اولمرت ليس شريكاً
الموقع الأصلي:
هذه النكتة اللطيفة التي ظهرت في مقالة نشرتها "نيويورك تايمز" قبل اسبوعين، ضبطت عيون الاسرائيليين الذين حاولوا في هذا الاسبوع سبر غور زيارة ديك تشيني للشرق الاوسط. ربما ذكّرتهم بمدى ارتباط المملكة بالامبراطورية بدرجات غير مرئية وغير منظورة في احيان كثيرة. أسهم بندر في هبوط كما يقول المطلعون على مجريات الامور في واشنطن. القناة المباشرة بين الادارة وبين الملك السعودي هي الحاسمة الآن - والملك يعتمد على تشيني. سيمون هندرسون، من معهد واشنطن، قدر في هذا الاسبوع أن زيارة تشيني ترمي الى مساعدة الادارة في فهم مدى استعدادية حلفائها لنفعها ومساعدتها خصوصا في المعركة الناشئة ضد ايران. السعوديون تسببوا في خيبات أمل عديدة للامريكيين في الاشهر الأخيرة - اتفاق مكة الفلسطيني كان واحدا منها، والتصريحات العلنية التي تشجب الوجود الامريكي العسكري في العراق والتي كانت خيبة أمل أشد مرارة. ولكن المسار السعودي حي ينبض، ومن قام بنعيه - مثل اولئك الذين نعوا تشيني وتأثروا من تراجع مكانته - قد كان متسرعا ومفرطا في المبالغة. رئيس وزراء اسرائيل لا يفوت فرصة في توجيه المديح للسعوديين والسعي الى التقرب منهم، إلا أن ذلك لم يحظ بنجاح كبير حتى الآن. السعوديون خيبوا الآمال في مكة، وبعد ذلك - عندما اختاروا إبعاد انفسهم عن اسرائيل حول المبادرة العربية. "الملك حذر"، خلافا لـ "بندر الذي يعطي شعورا بأن الانطلاقة ستحدث عما قريب"، قدر مصدر مطلع في العاصمة الامريكية هذا الاسبوع. الرئيس الامريكي بوش فهم الرسالة: هو سيُدير علاقاته مع الرياض بسرية وتواضع حسب الطريقة التي يقوم بها تشيني. الأوراق ستبقى في السر، والامريكيون يبخلون بصورة كبيرة في إعلام الاسرائيليين بما يحدث في اتصالاتهم مع السعوديين. واشنطن - بطة الاسرائيليون ذوي العلاقات والصلات في واشنطن سمعوا التقدير القادم في العاصمة الامريكية: رئيس الوزراء اهود اولمرت سينهي منصبه في الربيع القادم في أقصى الأحوال. وحتى اذا بدأ الآن بخطوة سياسية فلن يكون لديه متسع من الوقت لانهائها. الجمهور ضده في اليسار وفي اليمين، ولن يكون بامكانه أصلا أن يقوم بخطوات ملموسة. هذا يعني أن اولمرت هو بطة عرجاء، ولذلك من الخسارة إهدار الوقت والطاقة في الحوار معه قبل أن يبرهن على اجتيازه لمحطة الانتخابات الداخلية في حزب العمل وتقرير فينوغراد النهائي. من بحث عن أدلة وبراهين لهذا النهج وجدها من خلال الغاء زيارة رايس الى المنطقة. التعليل العلني الذي تذرع به الامريكيون كان مُهينا أكثر من الالغاء نفسه: الوضع السياسي في اسرائيل. كان من الممكن تغليف الالغاء بعبارات دبلوماسية، والتذرع بضيق الوقت. ولكن الناطق بلسان الخارجية الامريكية أصر على التحدث عن مشاكل اولمرت الداخلية. لدى الديمقراطيات طريقة خاصة بها لحل المشاكل السياسية، قالت رايس نفسها لقناة "العربية" من دون أن تفصل الامر. التطرق لمشاكل اولمرت الداخلية فُهم في القدس كاهانة وكتعبير عن التباين في النهج في الادارة الامريكية: اسبوع واحد مر فقط منذ أن نشر بوش بيان الدعم لاولمرت، وبعد ساعات قلائل من نشر تقرير فينوغراد. لرايس اسبابها للغضب من اولمرت الذي لم يتحمس لمساعيها الدبلوماسية في المنطقة، وقام قبل احدى زياراتها السابقة باحراجها عندما نشر محادثته