حق العودة وحُسن التدبير
بقلم: عدلي صادق
2007/3/28

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6852


يهمنا أن نؤكد لقمة الرياض، في يوم انعقادها؛ أن حق شعبنا في العودة، لا نقاش فيه ولا مساومة عليه، وأن محاولات أمريكا توسيع دائرة المشاركة العربية، في طروحات التسوية، إنما يُراد منها، خلق المزيد من العوامل العربية الضاغطة، لكي يتخلى الفلسطينيون عن حقهم في العودة، الى بيوتهم، في مدنهم وقراهم. وفي هذا السياق، ينبغي تنبيه الطبقة السياسية العربية، ومعها طبقة "المخابرات" التي حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية على الالتقاء بقادتها، أن إعطاء أية إشارات للأمريكيين، حول إمكانية التحايل على حق العودة، أو الاستعانة بمفسرين رديئين، لشرح إمكانية التحايل على هذا الحق، بخديعة جغرافية؛ إنما يُضعف الموقف السياسي العربي، بالضبط من حيث يظن البعض أنه يقويّه. فإن أعربت أوساط عربية مسؤولة، عن إمكانية "تجاوز" هذه المسألة، حتى وإن كان ذلك على شكل بالونات اختبار؛ فإن من يفعل ذلك يحرق ورقته هو، ويتعرى تماماً، ولن يكون لديه شيء يتعاطى به سياسياً، وفي الوقت ذاته، لن تُحرق أو تتأثر، أية ورقة من ملفات الحق السياسي والقانوني والإنساني، للشعب العربي الفلسطيني، في العودة الى أرضه: مزارع وبيوت وممتلكات!

* * *

وبصراحة، ومهما كان تأثيره السلبي، فإن التخلي العربي الرسمي، عن حق العودة، في حال اعتماده كسياسة رسمية؛ لا يضاهي في كارثيته، التخلي الرسمي الفلسطيني، في حال وقوعه لا سمح الله. وهنا، ينبغي أن ننبه ـ للاحتياط ـ أن من يفكر في الإيحاء بإمكانية التخلي عن حق العودة، ظناً منه أنه يتشاطر سياسياً، أو أنه يفتح أفقاً لمشروعنا الوطني، إنما هو غبي بامتياز، لا يعرف التاريخ، ولا يفهم في السياسة، لأنه سيحرق ورقته السياسية، لكي يتسول بعد ذلك وظيفة عميل. وإن لم نكن، الآن، في صدد موجز تاريخي، للمساومات "العبيطة" على حقوقنا الكاملة، على الأقل منذ منتصف الثلاثينيات، فلا بد أن نكون في صدد التذكير، بأن من يعطي مجرد إشارة، الى احتمالات التخلي عن المفهوم المطلق، لحق العودة، لا يؤذي فقط مشروعه الوطني المصغر، في أراضي 67 وإنما يضر كذلك بموقفه حين يطالب "إيرز" بعمل جمع شمل، لعائلة واحدة، موجودة سلفاً في غزة أو الضفة، ويصر المحتلون على حرمانها من بطاقة الهوية!

معنى ذلك، أن من يتماشى مع خطط التخلي عن حق العودة، سيصبح بلا قضية، وبلا سلاح. ولمناسبة السلاح، في وسعنا القول ـ بالمقابل ـ وبدون أي حرج، أن المتشددين منا، في موضوع السلاح والمقاومة والنهر والبحر، دونما طرح سياسي، هم أخطر على قضية حق العودة، من مائعي ورقيعي السياسة، الذين نتوقع منهم، استعداداً للتخلي عن حق العودة. فهؤلاء، الأخيرين، لا قيمة لآرائهم، لأنهم، من باب أول، لا يملكون التنازل باسمنا، عن حق شعبنا، ولأن الجانب المتعلق بالحق الشخصي، في مسألة حق العودة، لا يجعل كائناً من كان، مهما بلغت مرتبته، قادراً على التنازل عن الحق الشخصي لمواطن فلسطيني واحد. أما أخواننا من المتشددين، المستهزئين بموازين القوى وبمعطيات الصراع، فإنهم باتوا مطلباً للمحتلين. لقد كانت ظلال مفاعيلهم غائبة، في اللقاء الأخير، بين كونداليزا وأولمرت (أي لم يكن هناك تفجير ولا عملية استشهادية) ومع ذلك حرص الأخير، على استدعاء ظلال مفاعيلهم، لصرف الأمريكيين عن محاولة حل أزمة المارينز في العراق، من خلال الاقتراب ولو بالكلام، من جوهر القضية الفلسطينية. فهؤلاء، المتشددون لفظياً وبالسلاح الخفيف، لا يستأذنون أحداً قبل التكلم باسمنا جميعاً. فهم ماحقون ومُرعدون، الى درجة عدم إعطاء الفرصة، لخوض معركة القانون الدولي، والسياسة، وبراهين التاريخ، لجعل تعطيل حق العودة، معادلاً موضوعياً لتعطيل النواميس الطبيعية للحياة!

