أين الأمن الموعود يا حكومة الوحدة الوطنية ؟
الموقع الأصلي:
لكن لا جدال في أن هذه العملية الإجرامية تندرج تحت عنوان ظاهرة التسيب الأمني التي استشرت في الساحة الفلسطينية بشكل منفر ومقزز وناشز أيضاً بعيد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية الأخيرة التي حملت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولنقل بصراحة منذ ما بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات الذي كان صمام أمان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وعملية خطف جونستون المستنكرة والمدانة جملة وتفصيلاً مثلها مثل أي ضرب من ضروب التسيب الأمني، تدمي قلوب الحريصين على القضية الفلسطينية التي ما تزال في العرف القومي القضية العربية المركزية، وتطرح مليون سؤال وعلامة استفهام حول ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام وفي قطاع غزة على وجه الخصوص وحول المستفيد من ذلك. فالتعديات المسلحة المتواصلة على المؤسسات والأملاك العامة والخاصة وعمليات الخطف والاختطاف والقتل والذبح والسحل والاغتيال والتصفية الجسدية التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء من أبناء فلسطين ومن ضيوفهم والمتعاطفين مع قضيتهم العادلة يقوم بها مجرمون ساديون وقتلة محترفون، على الأرجح أنهم لم يفدوا إلى الأراضي الفلسطينية من المريخ أو زحل أو أي من الكواكب الشمسية أو القمرية الأخرى وإنما هم من أبناء الشعب الفلسطيني نفسه، أو ربما من المندسين بين ضهرانيهم تحت حجج ومسميات مختلفة!! ترقبنا جميعاً بفارغ الصبر والأمل المفرط أن تتم معالجة ظاهرة التسيب الأمني بشكل جذري وحاسم يؤدي إلى اقتلاعها من جذورها بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية "العتيدة" التي ضمت ممثلين لمعظم المنظمات والأحزاب السياسية الفاعلة على ساحة النضال الوطني الفلسطيني، وبأكثرية مُتفق عليها لحركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والتحرر الوطني الفلسطيني "فتح". ترقبنا ذلك لأنه كان من المفترض استناداً لبيان الثقة بهذه الحكومة واستناداً لتصريحات رئيسها ووزرائها التي سبقت وتبعت ذلك البيان أن تحتل معالجة هذه الظاهرة الطارئة والدخيلة على المجتمع الفلسطيني سلم أولويات عملها، كي يستعيد المواطن الفلسطيني أمنه المفقود ويتخلص من هاجس الخوف الذي يطارده ويقض مضجعه ويشل قدرته على مواجهة قسوة الحياة التي أفرزها الحصار الظالم الذي فرضته عليه إدارة المحافظين الجدد في واشنطن خدمة للمشروع "الإسرائيلي" العدواني المتواصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليلاً نهاراً دون ما واعز من ضمير أو شعور إنساني. لكن هل حدث ذلك؟ لا، إن شيئاً منه لم يحدث بعد!! جريمة خطف المراسل الصحفي ألن جونستون لم تكن الأولى من نوعها في ملف التسيب الأمني داخل الساحة الفلسطينية إلا أننا نتمنى أن تكون الأخيرة، الأمر الذي يستوجب التعامل معها ضمن معالجة شاملة وعاجلة لهذا الملف وبكثير من الجدية والحزم والصرامة. وباعتبار أن ظاهرة التسيب الأمني بكل ما تنطوي عليه من نتائج وإفرازات وإرهاصات خطيرة جداً لا تفيد غير العدو ومخططاته، فإنه ما لم تتم معالجتها بشكل حاسم وجذري يقصيها عن حياة المجتمع الفلسطيني اليومية إلى ما لا رجعة، سيتعذر على النضال الوطني الفلسطيني مواصلة مسيرته المباركة والوصول بها إلى الهدف الفلسطيني