الهاتفية مع الرئيس. في مقالة رئيسية واسعة كرستها فصلية "أتلانتيك" لوزيرة الخارجية تظهر نكتة صغيرة تكشف الكثير. خلال زيارة رايس قبل الأخيرة الى القدس تم زج لقاء غير علني في جدول اعمالها في جناحها في الفندق: دوف فايسغلاس مستشار شارون، وداني أيلون سفير اسرائيل في واشنطن، قفزا لزيارة ودية. الوحيد من بين اعضاء حكومة اولمرت الذي كان ليحظى بمثل هذا الاحترام هو خصمته الكبيرة وزيرة الخارجية تسيبي لفني. في واشنطن ينفون الأقاويل في القدس بأن الغاء الزيارة قد يتمخض عن ازمة ومشكلة في العلاقات مع الادارة الامريكية. الامريكيون يقولون أن هذا مجرد عقدة شك، فلم يكن لرايس ما تضيفه لاولمرت بكل بساطة. كما أنهم يقولون أن اسرائيل هي نفسها التي بدأت في سباق الغاء الزيارات: شاؤول موفاز طلب تأجيل الحوار الاستراتيجي الذي كان من المفترض أن يُعقد في واشنطن هذا الاسبوع بعد نشر تقرير فينوغراد. فلماذا يكون ذلك مباحا لموفاز ومحظورا على رايس؟. دمشق - عِبرة سيكون لدى موفاز ملف سميك عندما يصل الى واشنطن في نهاية المطاف، ربما في نهاية الشهر. ايران، العراق، لبنان، سوريا. السوريون لم ينتظروا لجنة فينوغراد حتى يستخلصوا العبر ويقوموا بملاءمة جيشهم مع ما رأوه في حرب لبنان الثانية. من الجانب الاسرائيلي يبدو حسب المصادر الاستخبارية أن الجيش السوري يعكف على رفع مستوى جاهزيته وتسلحه وتدريباته بكل الوسائل القتالية الحديثة خاصة تلك التي استخدمها حزب الله بنجاح في حربه مع اسرائيل. السوريون حسب تلك المصادر ايضا دفعوا بقوات جديدة الى المنطقة العازلة المجاورة للحدود مع اسرائيل، وحسنّوا من مواقعها. ولكن حسب تلك المصادر لا توجد دلائل على تحضيرات هجومية، وليست هناك حركة للفرق العسكرية ولا خرق لاتفاق فصل القوات. السوريون في موقع دفاعي، وهذا يتطلب من الجيش الاسرائيلي تحسين تحضيراته الدفاعية من دون أن يثير حالة توتر لا داعي لها عند الطرف الآخر. في اسرائيل تعزز هذه الامور موقف المعارضين للشروع في المفاوضات مع سوريا، ذلك لان التفاوض الآن سيُفسر حسب رأيهم كضعف، الامر الذي سيؤدي الى تآكل الردع الاسرائيلي بصورة أكبر بعد كل ما تعرض له حتى الآن. ما الذي يمكن للسوريين أن يحققوه من خلال عملية عسكرية اذا خاضوا المغامرة؟ استراتيجيون اسرائيليون يتحدثون عن "الاستراتيجية الساداتية"، السيطرة على مساحة صغيرة في الجولان، والتشبث العنيد بها كرافعة لتحريك عملية سياسية تؤدي الى انسحاب اسرائيل من باقي الاراضي. وربما محاولة لاحتلال الحرمون أو أحد المواقع في سفوح الجبال. وربما الوصول الى قرية درزية بحيث يتم اظهار ذلك كانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي. ولكن هذا الامر لن يتحقق بقوات صغيرة ومن دون تحريك مئات الدبابات كما حدث في حرب الغفران. بامكان الصواريخ المضادة للدبابات الحديثة الروسية الصنع التي اخترقت المركباه في لبنان أن توقف الانقضاض الاسرائيلي المدرع. ذات مرة كانوا يسمون هذه العملية في الجيش الاسرائيلي "العملية السورية الخاطفة في الجولان". هذا السيناريو لم يتحقق حتى اليوم، ومن الصعب تقدير احتمالية حدوثه. حرب لبنان الثانية ربما كشفت عن نواقص مربكة في القوات البرية الاسرائيلية، ولكنها أظهرت أن القيادة الاسرائيلية لا تخشى من التصعيد، وعلى السوريين أن يأخذوا ذلك في