التشارك في القدس
الموقع الأصلي:
وبينما تسود قناعة واسعة بأنه لا يوجد حل مطروح حاليا كهذا، فإن هناك حلا واحدا له حظوظ جيدة بالقبول لدى معظم الإسرائيليين والفلسطينيين. فحينما يتكلم الإسرائيليون والفلسطينيون حول القدس، فهم لا يضعون فقط مواقف تفاوضية، فالقدس لها موقع قوي في قلوب وعقول الكثير من أبناء الشعبين. ويجب أن تؤخذ مواقفهم التي تكتسب اجماعا بشكل جدي. وإذا قبل شخص ما بأنه لا يمكن لأي قيادة فلسطينية القبول بحل دائم لا يعطي الفلسطينيين، ومن خلالهم العالمين العربي والاسلامي، نصيبا من السيادة على القدس، فإن الحل الوحيد الممكن هو السيادة المشتركة للجانبين على كامل المدينة. فضمن سياق حل الدولتين يمكن للقدس أن تصبح جزءا من كلا الدولتين، وتكون عاصمة للدولتين وتتم إدارتها من قبل مجالس الإدارة المحلية، والتي تحول لها الكثير من القضايا المتعلقة بالإدارة، وتكون مظلة لمجلس بلدي واحد ينسق ما بين كل تلك القضايا، التي يمكن التعامل معها بكفاءة على مستوى المدينة الواسع. وحسب التعبير المناسب للقانون الدولي يمكن أن تصبح القدس ذات إدارة مزدوجة لإسرائيل وفلسطين. وإذا كانت الإدارة المشتركة لمدن أو بلدان هي حالة نادرة، فإنه مع ذلك هناك حالات طبق بها هذا الأسلوب من الحكم. فالسودان حتى استقلاله عام 1956 كان يدار بشكل مشترك من قبل بريطانيا ومصر. ولأكثر من 70 عاما ظلت الدولة الواقعة في المحيط الهادي فانواتا تحت إدارة مشتركة من قبل بريطانيا وفرنسا. ولأكثر من 700 سنة وحتى عام 1993، حينما تمت إعادة النظر في الدستور، كانت أندورا تحت سيادة مشتركة لفرنسا وإسبانيا. وفي عام 1999 تم تعيين حكم من قبل محكمة العدل الدولية لحل الخلاف حول إدارة مدينة بركو البوسنية، حيث تقرر أن تكون إدارتها على يد جمهورية الصرب البوسنية وفيدرالية المسلمين الكروات مع إدارتها المحلية الخاصة بها. وفي البحث عن وضع شرعي للقدس يكون من الضروري التمييز ما بين السيادة والإدارة البلدية. فبينما تتعامل الإدارة البلدية مع جملة قضايا عملية تكون قضية السيادة مسألة رمزية بالأساس وسيكولوجية، وهي مسألة دينية في نهاية المطاف. وعناصر الرمزية والسيكولوجية والدينية مهمة وتتطلب الربط مع القدس، لكن المهم هو الاعتراف بأنها طبيعة هذه القضية. فبتعيين السيادة لمدينة القدس الموحدة لكل من إسرائيل وفلسطين يكون من الضروري تحقيق أعلى درجة ممكنة من إشباع العناصر الرمزية والسيكولوجية للإسرائيليين والفلسطينيين. كذلك يمكن أن تولد فوائد سيكولوجية إيجابية لنوعية الحياة، ما بعد تحقق السلام، عن طريق المطالبة عمليا وروحيا بالمشاركة في المدينة والتعاون مع الآخر، بدلا من فرض تقسيم جديد للمدينة، وأن يكون فقط مجرد تسامح مع الآخر أو الاستمرار في الهيمنة لشعب على آخر، مع كل ما تفرزه الاحتكاكات من سموم. هناك سوء فهم واسع الانتشار بين الاسرائيليين، يشير الى انه في ظل الأوضاع الراهنة، تمتلك اسرائيل السيادة على القدس الشرقية بكاملها، وهي لا تمتلك ذلك، انها تمتلك التحكم