سلخ الفلسطينيين بعد ذبحهم
بقلم: علي جرادات
2007/4/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=6895


كان، وما زال، وسيبقى سلخ الفلسطينيين عن عمقهم القومي هدفا صهيونيا استراتيجيا ثابتا، أما اختلاف وسائل تحقيق هذا الهدف وأشكاله فقد اقتضته تحولات واقع الصراع ليس الا.

ذاك ما أفرزه وعي الصهاينة لحقيقة أن:

اقتلاع الفلسطينيين وابتلاع أرضهم، وطمس حقوقهم بأيديولوجيا “أين هو الشعب الفلسطيني”؟، وبصيغة ما كان لسكان أمريكا الأصليين “الهنود الحمر”، هو أمر يستحيل تثبيته في التاريخ من دون سلخ الفلسطينيين عن عمقهم العربي، هذا فضلا عن وعي الصهاينة للفرق بين مواجهة الفلسطينيين منفردين، وبين مواجهتم كجزء من أمة. ولعل في هذا تأكيداً لأهم وظائف الكيان الصهيوني، ودوره التخريبي ضد أية مشاريع قومية عربية جادة تستهدف الخروج على طاعة عصا وقائع اتفاقية “سايكس بيكو” الاستعمارية التي أنجبت عبر “بلفور” فكرة انشاء الكيان الصهيوني، بل وكان قيام هذا الكيان حلقة أساسية مِن حلقات تلك الاتفاقية، وأداة فاعلة بعنف ومثابرة مِن أدوات تأبيد تطبيقاتها التفتيتية على الأرض.

لقد تعددت وسائل تحقيق هذا الهدف الصهيوني الاستراتيجي الثابت. وللتدليل فقط، فان الحروب الصهيونية ضد الثورة المصرية بقيادة الزعيم الراحل عبد الناصر، مثلت المؤشر الأكثر دلالة على الدور التخريبي للكيان الصهيوني ضد مشاريع النهوض القومي العربي، وعكست شدة الحاجة الصهيونية لسلخ الفلسطينيين عن عمقهم القومي، وكذا هي دلالة مؤشر عقد الصهانية لمعاهدة كامب ديفيد التي أخرجت طاقة مصر بالمعنى العسكري مِن الصراع؛ وفي كلا المؤشرين اشارة الى أن التجربة الناصرية كانت فعلاً المشروع القومي العربي الأكثر جدية، والحاضن القومي الأكثر التصاقا بالفلسطينيين وقضيتهم، وأن ما تحقق للصهاينة باتفاقية كامب ديفيد مِن قطعٍ لسياق تلك التجربة القومية الرائدة، شكل الضربة الأشد للمشروع القومي العربي وللقضية الفلسطينية في آن.

في السياق، وبعد اختراق “كامب ديفيد”، وعلى هدي نهجه، وتحويله الى سياسة عربية رسمية مقبولة وجامعة بعد أن كانت مذمومة، نجح المشروع الصهيوني بدعم مِن واشنطن في تحقيق الاختراق الاستراتيجي الثاني عبر مؤتمر مدريد عام ،1991 الذي قاد (بعد انفضاض “سامره” الاحتفالي)، الى “تبليع” الأطراف العربية “مصيدة” التفاوض المباشر والمنفرد مع الكيان الصهيوني تحت الرعاية الأمريكية، وان كنا لا ننسى مشاركة شاهديْ الزور الروسي والأمم المتحدة.

تواصلت مسيرة “مؤتمر مدريد” وما تناسل منها، وانقضى عقد ونصف العقد على ويلات مفاوضاتها العبثية، ولم تحصد الأطراف العربية خلالها شيئا يذكر، اللهم معاهدة “سلام” منفردة مع الأردن، وما قيل عن وديعة لرابين حول الجولان، وفتات مرارات تطبيق الشق الانتقالي مِن أوسلو، الفتات الذي عاد شارون ولحسه باجتياح مارس/آذار 2002 للضفة الغربية، وبناء الجدار الفاصل، وعزل غزة بفك الارتباط الأحادي معها، هذا اضافة الى ما توفر للكيان الصهيوني مِن فرصة لتكريس رؤيته الأمنية، تجلت وقائعَ على الأرض استيطانا وتهويداً للقدس وتقطيعاً لأوصال الضفة، هذا علاوة على ما أرتكب بحق الفلسطينيين مِن تقتيل وجرح واعتقال وتجويع وتدمير للبنى والامكانات، وما تم اعفاء الصهاينة منه مِن تكاليف استمرار احتلالهم المالية، وتبعاته الأمنية والسياسية والأخلاقية.

