وقفة مع الذات
الموقع الأصلي:
تعودنا الحديث عن وحش الاحتلال وصرفنا النظر عن وحش الفلتان الأمني والقيمي والاقتصادي والتربوي الذي يفكك ويضعف بناءنا الداخلي. وفي واقع الأمر لا يمكن فصل الـمقاومة والصمود في حرب الإقصاء الوجودي الخارجي عن الـمناعة الداخلية في مختلف الـمجالات، لا يمكن الفصل بين وحش الاحتلال ووحش الفلتان. رغم ذلك لا نقوم بالربط بينهما، ولا نقوم بالفحص والتدقيق والنقد البناء الذي يحصن الذات. دعونا ندخل في لب الـموضوع! ما هي نتيجة إطلاق مسلح النار أو قذيفة على إخوانه الـمسلحين في موقعهم أو مكان سكنهم ومع أطفالهم؟ وما هي الـمضار التي تلحق بالشعب جراء إقدام مسلح على قتل زميله الـمسلح خارج النظام والقانون؟ أسئلة عديدة يمكن إضافتها لجنحة الاقتتال كالخطف وتدمير الـمقرات والسيارات والـمطاردات والترهيب والوعيد. لو قامت لجنة محايدة بتقدير الـمضار والـمكاسب التي تترتب على مثل هذه الأفعال، هل تستطيع الخروج بأكثر من إشباع نزعة الانتقام وتعزيز سلطة الفصيل أو العائلة أو مراكز القوى؟ وهل تستطيع إنكار الإحباط والانكسار والخسائر البشرية والـمعنوية والـمادية التي تلحق بالـمواطنين؟ فكم عدد الشبان والشابات الذين ينسلخون عن النضال بفعل هذه الأفعال؟ وكم عدد الشبان الذين ينوون مغادرة الوطن بلا عودة؟ ثم هل نستطيع إنكار دور هذه الأفعال التي تجلب الخزي والعار في انفضاض الأصدقاء والحلفاء عن القضية الفلسطينية (أعدل قضايا البشرية)؟ إن أي تدقيق لحساب الربح والخسارة سيخرج بنتائج حاسمة ترجح وبما لا يقاس كفة الخسارة، كفة الـمصلحة الوطنية العليا التي يحلو للأكثرية الالتزام بها شكلاً وانتهاكها شر انتهاك في الواقع. وهذه النتائج الـمدعمة برأي الأكثرية الساحقة وفقاً لاستطلاعات الرأي كافية لإقناع من يحتربون بالاختفاء خجلاً. وعلى الأقل فإن هول الـمصاب وعظامة الخسارة ستدفعان هؤلاء إلى عدم تكرار هذه الأفعال والاعتذار للشعب. لكن ذلك لـم يحدث ولا لـمرة واحدة وهنا تكمن الـمصيبة. وإذا انتقلنا من الـميزان الوطني والأخلاقي إلى الـميزان الديني والى ميزان حكم القانون فإن كل الـموازين ستحكم على من يطلقون النار بأقسى الأحكام. فهذه الشرائع والقوانين تحظر على كل مسلح وكل مواطن ارتكاب فعل القتل وإقامة القانون بنفسه والعبث بالـممتلكات العامة وانتهاك الحق العام وعدم إخضاع الـمتهمين لـمحاكمة عادلة تستند لشهود وأدلة ولاستئناف..الخ، ان من يرتكب هذه الأفعال ويعرض الـمصلحة العامة للخطر سيحكم بأشد الأحكام كالسجن الـمؤبد مع الأشغال الشاقة مثلا وغرامة بالخسائر. إذا أخذنا زاوية خطف الأصدقاء الأجانب وخاصة الإعلاميين وموظفي وكالة غوث اللاجئين، سنجد إقرارا واعترافا من الخاطفين قبل غيرهم بأن هؤلاء أصدقاء للشعب الفلسطيني وضد الاحتلال الإسرائيلي. وهذا يعني أن دافع الخطف غير وطني ولا بأي حال