هل نحن أمام الفرصة الأخيرة؟
بقلم: طلال عوكل
2007/5/31

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7172


ثمة من يقيم حساباً طويلاً عريضاً على اعتبار ان الحال واحد عندنا وعند الاسرائيليين من حيث ان الطرفين المتصارعين والمفترض ان يكونا شريكين في عملية السلام، يعانيان من ازمات رغم ان كلاً منهما من طبيعة مختلفة. اذا كان ذلك صحيحاً فإن من الخطأ الاستنتاج بأن الآثار المترتبة على هذه الازمة، هي مثل الآثار المترتبة عن تلك وبالتالي فان الاعتراف بوجود ازمة هنا واخرى هناك لا يبرر بالمطلق التعايش مع ازمتنا او قبول التكيف معها. على الجانب الاسرائيلي تعاني الحكومة من الفشل، وتراجع شعبية رئيسها وابرز وزرائها واحزابهم والتي بلغت بالنسبة لاولمرت نحو 1% وذلك على خلفية النتائج الاولية للجنة فينوغراد. وربما ايضاً يهتز الائتلاف الحكومي باحتمال خروج حزب العمل منه، في حال نجاح جنرال الأمن السابق عامي ايلون الذي يتنافس مع ايهود باراك على زعامة الحزب بعد نحو عشرة ايام، وبعد اقصاء زعيمه الحالي عمير بيرتس. الحكومة الاسرائيلية فاقدة للخيارات، وقد يطاح بها، ولكن ايضاً قد تستمر لفترة اطول مما يتوقع البعض ذلك انها تملك ثمانية وسبعين مقعداً من اصوات الكنيست وبالتالي فهي من هذه الناحية تعتبر من اكثر الحكومات استقراراً ودعماً. كان يمكن لضعف الحكومة الاسرائيلية وقلة خياراتها حتى فيما يتصل بكيفية معالجة الصواريخ الفلسطينية محلية الصنع، والتي دعت بعض اعضاء الكنيست كتعبير عن الارتباك والافلاس الى صناعة انواع الصواريخ الفلسطينية ذاتها لالقائها على الفلسطينيين، نقول كان يمكن لذلك ان تعاني اسرائيل من ضغوط دولية غير ان هذه غير موجودة.

واذا كان الحديث عن ضغوط محتملة على اسرائيل يعني حصراً الولايات المتحدة، فان اقتراب اميركا من سنة الانتخابات الرئاسية، يجعل من المستبعد المراهنة على مثل هذه الضغوط فضلاً عن ان الامر يتصل بتاريخ طويل من التحالف القوي بين البلدين لم تلجأ خلاله الولايات المتحدة لممارسة الضغط سوى في مرات قليلة جداً.

اسرائيل اذاً رغم ضعف حكومتها، وحتى لو انهارت ومهما كانت الخيارات اللاحقة هي في موقع القوة، وهي اقدر دائماً على توظيف ازماتها لالقاء كرة النار على الطرف الفلسطيني الذي لا يستطيع الادعاء بأنه يملك اكثر من قوة الحق القانوني والتاريخي والاخلاقي في عالم لا يتعرف على كل ذلك بقدر ما يتعرف على حق القوة.

في اطار الصراع مع الفلسطينيين تبدو اسرائيل في غاية الراحة رغم بعض ما يمكن اعتباره منغصات، فأمنها مستقر الى حد كبير، وهي تتابع على الأرض وبالممارسة فرض مخططاتها التي تطيح بكل آمال التسوية، وهي تفعل ذلك عبر اربع وسائل: جدار الفصل العنصري الذي يرسم حدوداً جيوسياسية، والاستيطان الذي يتوسع في المزيد من اراضي الضفة، ويجري تسمينه باستمرار، والجهد الحثيث لتهويد القدس، وجعل اهلها اقلية، ثم عبر ممارستها للعدوان المستمر والمتصاعد في الضفة والقطاع.

اسرائيل اذاً ليست بحاجة الى خارطة طريق، ولا الى مبادرة عربية ولا الى اي مبادرة سياسية من اي طرف، اذ ان مرور المزيد من الوقت على الحال الجاري من شأنه ان يعدل مواقف وتدخلات الاطراف الدولية والاقليمية باتجاه التكيف مع ما تفعله اسرائيل على الأرض، في ضوء ذلك يرفض اولمرت الضعيف الاستجابة لدعوات الرئيس محمود عباس بالدخول فوراً في مفاوضات الحل الدائم، وهو ايضاً يحاول تعطيل اي جهد دولي او اقليمي في هذا الاتجاه بينما يقبل من باب المجاملة اجراء لقاءات متباعدة مع الرئيس عباس لبحث قضايا امنية واجرائية لا معنى لها ولا تؤسس لنتائج سياسية.

في المقابل يعاني الفلسطينيون من ازمة شاملة عميقة تتفاقم كل يوم وتتفاقم اكثر وأكثر كلما ارتفع سلاح فلسطيني في وجه فلسطيني آخر.

