هل يدفع ألن جونستون ثمن اعتقال «أبو قتادة»؟
بقلم: راسم المدهون
2007/5/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7079


الإعلان الذي أطلقه من قالوا إنهم مختطفو الصحافي البريطاني ألن جونستون سيكون مؤشرا جديدا وخطيرا إذا تأكدت صحته. ففلسطين عموما وقطاع غزة على وجه الخصوص لم تشهد بالرغم من حالات شاذة كثيرة إعلانا من هذا النوع يؤشر إلى دخول عنصر غريب ستكون علاقته بالكفاح الوطني الفلسطيني فاقعة في استفزازيتها وفي تعديها الصارخ على إرادة الناس ووعيهم ومآل عذاباتهم في مواجهاتهم المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي المواجهات التي لم تعرف أبدا أي ارتباطات أو علاقات من أي نوع كان بهذا النوع المتطرف من «الاحتجاج» على الغرب بوصفه، كما يقول قاموس هذه الفئات، كتلة سياسية متجانسة ومعادية في الوقت نفسه لشعوب «الشرق»، والتي هي بدورها أيضا كتلة متجانسة وتكافح معركتها المصيرية ضد ذلك الغرب: لا في الميادين العسكرية وحسب ولكن في ميادين الحياة المدنية وفي القلب منها الحضارة باعتبار انجازات العلم الحديث مجرد أدوات كافرة يتوجب رفضها ومحاربتها.

الصحافي البريطاني ألن جونستون، في حدود ما أعرف، هو المراسل الصحافي الأوروبي بل الغربي الوحيد الذي أصر على البقاء في غزة في كل الظروف الصعبة التي عاشها ذلك الشريط الساحلي، وأصر في الوقت ذاته على تقديم تغطياته الميدانية الموضوعية والمتوازنة والتي يحتاجها الشعب الفلسطيني ويشعر إزاءها بالامتنان لصاحبها وليس بمكافأته عليها بالخطف وتهديد حياته كل هذه الفترة. الذين اختطفوا ألن جونستون يرغبون في خلط الأوراق كي تمّحي من الأذهان أية فوارق بين الأعداء والأصدقاء انسجاما مع مقولة أن العالم كله هو عدو لنا حتى وان ادعى عكس ذلك.

منطق كهذا لا يتورع كما رأينا في إعلان الخاطفين عن تحويل قضية أبو قتادة مع القضاء البريطاني إلى قضية وطنية فلسطينية، هكذا وبقدرة قادر، وتحويل الصحافي البريطاني إلى دريئة تتلقى السهام دون ان تكون له اي صلة بالحكومة البريطانية وسياساتها أو بالحالة الفلسطينية وما يعانيه الفلسطينيون من احتلال. من البديهي والمنطقي أن مصير ألن جونستون مسؤولية الحكومة الفلسطينية دفاعا عن حريته الشخصية أولا ثم دفاعا عن الوجود الفلسطيني ومستقبله الذي لا يجوز أن يظل قابلا للعبث بهذه الطريقة البائسة ولكل هذه الفترة الطويلة، والتي أثبتت عجز السلطة والأجهزة الأمنية على تعددها واختلافها عن إطلاق سراحه وإعادته من جديد إلى حياته الطبيعية والى عائلته وأهله. ليس من المبالغة في موقف كهذا أن نقول إن قضية جونستون لم تعد ولم تكن أصلا حادثة فردية، بل هي قضية وعنوان لما يتوجب أن تقوم به السلطة الفلسطينية كي تكون فعلا سلطة وليس كيانا افتراضيا وحسب.

في قضية كهذه يصيح كل شيء مهددا أو قابلا للتهديد ابتداء من مصداقية السلطة ككيان وأجهزة مرورا بمصداقية السياسة والبرامج وصولا إلى الأخطر أي مصداقية الكفاح الفلسطيني نفسه والذي سوف يجد نفسه بين مفهومين متناقضين يؤشر أولهما الى كفاح شعب من أجل التحرر من الاحتلال، فيما يؤشر الآخر إلى فوضى شاملة يعبث فيها مغامرون سياسيون لا علاقة لهم بمنطق العصر ولا يحملون أية قضية جدية تستحق احترام وتأييد العالم. - الحياة 17/5/2007 -

http://www.miftah.org