حوارات القاهرة : إعادة إنتاج لـمكة 2
الموقع الأصلي:
دعوة الأشقاء في مصر لعدد من القوى لـم يكن باختيار ولا بتصنيف سياسي محدد لدى الأشقاء في مصر بل هو نتاج توليفة جديدة، او اصطفاف حاولت قوى عديدة ملأت الدنيا صراخا وانتقادا بعد اتفاق مكة لـما سمي الـمحاصصة الثنائية، وأخيرا تمكنت او توصلت لتفاهمات مع أطراف مكة لتوسيع الـمحاصصة لتصبح خماسية بدلا من ثنائية، وبذلك اقفل باب الانتقاد للـمحاصصة، بعد ان ضمنت هذه الأطراف حصتها التي قد لا تكون سوى الجلوس والـمشاركة فقط على طاولة الـمحاصصة وليس التمتع بما يتبقى من كعكة تقاسم النفوذ والـمصالح. لكن أيا كانت الدوافع والـمبررات التي سمعت خلال الأيام القليلة الـماضية، عن أهداف هذه الدعوة ورفض مبدأ إعادة فتح اتفاق مكة، او تطويره حسب دعوات بعض القوى الـمشاركة، او استكماله باتفاق مكة 2، أو طريقة إدارة الحوارات بطريقة فردية مع كل طرف على حدة، فإن الـمضمون الرئيس يجب الا يغيب عن الأذهان بالـمعنى السياسي. وهو ان هناك محاولات جديدة وجدية لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، انطلاقا من تقسيمات ان هناك قوى رئيسية وقوى ثانوية، او ان هناك قوى مقاتلة، وقوى غير مقاتلة، او ان هناك قوى كبرى وأخرى صغرى. لكن أيا كانت هذه التصنيفات التي لن ندخل في سجال حول الـمحتوى والدلالة على استخداماتها في الساحة الفلسطينية، فإن مثل هذا السلوك السياسي في ظل وضع فلسطيني يتسم بالتمزق والصراع الداخلي العنيف فإنه لن يضيف سوى تمزق جديد وصراع على مستويات أخرى، إذ يصبح مبررا لدى القوى الـمستبعدة من الـمشاركة في صنع القرار الحق في البحث عن صيغ تكفل لها دورها ومكانتها، في مواجهة أجندات أخرى سواء أكانت داخلية أم امتدادات إقليمية. كما ان الحديث عن ان النقاش سيتناول موضوع التهدئة مع إسرائيل، فإن طرفين أساسيين من الأطراف الـمدعوة فقط يمكن البحث معهما بهذا الشأن، لامتلاكهما القدرة والقرار، وكذلك الرؤية السياسية من وراء التصعيد او استخدام (الألعاب النارية). كمؤثر سياسي في الـمعادلة الداخلية الفلسطينية، وليس (كتوازن استراتيجي) مع الاحتلال كما يدعي البعض. ان محاولات خلق شراكة سياسية (محاصصة) جديدة في ضوء فشل تجربة الشراكة السياسية (الـمحاصصة) التي أنتجها اتفاق مكة، وتوسيع شكل ومضمون الـمحاصصة التي يجري الاقتتال عليها الآن، من الـمحاصصة السياسية إلى الـمحاصصة في الوظيفة العمومية، إلى الـمحاصصة في الأجهزة الأمنية، إلى الـمحاصصة على إعادة فك وتركيب منظمة التحرير الفلسطينية، ان هكذا محاولات ستدخل الجسد الفلسطيني الـمنهك أساسا في أتون صراعات جديدة أول ما تمس نتائجه تمزيق النسيج الوطني العام الذي ظل رغم كل الـمصائب والـمصاعب التي حدثت محافظا ولو من حيث الشكل على وحدته، واستمرت لجنة الـمتابعة الوطنية العليا للقوى الوطنية والإسلامية في لعب دور ايجابي في تفريغ الاحتقانات الداخلية، ومواجهة حالات التشنج والصراع. كما ان محاولات احتكار القرار السياسي وحصره لدى مجموعة من القوى السياسية، بمعزل ايضا عن مؤسسات الـمجتمع الـمدني والأهلي والقطاع الخاص، وهي مكونات رئيسية لا يمكن تجاهلها والقفز عن وجودها ودورها، هو محاولة للسيطرة او للهيمنة بالقوة على الـمجتمع واستلابه على الأقل حق الـمشاركة في صنع مصيره ومستقبله، رغم ان التفويض الذي أعطي بالانتخابات التشريعية وفي ظل حالة الشلل للـمؤسسة التشريعية، وبقية مكونات النظام السياسي مع التدهور الأمني الحاصل، يضع أكثر من علامة استفهام على فاعلية واستمرارية هذا التفويض، ويطرح تساؤلا من نمط، هل هو شيك على بياض أم ان هناك مساءلة ومحاسبة على من فوض. ان محاولات تدارك الوضع الداخلي وتثبيت الهدنة بين فتح وحماس لا يمكن ان تحلها حوارات ثنائية او خماسية ولا يمكن معالجتها إلا في إطار وطني عام، ليستوعب ويعطل في ان معا محاولات كل طرف من أطراف الصراع تثبيت الأمر الواقع او محاولة تغييره، وهذا هو سبب الصراع للذي يبحث عن أسبابه ويريد نزع فتيله الـمتفجر. فحركة حماس تدرك ان ما حصلت عليه من نتائج في الانتخابات التشريعية الأخيرة وبسبب ظروف وعوامل متعددة لا يمكن ان يتكرر لاحقا، لذلك فهي تسعى لـمد وتثبيت سيطرتها في الـمؤسسة البيروقراطية الـمدنية والعسكرية للسلطة، وضمان وجودها في صنع القرار السياسي سواء في السلطة او الـمنظمة. وحركة فتح التي ما زالت تسيطر واقعيا على مفاتيح القوة والنفوذ في مؤسسات السلطة والـمنظمة لا تريد ولن تسلـم بأن تتراجع عن قيادة النضال الوطني الفلسطيني وما زالت تعتبر نفسها القوة الرئيسية والقائدة. وبالتالي فإن من يريد ان يستكشف أسباب الصراع وكيف يضع حدا له يجب ان ينطلق من هذه الـمعادلة التي تحكم سلوك كلا الطرفين، أما مشاركة الآخرين او توسيع دائرة الـمحاصصة السياسية وجعلها خماسية دون ان تقترب هذه الأطراف من الكعكة الـمختلف عليها، لا يمكن ان يجد حلا ومخرجا للـمأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، ولن تحلها النوايا الطيبة ولا الجهود الخيرة، بل ان الـمخرج، وكما كان وباستمرار، هو في الكل الوطني والذي يستوجب أولا وقبل كل شيء الاتفاق على البرنامج والوجهة السياسية، وكذلك تحديد الآليات والوسائل للوصول لتحقيق هذه الأهداف، ودون العودة إلى ما اتفق عليه وطنيا والبدء بتنفيذه سواء في وثيقة الحوار الوطني، او باتفاق القاهرة حول تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، فإن هذه الـمحاولات الترقيعية لن تغلق أبواب الفتنة والصراع الداخلي ولا أبواب التدخلات الخارجية ذات الأهداف الإقليمية الساعية إلى تحسين شروطها وظروفها التفاوضية. 1 ــ تعبير "الألعاب النارية" تعبير استخدمه د. أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية، في وصف الصواريخ والقذائف التي تطلقها حماس وغيرها. - الأيام 30/5/2007 - http://www.miftah.org |