* * *

رُبَ قائل: وماذا فعل لنا القانون الدولي، أو ماذا فعلت لنا إرادة الأسرة الدولية، طوال نحو ستين عاماً؟ ونقول: لقد تعطل حق العودة، وأوقف مفاعيله، بشفاعة كل الأمنيات العريضة، والغايات النبيلة، الموصولة بميادين الحرب، وفي ظل السلاح الذي يستعيد الوطن، وذلك على امتداد أكثر من نصف القرن. لقد كانت الأمنيات مشروعة، وكان حمل السلاح واجباً، ولكن النتيجة هي نفسها، التي جعلت فريقاً لا يُستهان بحجمه، في فلسطين، ينقلب على مسار الثورة المسلحة، في العام 1938 ويفضل التسوية، القائمة على نيل معظم الحق، وليس على كل الحق، ضماناً للتحقق الوطني، الذي ربما استطاع بعدئذٍ تأمين كل الحق. وربما لو أجمع الفلسطينيون على خيار الفريق الذي أراد وقف ثورة 36 عندما طغى عليها مظهر الصراع الداخلي، لكان هناك تيار جارف ينتزع الحق الفلسطيني بمفاعيل السياسة والوحدة الوطنية. فمع كل الاعتذار والاحترام للجهد المبذول الآن، في استحضار أو امتلاك عوامل القوة العسكرية المتاحة؛ لا مفر من الحقيقة القائلة، بأننا لا نستطع في هذه المرحلة، الفكاك من طغيان معادلتين للسلاح، تفرضهما عوامل موضوعية معقدة: مهما امتلكنا منه، فإن المحتلين أقوى بما لا يُقاس، وكلما ازداد سلاحنا، كلما تضخمت مشكلتنا الداخلية وازدادت خطورتها!

ليس معنى ذلك أن نستسلم. هناك فارق بين الإرادة وبين العمل المسلح. إن هذه السطور، هي دعوة لمنع الاستسلام بالمعنى التاريخي والاستراتيجي. فإرادة المؤمنين، مع الوعي بالحق، والمثابرة عليه، وإدراك أن الوحدة الوطنية، هي صنو الحياة بالنسبة للقضية وللمجتمع، هي ـ كلها ـ أجدى من أي عمل مسلح بكل قدراتنا المتاحة. فالناصرة وسائر الجليل وعكا القديمة، لم يستسلموا. ورام الله بغير سلاح، لا تستسلم. والقدس العربية المحتلة، شامخة ولا تستسلم. بل سيكون مقتلها في سلاح تمتشقه في اللحظة الخطأ، وفي المكان الخطأ!

إن إنقاذ حق العودة، يقتضي التوقف طويلاً مع النفس، لتحديد الخيارات الصحيحة. لقد وفرت حكومة الوحدة الوطنية صيغة معقولة، لكن بعض المفاعيل على الأرض، تنم عن أن بعضنا ما يزال يعتقد بأن "الحل" يمكن أن يُتاح، من خلال الإفراط في الرهان على ما يسمونه مسار التسوية، أو أنه يمكن أن يُتاح، من خلال الرهان على قوة عسكرية، في غزة المحاصرة. إن مثل هذه الرهانات، ربما تنقذ فصائل ومصائر شخصية، لكنها لا تنقذ حقوقاً ولا مشروعات سياسية. فالحقوق ننقذها (أو ـ على الأقل ـ لا نفرط فيها) بالإرادة وحُسن التدبير، مثلما لا تستوي المشروعات الوطنية السياسية، بالرعونة وبالفصائلية المريضة!

www.adlisadek.net مفتاح 28/3/2007 -

http://www.miftah.org