بذلك، ومنذ مفاوضات كامب ديفيد 2000 تحديدا، وفشلها في انتزاع توقيع فلسطيني على صك الاستسلام، وفي ضوء ما ترتب على ذاك الفشل مِن اشتعال لكامل السهل الفلسطيني بشرارة زيارة شارون لساحات الأقصى، أي اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول ،2000 بعد بروفتيْ انتفاضة النفق ،1996 وانتفاضة اضراب الأسرى في مايو/أيار ،2000 انتهت عمليا وواقعيا الطاقة الاستيعابية ل “مصيدة” مؤتمر مدريد، وتدنت قدرتها على “ادارة أزمة” الصراع، وتكريس وقائع سلخ الفلسطينيين عن عمقهم العربي، ولم يستطع أكسجين “خارطة الطريق” الاصطناعي تجاوز المأزق .

هنا، غدا الكيان الصهيوني بحاجة لتجديد “المصيدة”، وتزويدها بطُعمٍ جديد تحت مسمى مؤتمر (4+4+2)، خاصة بعد ترنح خطة “الانطواء” التي “لم تعد أولوية” بكلمات أولمرت اثر هزيمته العسكرية في لبنان. وعزز ضرورة تزويد “المصيدة” بطُعمٍ جديد تقاطع الحاجة الصهيونية الطبيعي مع حاجة واشنطن للموقف العربي لتجاوز ورطات سياستها في المنطقة عموما، وفي العراق تحديدا، اضافة الى ورطة الصهاينة وواشنطن مع الملف النووي الايراني الذي قد يقود الى مواجهة عسكرية كارثية على المنطقة، بل على البشرية قاطبة.

على هذه الخلفية، ورغم أن الحاجة الصهيونية المتقاطعة مع حاجة أمريكية هي الدافع لتجديد “مصيدة مدريد” التي نجمت أصلاً عن حاجة أمريكية صهيونية مشابهة عام ،1991 حين استغلت واشنطن أبشع استغلال حماقة صدام في الكويت، وكسبت دعم الأطراف العربية ب “مصيدة مدريد” التي قيل أنها ستفضي الى تسوية سياسية للصراع؛ نقول رغم أن الحاجة الأمريكية الصهيونية هي الدافع لنشأة “المصيدة” عام ،1991 ولتجديدها هذه الأيام، الا أن قادة الكيان الصهيوني بدعم أمريكي، لم يكفوا عن محاولة توظيف تجديد “المصيدة” كأداة لتحقيق اختراق نوعي آخر، بل أخطر وأكبر، وبوزن ضربة قاضية على صعيد افساد علاقة الفلسطينيين مع عمقهم القومي، والا ما معنى اشتراط الصهاينة “ابداء الاهتمام” (الله أكبر) بالمبادرة العربية ب”التطبيع أولاً” مع الدول العربية؟ وما معنى قول أولمرت علنا أن الدول العربية أدركت أن الكيان الصهيوني لا يشكل خطراً عليها، وأنها أدركت أن “التطرف الاسلامي” كما قال هو ما يهددها؟

عليه، فان رهاناً عربيا على “استعداد” قادة الكيان الصهيوني للتسوية السياسية للصراع، هو حراثة في البحر، وأن تصديقاً ل “رغبتهم” في هذه التسوية يساوي شراء السراب. والمهم أن الرهان والتصديق يشكلان الحلقة الأخطر في حلقات مخطط سلخ الفلسطينيين عن جلدهم القومي، تماما مثل سلخ الشاة بعد ذبحها. وبالمناسبة فان الجزار “ينفخ” الشاة ليسهل سلخها. - الخليج الاماراتية 9/8/2007 -

http://www.miftah.org