من الأحوال. ويبقى الدافع الصريح للخطف هو الـمصالح الفردية أو الفئوية الضيقة. وبعدئذ تصوروا الثمن الذي يدفعه الشعب والقضية مقابل مبلغ من الـمال أو مقابل توظيف أفراد في الأجهزة الأمنية أو مقابل الافراج عن معتقلين متهمين بجنح مختلفة. هكذا تقايض قضية شعب ووطن بكسب فردي رخيص جدا. كم صحافياً بقي في قطاع غزة وفي الـمدن الفلسطينية، وكم هو عدد الـمتضامنين الأجانب بقي الى جانبنا؟ الجواب تراجعوا من آلاف إلى عشرات، هل نعلـم أن مقياس حرية الصحافة في أراضي السلطة انتقل من الترتيب 79 الى الترتيب 137 من مجموع 166 دولة بفعل هذه الأعمال الـمشينة. ومن الـمؤكد أن هذه النسبة تغيرت نحو الأسوأ في السنة الأخيرة. رغم وضوح الخسارة واكتسابنا مواصفات بشعة، يتم تنفيذ هذه الأفعال بدم بارد وبلا مسؤولية منقطعة النظير وبلا أخلاق. لـماذا يستمر القتل والخطف والفلتان رغم نتائجه الـماساوية؟ لـماذا يقبل هؤلاء تعريض الشعب والوطن للخطر مقابل تلبية مصالح فردية ضيقة؟ لـماذا تتواطأ الفصائل والأجهزة والوزارات والسلطات مع هذه الافعال؟ إن منظومة القوانين الوضعية والدينية والوطنية لا تسمح وتحرم وتحظر تلك الـممارسات، ولـم يعد لهذه الـمنظومة وجود في الواقع. ويبقى الخلل في منظومة القيم والثقافة السائدة وطرائق بناء الإنسان الفلسطيني، وفي مقدمة ذلك غياب رؤية نقدية تشتبك مع كل انحراف وتمارس الضغوط وتطرح الأسئلة الـمحرجة. الـمؤسسة الفصائلية والسلطوية مسؤولة عن تكريس ثقافة الـمصلحة الفئوية والفردية، ثقافة البندقية لا ثقافة الـمقاومة. لـم تطرح هذه الـمؤسسة استراتيجية مقاومة تبدأ بالتعليم والتأهيل والإبداع وبناء الذات الـمستقلة والعمل الـمنتج والتسامح واحترام الآخر في إطار التعددية. لـم تطرح ثقافة تطوير الأرض والاقتصاد الـمقاوم والاعلام الـمقاوم والعقل الـمقاوم وصولا الى الكيان الـمقاوم. لقد تم الانحياز للبندقية وتركت كل عناصر الـمقاومة الأخرى جانبا، ترك الابناء يذهبون للـموت والسجون بلا حساب ولا حماية وغير مسلحين بالوعي الانساني الـمقاوم. الشعوب الـمقاومة تضحي وتخسر كي تربح، وحركات الـمقاومة تحول الـمساعدات لتقوية الذات ومن أجل الاعتماد على الذات وليس لاضعاف الذات والتحول الى رهينة. وفي غياب الـمفاهيم الاستراتيجية التي تبنى وتتطور مع الـمقاومة وفي غياب الرؤية الناقدة تحولت الـمؤسسة إلى ملكية خاصة والحقيبة الوزارية إلى هدف مقدس والجهاز الامني الى مركز قوى يأتمر بالـمسؤول الأول. وإذا كان الحل فردياً وفئوياً فصائلياً وعائلياً، لـماذا لا تتحول البندقية إلى وسيلة للكسب الفردي وفرض سلطة الافراد والجماعات والـمليشيا الـمسلحة، وهذا النوع من الناس لا يحتاجون الى وطن ودولة ومؤسسة ونظام وقانون طالـما هم في موقع من يفرض سلطته في ركن ما وحارة ما ونفق ما!! الأيام (03/27/2007). http://www.miftah.org |