الاداري. ويمكن لبلد ما ان يحصل على السيطرة الادارية بقوة السلاح. ولكن يمكنه الحصول على السيادة فقط عبر اقناع المجتمع الدولي. وقد امتلكت اسرائيل ومارست السيطرة الادارية على القدس الشرقية لأربعة عقود. وحتى هذا اليوم ليس هناك من دولة واحدة في الدول الـ194 الأخرى ذات السيادة اعترفت بادعائها السيادة. وفضلا عن ذلك فان ضم اسرائيل المزعوم للقدس الشرقية بكاملها اعتبر غير شرعي وان القدس هي ضمن الأراضي المحتلة في سلسلة طويلة من القرارات الجماعية أو شبه الجماعية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ويمكن أن تحتفظ اسرائيل بالسيطرة على القدس الشرقية بكاملها بصورة غير محددة، وتلك مسألة قوة عسكرية وإرادة سياسية. غير انه من غير المحتمل غالبا انها ستحصل على السيادة على القدس الشرقية بكاملها ما لم توافق على حل دائم لوضع القدس اعتمادا على السيادة المشتركة غير المقسمة على المدينة بكاملها، وهذه مسألة قانونية. والحقيقة انه ما دام حق أي بلد الاعلان عن أي جزء من أراضيه عاصمة له، هو حق لا نزاع فيه، فان الرفض العالمي للاعتراف حتى بالقدس الغربية باعتبارها عاصمة لإسرائيل وبقاء كل السفارات لدى اسرائيل في تل ابيب (سفارتا كوستاريكا والسلفادور، اللتان انتقلتا أخيرا، هما السفارتان الوحيدتان لدى اسرائيل في القدس) دليل ساطع على رفض المجتمع الدولي، بانتظار حل دائم متفق عليه حول وضع القدس للاقرار بأن أي جزء من المدينة هو أرض ذات سيادة تابعة لإسرائيل. ان فهما أوضح لما تعنيه الحالة القانونية الراهنة في ما يتعلق بالقدس، يمكن أن يجعل الرأي العام الاسرائيلي اقل عرضة لدراسة أي تكييف للوضع الراهن حتى مقابل السلام. وقد ينظر الاسرائيليون القلقون على مستقبلهم الى رؤية تيودور هرتزل للقدس، وهو مؤسس الحركة الصهيونية: «نحن ببساطة سنستثني القدس من القانون، وبالتالي فإنها لن تنتمي الى احد وتنتمي الى الجميع، المكان المقدس المشترك بين اتباع كل الأديان، والأرض المشتركة في اطار الثقافة والأخلاق». وكان حلم هرتزل بدولة يهودية غير عملي في ذلك الوقت الى حد كبير، ولكنها اقيمت بعد نصف قرن. اما مسألة تمتع شعبها بالسلام والأمن فقد تعتمد على ما اذا كان بوسعهم استيعاب النزعة العملية الحالمة في اعتراف هرتزل، من أن ما لا يمكن لشعبي الأرض المقدسة التخلي عنه يجب بالتالي أن يكون مشتركا. واعترف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بوضوح بهذا المبدأ وتساءل في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد عام 1995: «لماذا لا تكون القدس عاصمة لدولتين بدون جدار برلين؟ موحدة ومفتوحة ويعيش اهلها معا؟»، ووقف الجمهور تعبيرا عن حماسه للفكرة. وإذا كان بوسع هرتزل وعرفات ان يتفقا على امكانية الحل «المشترك»، ألا ينبغي ان يكون هذا طريقا للسلام، الذي يسعى اليه ويحققه أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أن السلام ممكن ومن يعترفون بأنه ملح؟ - الشرق الأوسط 14/5/2007 - http://www.miftah.org |