لقاء العقبة والاقتتال الفلسطيني
الموقع الأصلي:
في الطريق إلى العقبة كانت رجل تشدني إلى الأمام، والأخرى الى الوراء، لأن الفلسطينيين يذهبون إلى مثل هذا اللقاء متفرقين دون أجندة وتبدو وكأنها مبادرة منفردة مثل المفاوضات دون اتفاق وطني أو المقاومة التي تحولت إلى قطاع خاص. كما يزيد الحيرة تفجر الاقتتال بين الفلسطينيين عشية اللقاء، وهذا يجعل أهمية اللقاء مع الإسرائيليين تتراجع، والتوقيت غير مناسب، فالأولوية في مثل هذه الظروف لترتيب البيت الفلسطيني، الذي إذا لم يترتب لا يمكن أن نحقق شيئاً لا من اللقاء مع الإسرائيليين ولا من غيره من الأعمال التي نقوم بها. فكيف سنؤثر بأي كان ونحن نتقاتل على السلطة والقرار، وعلى جلد الدب قبل صيده، وذلك رغم أن موازين القوى الداخلية وطبيعة الصراع وخصائصه والعوامل المؤثرة فيه، ونتائج جولات الاقتتال السابقة والحالية، تشير إلى صعوبة إن لم أقل استحالة حسم الصراع حالياً لطرف على حساب آخر إذا لم تدخل عوامل لم تؤخذ حتى الآن بالحسبان. وعلى عكس ما تروج "حماس" فإن اسرائيل لا تشجع على حسم الصراع ولا تدعم طرفاً على حساب طرف آخر، والدليل على ذلك لماذا استأنفت اسرائيل قصف غزة، خصوصاً مواقع "حماس" والاقتتال الداخلي في ذروته، في محاولة للايحاء بأنها تدعم "فتح"، وهذا يدعم عملياً استمرار الفتنة. اسرائيل تخلت عن ضبط النفس الذي مارسته طوال الأشهر الماضية حتى تترك الصراع الداخلي الفلسطيني يصل إلى أقصى مدى ممكن رغم أن يوفال ديسكين أخبر الحكومة الإسرائيلية المصغرة أن اطلاق الصواريخ مزعج ولكنه لا يشكل خطراً استراتيجياً، بدليل أن 4 آلاف صاروخ أطلقت حتى الآن على إسرائيل لم يسقط جراءها سوى أقل من عشرة اسرائيليين ثلاثة منهم من العرب، وهذا يعني أن حكومة أولمرت في تخبط تبحث عن استعادة هيبة الردع الإسرائيلية وتريد أن تهرب من أزماتها وتحافظ على بقائها وتهدف الى صب النار على زيت الاقتتال الفلسطيني وتقطع الطريق على مبادرة السلام العربية وأية مبادرات سلمية أخرى، وهذا يجعلها تتخذ مواقف وممارسات متناقضة وغير مفهومة. رغم ما تقدم كله ذهبت إلى العقبة، لأن الصحافي في داخلي تغلب على السياسي. فالصحافي يريد أن يعرف أكثر ماذا يريد الأردن، وما صحة ما تردد عن الاتحاد الفدرالي والكونفدرالية؟ والصحافي يريد أن يعرف ماذا يريد الاسرائيليون؟ وبماذا يفكرون؟ وهل يمكن المراهنة على إحداث تغييرات في الرأي العام الإسرائيلي تؤثر بدورها على السياسة الإسرائيلية. الأردن يريد ابقاء زخم الحركة خشية من عواقب الفراغ، وهو يحركه الخوف أكثر مما تحركه الأطماع، وهو ليس بوارد التفكير حالياً بالعلاقات الفلسطينية ـ الأردنية المستقبلية، فالمخاطر كبيرة وتستوجب درءها أو الحد منها. إن لقاء العقبة هدفه البحث في كيفية ترويج وتسويق مبادرة السلام العربية بوصفها فرصة تاريخية قد تكون أخيرة لتحقيق السلام. ولكن اللقاء الذي حضره حوالي مئة من الفلسطينيين وعشرات من الأردنيين الذي يمثلون شرائح واسعة من القطاعات الأردنية والفلسطينية لم يحضره سوى 53 شخصاً من الإسرائيليين يمثلون في غالبيتهم الساحقة اليسار الإسرائيلي. هذا اليسار في معظم اتجاهاته يؤيد بالاجمال مبادرة السلام العربية ولكنه لا يمثل سوى أقلية صغيرة في إسرائيل، وبالتالي من يريد أن يؤثر على الاسرائيليين عليه أن يفكر بكيفية التأثير أيضاً على الوسط واليمين في إسرائيل خصوصاً ان وجود اليسار وحده في أي اجتماع أو مؤتمر يجعله متردداً وحذراً وفي حالة