فرصة لإعادة سيناريو ما حصل في أوسلو ومدريد من وجود قنوات خلفيه تدير المفاوضات بعيدا عن الجهات الرسمية ، من سيضمن أن ما يرضى به الرئيس ووفد التفاوض أن يتوافق مع موقف الفصائل المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ، من سيضمن أن يعتبر الرئيس أن هذا الملف أعطى للرئيس ولمنظمة التحرير وبالتالي فكل الصلاحيات قد منحت لهم للتوصل إلى اتفاقات وتفاهمات سياسية دون الرجوع للفصائل والمؤسسات الرسمية كالمجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية ؟؟؟

ملف منظمة التحرير الفلسطينية:

ارتبط مشاركة الفصائل الفلسطينية بحكومة الوحدة الوطنية بشرط إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بجميع مكوناتها وهياكلها وبرامجها السياسية ،فهاهي حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية قاب قوسين أو أدنى ، فمن يضمن أن يتم البدء في ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية بالتزامن مع حكومة الوحدة أم أن تكرار تجربة اتفاق القاهرة ستتكرر، فاتفاق القاهرة والذي من خلاله أعطيت هدنه للعدو الصهيوني دامت أشهر عديدة يحتوى هذا الاتفاق على ضرورة الإسراع في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ولكن لم يتم تطبيق ذلك ولم يحصل أي تقدم باتجاه فتح هذا الملف ، كما أن مفهوم الإصلاح لمنظمة التحرير مفهوم فضفاض كبير وواسع فالإصلاح وإعادة الهيكلة تتم بناء على ماذا ؟؟؟ بناء على نتائج الانتخابات، فالانتخابات لم تجر في ساحات الشتات الفلسطيني ، وهل سيشمل الإصلاح تجديد وإعادة الهياكل والبرامج أم ستكون العملية شغل الشواغر فقط، ماهي الصلاحيات التي ستمنح للمنظمة بعد اصلاحها وهل سيتعارض صلاحيتها مع صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية ،لأنه بعد ذلك سيكون هناك رأسين للنظام السياسي الفلسطيني ( سلطة – منظمة التحرير) ولا يخفى على أحد مشكلة تمثيل الشعب الفلسطيني في القمم العربية والدولية فمن سيمثل فلسطين فيما بعد السلطة أم منظمة التحرير ، مسئولية الإشراف على السفارات الفلسطينية ستكون من صلاحيات من سلطة أم منظمة التحرير الفلسطينية

ملف التفسيرات لأتفاق مكة ووثيقة الوفاق الوطني:

إن ما يقلق الإنسان الفلسطيني على مستقبل القضية الفلسطينية ما نراه من اختلاف بين الساسة الفلسطينيين على شاشات الفضائيات والإذاعات وصفحات الصحف وهم يفسرون ما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة ، فكل متحدث من هؤلاء يفسر بنود الاتفاق بما يتناسب وبرنامج فصيله السياسي وبما يتناسب ورؤيتهم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وليس أدل على هذا الاختلاف ما هو قائم في مسألة اعتراف حماس في إسرائيل ، فحركة فتح تعتبر أن اتفاق مكة هو عبارة عن اعتراف من حماس بشروط الرباعية في حين حماس تعتبر أن الاتفاق شأنا داخليا فلسطينيا وليس له علاقة بشروط الرباعية وليس أدل على ذلك الموقف لحماس ما طلبته صراحة بعد اتفاق مكة كل من رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة وليفني وزيرة خارجية إسرائيل بضرورة اعتراف حماس بإسرائيل وهذا دليل على عدم قناعة إسرائيل وأمريكا وعدم كفاية اتفاق مكة بشأن شروط الرباعية والتي تتضمن ضرورة اعتراف حماس بإسرائيل ، فهذا الاختلاف يضعنا أمام التنبؤ بإمكانية الاختلاف على تفسير الكثير من البنود وخاصة تلك المتعلقة بالشأن الخارجي وإدارة الصراع مع إسرائيل مما يهدد حكومة الوحدة وديمومة استمراريتها.

أن الشأن الداخلي الفلسطيني واللحمة الفلسطينية من أهم العوامل التي ستحافظ على قدرة البقاء والصمود أما الضغوط الخارجية وعلى جميع الأطراف أن لا تخضع للابتزاز المالي والسياسي فسيكون لذلك تأثير كبير على بقاء اللحمة الداخلية وبقاء الحركة الوطنية والإسلامية ممثلة لطموح مجمل الشعب الفلسطيني، فحكومة الوحدة الوطنية تتمتع بعناصر القوة الكثيرة والكبيرة ومنها الالتفاف الشعبي والجماهيري إلى جانب مشاركة الفصائل السياسية ودعم الفصائل العسكرية لها وكذلك دعم ومباركة جميع الدول العربية لها ماليا وسياسيا، فحكومة الوحدة الفلسطينية سيكون بمقدورها انتزاع المبادرة السياسية من يد إسرائيل ،وسيكون بمقدورها إعادة اللحمة للنسيج الفلسطيني بعد حالة الصدام والفرقة التي سادت خلال الفترة السابقة، وسيكون بإمكان حكومة الوحدة أن تفرض الإرادة الفلسطينية على المجتمع الدولي لفك الحصار السياسي والاقتصادي عن الشعب الفلسطيني وسيكون بمقدورها إنجاز عملية تبادل للأسرى بما يتوافق والمصلحة الوطنية الفلسطينية، كما سيكون بمقدور حكومة الوحدة إنهاء حالة الازدواجية داخل النظام الفلسطيني وتفعيل المؤسسات الفلسطينية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية بما يتناسب وحجم المخاطر التي يتعرض لها المشروع الوطني الفلسطيني. - مفتاح 7/3/2007 -

http://www.miftah.org