الحسبان اذا قرروا زعزعة الوضع الراهن القائم في الشمال. غزة - خيار مسؤول اسرائيلي متمرس في تقديم النصائح لأكثر من رئيس وزراء اسرائيلي، شبّه شمعون بيرس في هذا الاسبوع في سياق حرب لبنان الثانية بدافيد ليفي في حرب لبنان الاولى. بيرس الذي اقتُبست اقواله في تقرير فينوغراد قال لرئيس هيئة الاركان ان من الواجب التفكير بعدة خطوات الى الأمام، فاذا قررنا القيام بذلك وردوا علينا فماذا سنفعل بعدها؟. لم يكن بامكان وزراء الحكومة أن يتذرعوا بجهلهم للمجريات كما حدث في لبنان عندما سيأتون لحسم الامر بالنسبة لغزة. الجيش الاسرائيلي يُدير منذ عدة اشهر حملة لتشجيع "العملية الكبيرة في غزة" مُدعيا أن هذه الطريقة وحدها هي التي تستطيع ايقاف اطلاق صواريخ القسام المزعج وكبح تسلح الفلسطينيين وتعاظمهم هناك. كما أن من يقترح خطوات محدودة في المرحلة الاولى مثل قائد المنطقة الجنوبية يوآف غلينت يُقدر أن هذه ستكون فقط تحفيزا للعملية الأوسع. في يوم الاحد القريب سيبحث وزراء الحكومة في طرق واشكال العملية المحتملة. المعضلات ليست بسيطة، وقد ردعت اسرائيل عن شن مثل هذه العملية في ذروة الانتفاضة ايضا، في فترة "السور الواقي" في الضفة. القطاع أكثر اكتظاظا ويزخر بالسلاح ومن المعتقد أن القوة الهجومية ستواجه مقاومة صعبة. اذا أردنا تقليص عدد الخسائر في الجيش يتوجب علينا زيادة الكثافة النارية، ومعها ازدياد عدد المتضررين من المدنيين الفلسطينيين. اذا أردنا الحفاظ على المدنيين ازدادت الخطورة على الجنود. واذا تقرر رغم كل ذلك الدخول الى غزة، فليس واضحا بعد كيف السبيل الى الخروج منها، ومن الذي سيستلم المفاتيح، ويضمن الهدوء. بعد خمس سنوات من "السور الواقي" ما زالت المسؤولية الأمنية في الضفة بيد اسرائيل، وليست هناك مؤشرات على قدرة السلطة على تحمل المسؤولية. كما أن القلب بخشى من عدم نجاح العملية في غزة وانتهائها بحماقة على الطراز اللبناني. لذلك هناك بين الاستراتيجيين الاسرائيليين ايضا من يبحثون عن طرق خلاقة تحول دون الحاجة للدخول. مثلا - استخدام التكنولوجيا لمواجهة القسام في القطاع كله. المنظومة تقوم بتشخيص الأهداف وضرب كل قاعدة اطلاق تظهر على الارض. القدرة كما يدعي من يعرفون خبايا الاستخبارات والتكنولوجيا قائمة لدى اسرائيل. والمطلوب فقط ربط كل عناصرها في منظومة كاملة. هذه ليست الفكرة الخلاقة الوحيدة على الارض. هناك ايضا من يقترح انتظار العملية العسكرية وحشد ثقافة الخدمة الاسرائيلية للكفاح ضد القسام - هذه الثقافة التي تعرف كل من قام بطلب كهربائي أو أية قطعة اخرى في أي وقت من الاوقات. الوزير اسحق كوهين من شاس اقترح في هذا الاسبوع في جلسة الحكومة تقديم خدمة مشابهة للفلسطينيين: صاروخ قسام يصيب محطة الطاقة في عسقلان؟ نقول بدورنا أن خط توصيل الكهرباء لغزة قد تمزق بسبب ذلك وان هناك حاجة لاسبوعين من اجل اصلاحه. أما اذا ضربوا سدروت فسنعلن عن حدوث خلل في خط المياه الرئيسي الذي يمد غزة، والذي يمر بقرب المدينة وأن اصلاحه يحتاج الى عشرة ايام. محطة وقود تُقصف؟ نقول أن إمدادات الوقود لغزة قد تضررت نتيجة لذلك. لا حاجة لقصف البنى التحتية الفلسطينية، وانما القول فقط أن صواريخهم تُلحق الضرر بالبنى التحتية المشتركة. اولمرت لم يشترِ هذه الفكرة. - هآرتس 11/5/2007 - http://www.miftah.org |