ابتزاز خشية من ادانته من اليمين بتهمة خيانة اسرائيل. لذلك لاحظنا أن خلف تأييد بعض اليسار الإسرائيلي لمبادرة السلام العربية محاولة التفافية عليها من خلال القول إنها "نقطة بداية" أو "أساس مهم"، أو "صيغة للمفاوضات" في حين ان الأهمية الرئيسية للمبادرة تكمن في أنها تقدم مبادئ للسلام الشامل والمتكامل بحيث إذا أريد لها أن تنجح على إسرائيل أن تقبلها كما هي. والمفاوضات عليها أن تجري على كيفية تطبيقها. وليس على مبادئها. فهناك أحاديث مضللة يجب الحذر من الوقوع في اسارها، مثل ان معالم التسوية واضحة وبات متفقاً عليها، والمطلوب السير في الطريق الكفيلة بتحقيقها. الحقيقة ان الأهداف غير متفق عليها ولا واضحة. فلا يكفي الاعتراف بمعادلة دولتين لشعبين، وانما لا يقل أهمية عن ذلك ضرورة الاعتراف أين ستقام الدولة وما هي حدودها ومساحتها وعاصمتها وسيادتها، وهل ستملك السيطرة على الأجواء والحدود والمياه الاقليمية، وما فوق الأرض وما في باطن الأرض. اما ستقام على الأرض الآهلة بالسكان والتي ستتخلى عنها اسرائيل بعد استكمال تطبيق المشاريع الاستيطانية والتوسعية التي أدت الى فصل القدس عن بقية الأراضي المحتلة، وقطعت أوصال هذه الأراضي في كانتونات منفصلة عن بعضها البعض. تأسيساً على ما تقدم لا بد من القول إن التفاعل والتأثير في الرأي العام الإسرائيلي مهم جداً شرط أن يندرج في سياق خطة متكاملة تقوم على قناعة بأن اسرائيل لن تحقق السلام نتيجة اللقاءات والاجتماعات وتقديم المناشدات والترضيات واظهار حسن النية والثقة، وانما عندما ترى أنها ستخسر من الاحتلال أكثر مما تربح، أو ستربح من السلام أكثر مما تربح من الاحتلال، وفي كلتا الحالتين فالفلسطينيون والعرب بحاجة الى سياسة لا تكتفي بمد اليد للسلام والمفاوضات وانما تستعد للصمود والمقاومة، ولكن المقاومة ذات الجدوى والقادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، والخاضعة للمصلحة الوطنية. وعلى الإسرائيليين المؤمنين بالسلام أن يكافحوا من أجل السلام، لأن دعوة العاهل الأردني لزيارة الكنيست الإسرائيلي كما طالب ممثل الوفد الإسرائيلي في كلمته بحضور العاهل الأردني، لا تساعد السلام، كما ان بعض أعضاء الوفد الإسرائيلي طالبوا الدول العربية كافة الاتصال بالاسرائيليين، إذا لم تقدم اسرائيل على أي شيء في المقابل واكتفى الاسرائيليون حتى في أوساط اليسار، بمطالبة الفلسطينيين والأردنيين والعرب بتقديم كل شيء، فهذا لا يشجع على تحقيق السلام، بل يفتح شهية إسرائيل للحصول على المزيد من التنازلات العربية بلا مقابل منها. على العرب أن يقنعوا اسرائيل بأنها ستخسر أكثر إذا لم تدفع ثمن السلام وهو الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة العام 1967, وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً وفقاً لقرار 194. الخلاصة ان الحوار مع الاسرائيليين ضروري، أما التطبيع فخطأ يصل الى حد الخطيئة، فإسرائيل تريد التطبيع ولا تريد السلام، لأنها تريد فرض سلامها هي وتعرف جيداً انه سلام غير مقبول لا من الفلسطينيين ولا من العرب. وهناك شعرة ما بين الحوار والتطبيع ويجب المحافظة عليها وعدم اضاعة الفرق!! ومن يوافق من الاسرائيليين على مبادرة السلام العربية، كما هي دون تفريغها من مضمونها، يجب تشجيعه ودعمه والاتصال به ومساعدته لكي يتحول من اقلية صغيرة الى أغلبية قادرة على قلب الموازين في اسرائيل رأساً على عقب. - الأيام 19/5/2007 - http://www.miftah.org |