اقتتال مرة أخرى
بقلم: أمجد عرار
2007/5/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7094


عندما خرج جيش الاحتلال “الإسرائيلي” من غزة، قال كثيرون وصدقوا: إن “إسرائيل” ترمي من وراء هذه الخطوة إلى وضع غزة أمام اختبار أهلها، ويبدو أنها متأكدة من البذور التي تركتها في تربة الوضع الداخلي، وهي بذلك تؤدي الوظيفة ذاتها من دون أن تدفع ثمنا من دماء جنودها ومستوطنيها، علاوة على ما يمكنها بيعه للعالم من بضاعة دعائية تصورها كمن يحرص على الانسحاب وعدم الرغبة في استمرار حكمها لشعب آخر، كما تروج دائما.

بالمقابل قال كثيرون آخرون إن الرهان “الإسرائيلي” على الاقتتال الفلسطيني سيخسر، وباعونا كلاما كثيرا عن “الدم الفلسطيني خط أحمر” باعتبار أن “رصاص الاحتلال لا يفرق”، عملا بمقولة الأسير الفلسطيني الشهيد أحمد الكيلاني.

للأسف الشديد فإن الرهان “الإسرائيلي” نجح، وأولي أمر الفلسطينيين فشلوا في الاختبار، لأن هناك من يعتبر الوطن مزرعة وبنك استثمار، ويجد قطيعا من أنصار “سمعا وطاعة”، يكفي أن يقول لهم إن هؤلاء دمويون، أو هؤلاء عملاء ل”إسرائيل”، لكي يضغطوا على الزناد دون رحمة. وقد يظن المراقب البعيد أن هذه حالة الشعب الفلسطيني، تناحر وشرذمة واقتتال وكراهية، لكن الحقيقة غير المرئية في ضباب الفتنة تقول خلاف ذلك، ومن يتاح له الدخول في تفاصيل الحياة الفلسطينية، سيجد دون شك أن أغلبية الفلسطينيين بمن فيهم أبناء الفصائل وحتى الفصيلان المتناحران، لا يوافقون على ما يجري، فالغابة يكفيها عود ثقاب كي تحترق والفتنة لا تحتاج لعدد كبير من الناس كي تشتعل، إلا أن شاشة التلفاز تظهر من يطلقون النار ولا تظهر من يجلسون في البيت يلعنون الفتنة ومشعليها.

وفي كل الأحوال، فإن قيادة السلطة رئاسة وحكومة، وقيادتي الحركتين تتحمل مسؤولية أساسية عن هذا العار الذي يلطخ جبين النضال الفلسطيني. فإذا كانت قيادة مسؤولة تأتمر القواعد بأمرها، فإنها تتحمل مسؤولية الاقتتال، وإذا كانت لا تمثل المتقاتلين في الشارع كما قال رئيس الوفد الأمني المصري، فإن الكارثة أكبر، ولا يجوز أن يبقى في منصبه قائد لا يستمع إليه جنوده. إن آلاف النساء والأطفال والشيوخ ليسوا رهائن لنزوات أشخاص يريدون إعادة ترتيب خريطة مصالحهم بدماء الناس. آن الأوان للأغلبية الفلسطينية الصامتة والمهمشة، أن تصرخ بصوت عال: كفى هذا العار.. كفى التقاتل على كعكة وهمية وسلطة تحت الحصار. عار أن يسقط فلسطينيون برصاص الاحتلال والأخوة في اللحظة ذاتها؟ أليس مهزلة التوصل لخمسة اتفاقات إطلاق نار في خمسة أيام ويتواصل القتل والخطف ومحاصرة الآمنين والصحافيين؟ من الواضح أن الوضع المتصدع هذا لا يحتاج إلى اتفاقات وآليات تنفيذ بقدر ما يحتاج إلى إرادة صادقة مبعثها الانتماء الحقيقي للوطن، وتكفي قطرة عرق تنز من جبين أمراء الحرب لوقف شلال الدم الساقط على دواليب الاحتلال. - الخليج 19/5/2007 -

http://www.miftah.org