فلسطينياً نعاني من أزمة بنيوية، فالمطلوب تغيير النظام السياسي الفلسطيني بكل فروعه وتفاصيله. وفلسطينياً نعاني من أزمة صراع مدمر حول السلطة والحكم، واختلاف البرامج والاهداف البعيدة ونعاني من ضعف المؤسسة الرسمية وقدرتها على تلبية احتياجات الجمهور، حتى الحد الأدنى من احتياجاته. وفلسطينياً نعاني من ضعف الخيارات والمبادرات والوسائل، وانقسام حاد بشأن التوجهات العامة وكيفية التعامل مع المحتل الاسرائيلي الذي يواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني.

يعاني الفلسطينيون ايضاً من الحصار الدولي والاقليمي الظالم، وما ينجم عن ذلك من تدهور الوضع الاقتصادي، وتدهور المستوى المعيشي وازدياد ظاهرة الفقر عامودياً وافقياً، بالاضافة الى ضعف الانتماء...

يعاني الفلسطينيون من فلتان شامل وفوضى عارمة ومتفاقمة للسلاح ومن تغير البيئة الاجتماعية والاخلاقية والقيمية تراجعاً الى الخلف، ومن اقتتال ما ان يهدأ حتى يثور وبما يخلفه ذلك من انتشار وسيطرة ثقافة العنف في المجتمع وعلى مستوى الاسرة.

وكل ذلك يتسبب في تراجع الدعم العربي للفلسطينيين وقضيتهم على خلفية ما يفعله الفلسطينيون بأنفسهم وبشعبهم، ويتسبب ايضاً في اضعاف قاعدة وعوامل الصمود الشعبي، والخطاب السياسي والاعلامي...

الأزمة التي يعاني منها الفلسطينيون ولا يدركون لها حلاً، تتسبب في تعميق حالة الاحباط واليأس لدى الناس، وفي انفضاضهم عن الفصائل وفكرة العمل الجماعي المنظم، وفي تعميق ازمة الثقة بين القاعدة والقيادة، ان هذه الازمة المتفاقمة تهدد بانهيار السلطة، وبانهيار المشروع الوطني الفلسطيني، وايضاً بانهيار النسيج الاجتماعي، وربما بنتيجتها، تتراجع اكثر فأكثر مكانة القضية ومنظمة التحرير، الى حدود محزنة كما جرى في عهود سابقة.

هذه الأزمة ادت الى نشاط الافكار والاقتراحات الداعية للعودة بالأرض المحتلة الى ما كانت عليه قبل هزيمة حزيران 1967 حيث الضفة بعلاقات كونفدرالية مع الأردن، وقطاع غزة تحت الحكم الاداري المصري، او فليفعل فيه اهله ما يشاؤون، فضلاً عن ان البعض اخذ يفكر في وضع قطاع غزة تحت حماية دولية واقليمية.

القيادات السياسية تعرف كل ذلك، واكثر من ذلك، غير ان حساباتها الخاصة والفصائلية تملي عليها سلوكاً مختلفاً يصبح جزءاً من الأزمة، واحد ابرز اسباب استمرارها وتفاقمها.

ثمة الآن فرصة، لا يثق الجمهور بأن القيادات السياسية مستعدة لالتقاطها، ففي ضوء العدوان الاسرائيلي، يقدم الرئيس عباس مبادرة من عشر نقاط لتحقيق التهدئة مع اسرائيل، ومن اجل الانتقال الى مستوى المبادرة سياسياً.

غير ان هذه المبادرة مرفوضة من قبل حركتي حماس والجهاد وربما آخرين. الاشقاء المصريون بادروا الى دعوة الفصائل الخمسة كلاً على حدة، لبحث موضوعات التهدئة مع اسرائيل والتهدئة الداخلية، وربما يتبع ذلك لقاءات وحوارات جماعية. الكل يعرف ان هذه الحوارات تشكل وفق المؤشرات والمعطيات على الارض، الفرصة ربما الاخيرة، اذ في حال فشلها لا سمح الله، فإن دورة من العنف الاكثر قسوة، هي الاحتمال الاكثر واقعية.

المواطنون العاديون باتوا يعبرون عن اعتقادهم بأن دورة العنف القادمة، ستكون حاسمة وواسعة، وربما يتخللها استخدام وسائل قتالية مدمرة لم يسبق استخدامها في دورات العنف السابقة، خصوصاً وان جذوة النار لا تزال متقدة فعمليات الخطف والانتقام قائمة وسرعان ما ينتشر الملثمون في المفارق والشوارع العامة لأبسط الأسباب. ومن الواضح انه لم يعد امام المواطن سوى الدعاء بالرشاد لصناع القرار بعد ان طنشوا الرأي العام الفلسطيني.

- الأيام 31/5/2007 -

http://www.miftah.org