المنشود و"النهائي"، المتمثل بالتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. فالتعاطي مع هذه الظاهرة النافرة والمدانة ولو بقدر يسير من اللامبالاة أو التغافل يرتب على النضال الوطني الفلسطيني برمته أعباء أخرى إضافية هو في غنى عنها في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها القضية الفلسطينية، لأن ذلك سيسيء لصورة هذا النضال ويقدمه للرأي العام العربي والعالمي على غير وجهه الحقيقي، خاصة وأن هذا التسيب قد طال مخادع قادة سياسيين فلسطينيين كبار ورجال فكر وإعلام دوليين ومحليين، إلى جانب الضيوف والمتعاطفين الأجانب الذين قدموا إلى الأراضي الفلسطينية ليكونوا إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته، وليواسوه ويعملوا على تخفيف ما يكابده من معاناة جراء الاحتلال الغاشم والحصار الظالم. لا شك أن هؤلاء الذين "يسرحون ويمرحون ويصولون ويجولون" دون حسيب أو رقيب في عتمة الليل ووضح النهار ويعيثون فساداً في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالأخص في قطاع غزة ويحملون وزر تفاقم ظاهرة التسيب الأمني دون ما وازع من ضمير أو خُلُق، هم مجموعات وزمر من المأجورين الضالين والمضللين الذين تستعملهم "إسرائيل" كأدوات طيعة لخدمة سياساتها العدوانية أو تستغل تسيبهم وتسببهم في انفلات "عقال" هذه الظاهرة لتنفيذ مخططاتها الهدامة والجهنمية داخل الساحة الفلسطينية. فما يرتكبونه من ضلالات وكبائر تصل أحياناً كثيرة حد الجرائم ذات العيار الثقيل التي تتراوح بين التعديات العسكرية على المؤسسات والأملاك العامة والخاصة وعمليات الخطف والاختطاف والقتل والذبح والسحل والاغتيال والتصفية الجسدية التي يذهب ضحيتها الأبرياء، هو تماماً ما يريده ويسعى إليه حكام تل أبيب لحرف بوصلة النضال الوطني الفلسطيني الشريف والمقدس عن مسارها الصحيح وخلط "حابل الأمور الفلسطينية بنابلها" أملاً في إرساء الأمن "الإسرائيلي" على حساب الأمن الفلسطيني. حكومة الوحدة الوطنية برئاسة القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية مدعوة بإلحاح المناضلين الوطنيين وإصرار المؤمنين الصابرين وعزم المرابطين المكابدين في الوطن والشتات إلى المبادرة في تحمل مسئولياتها كاملة والبدء الفوري في قطع دابر التسيب والعمل على إرساء دعائم الأمن الذي وعدت به الشعب الفلسطيني ونالت ثقة ممثليه في المجلس التشريعي على أساسه أولاً، ورفع الحصار ثانياً. حكومة الوحدة الوطنية مدعوة بذات الإلحاح والإصرار والعزم للبحث الجاد والدؤوب عن الزميل المخطوف ألن جونستون وإطلاق سراحه مع تقديم اعتذار كبير له ولعائلته ولكل زملائه في مهنة الشرف والتضحية والكرامة. فرمي المسئولية على الآخرين لا ولن يعفيها من مسئولياتها تجاه شعبها، هي قبل غيرها في رأس وقاعدة هرم السلطة الوطنية الفلسطينية. وما لم تفعل ذلك سريعاً وتطمئن هذا الشعب، الذي لا يستحق منها ومن الآخرين غير العطاء والوفاء له، وتسحب الذرائع الواهية من أيدي أعدائه المتربصين به وبمصيره ومصير قضيته، فإن من غير الجائز أو المبرر أن نلومه أو نعتب عليه إذا ما انتفض غاضباً وشكك بأهليتها وصرخ بأعلى صوته "المذبوح" سائلاً: أين هو الأمن الموعود يا حكومة الوحدة الفلسطينية؟ أو حتى إذا ما اشتكى وتذمر وطالبها بالاستقالة وفسح المجال لغيرها. kawashmahmoud@yahoo.co.uk - مفتاح 5/5/2007 - http://www.miftah.org |